أدوار البطولة ...!
![أدوار البطولة ...! أدوار البطولة ...!](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/42839.jpg)
بعيداً عن أعين أطفالي ، وبالخلسة منهم ، أهرب بعيداً في باحة المنزل الخارجية لكي امارس عادة التدخين سيئة الذكر ، ففي كل مرة يقبضون فيها علي متلبساً بالجرم المشهود إما بالرائحة التي تزكم انوفهم الحساسة أو في عبوة الدخان التي قد أكون نسيتها في مكتبة المنزل ليبدأ الحساب الذي أستصعب الهروب منه ، فتارة ينهالون علي بالنصائح الطبية وما سأجنيه على نفسي وصحتي من أضرار فادحة قد تصل إلى أمراض خطيرة ، وتارة وإن لم تنفع جلسات الوعظ هذه يقومون بخطوات عملية أقلها تحطيم وتكسير سجائري ليكون في النهاية ضغط نفسي وعصبي بان من الواجب علي ان أعطيهم وعداً بان أقلع عن التدخين ولكنه وعداً للأسف لم ينفذ إلى الآن ، لأشعر في كل مرة إنني صغيراً أمام صغاري ، لا شك أنه شعور يبعث على الأسف بالنسبة إلي ....
وكثيراً ما يدفعني ذلك بان اتفكر واتدبر بمشكلتي هذه بشكل أوسع وأعمق بقضية كثيراً ما نتناساها في زماننا هذا ، ألا وهي مسألة "القدوة " فعندما تربي جيلاً بأكمله تسعى بكافة أنواع التوجيه والإرشاد أن تعلمه المثل والاخلاق وأن يكون جيلاً متفرداً عن كل ممن سبقوه بأدوار البطولة وفي نفس الوقت نكون نحن كمربين بعيدين عن الادوار البطولية هذه ، لنواسي انفسنا دائماً بان اجيالنا القادمة هي من سيقوم على عاتقها صون الحمى وتحرير المقدسات ، تماماً كما كان أسلافنا – عليهم الرحمة _ عندما سقطت فلسطين في عام النكبة بنوا أمالهم وأحلامهم بان جيل من ياتي بعدهم سيكون المحررا ، ليخيب ظنهم بعام النكسة ، وهلم دواليك لتتساقط بلاد عربية أخرى كانت ومازالت عزيزة ، لقد اوسعونا في طفولتنا حفظاً لقصائد علها تغرس حلمهم في نفوسنا ليكون حقيقة كقصيدة " فلسطين داري ودرب إنتصاري " أو قصيدة " أخي جاوز الظالمون المدى " ولكنها بقت مجرد أنشودة وقصائد نواسي فيها ضعفنا لنطلب من أجيالنا حفظها علهم يكونوا صحوتنا في زمن الإنكسار .
أنا على يقين بان من أكثر مصائبنا سبباً هي غياب القدوة ، فالقدوة قد غابت وتاهت وانقلبت فالأب كحالاتي لا يريد أن يتعلم ابناءه التدخين بقوة ولكنه ضعيف في حق نفسه ، والمدير يطلب من موظفيه في مؤسسته النزاهة والإستقامة وتجده في الكواليس يمارس الغش والتدليس للحصول على رشوة أو منفعة شخصية ، وإذا توسعت اكثر لتستطلع القدوة المفقودة فيمن ينادي بالثورة والحرية والنضال تجده يمارس أبهى صورها في الفنادق مع الغواني بعد ان كانت مقرونة بالفنادق والخنادق والاسوأ من ذلك كله الهالة الشنيعة التي يرسمها الإعلام في وقتنا الحاضر لنماذج مبتذلة لفنانين وفنانات ويريد من اطفالنا ان يأخذوهم قدوة ونموذجا" فباتت أجيالنا وزهرات شبابنا مفتونة " بالواكس " ليشعر بالفروسية أمام نظرات عاشقات " سامحني يا بابا " ، فرجولة هؤلاء تخطت الحدود " لتسحيل بناطيلهم " على مرأى الجميع لنتحمل في قرارة انفسنا باننا سبباً في ضياع جيلهم الذي في كل يوم وكل ساعة وكل لحظة يضيع .....
{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ سُورَةُ التَّوْبِةِ : 128 ] ..
في زمن الجاهلية الأولى كان سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم _ القدوة في النزاهة والامانة والشرف وفي زمن الدولة الإسلامية كان قدوة للصحابة اجمعين في جميع سماته وصفاته فوطدوا انفسهم للسير على نهجها فكانت لهم القوة ...اما نحن فقد أضعناها فاختلط علينا الحابل بالنابل لنعيش في ضعف وهوان وننأى بأنفسنا لان نكون قدوة لغيرنا بالكذب على انفسنا وعلى غيرنا ليكون ضعفنا متوارث جيل عن جيل ...فكان الله بعون أجيالنا القادمة على تركتنا الثقيلة ....
وعساها أن لا تكون طويــــــــــــــــــــــــلة .....