اليونانيون وقعوا في الفخ الأمريكي
![اليونانيون وقعوا في الفخ الأمريكي اليونانيون وقعوا في الفخ الأمريكي](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/42967.jpg)
كتبت في الأيام الأولى للكشف عن ازمة اليونان الأقتصادية مستعرضا الأسباب الرئيسية والحقيقية لهذه ألأزمة الإقتصادية التي هزت اوروبا بالكامل ، ودفعت الدول الأوروبية للبحث عن مخرج لها والتفكير بما قد يتبع ذلك من وقوع اقطار اوروبية اخرى في مثل هذه الأزمة الخانقة .
ألأزمة ألإقتصادية اليونانية المتفاقمة والتي تكاد تطيح بحزب الباسوك الحاكم في حال استمرار التظاهرات والإضرابات الي تشتد وتتصاعد يوما بعد يوم في ظل تشجيع المعارشة اليونانية وبدعم واضح ومنظم من قبل حزب " الينيا ديمقراطية" الديمقراطيون الجدد بقيادة كرامنليس ، وهكذا استمرت الإضرابات والتظاهرات التي كادت ان تشل الحركة الإقتصادية والسياسية والحياة الطبيعية في كافة أنحاء اليونان .
ولكن خلافات ألأحزاب اليونانية كافة وعلى رأسها الحزبان الرئيسيان "الباسوك وهو الحزب اليساري الحاكم بقيادة جورج بباندريو الإبن وحزب الديمقراطيين الجدد اليميني المعروف بموالاته لأمريكا والغرب بقيادة كرامنليس " الى أي حد ومد يمكن ان يذهبا بأزمة اليونان المالية وهل يضعاها في طريق أزمة مالية عالمية جديدة ؟ واقع الحال وإنقسام اليونانيين بهذه الحدة وتزمت الديمقراطيون الجدد وإثارتهم للشارع اليوناني ودفعه لمواصلة الشغب والتخريب وإثارت الفتنة الهادفة الى تأزيم الأوضاع الى حد يشير الى ان اليونانيين ربما وقعوا في فخ الإغراء الأمريكي العالمي أي الديون سيما وان النموذج الرأسمالي الأمريكي بات هو المقياس والمثال الذي ذهبت غالبية ان لم يكن كل الاقتصاديات الغربية في طريقه، وربما أجاد احد المحللين الاقتصاديين عندما أشار الى ان اليونانيين مدوا أرجلهم أكثر من غطائهم، ووقعوا هذه المرة في هوة ديون ليس من السهل الخروج منها، أضف الى ذلك ان الفساد السياسي والحكومي مستشر في بلاد اليونان بدرجة ربما ليس من السهل اجتثاثها، وقدرة الاقتصاد اليوناني في النمو محكومة بعوامل تشده الى الخلف أكثر مما تدفعه الى الأمام، والنتيجة المؤكدة للعوامل المتقدمة ان اليونان وجدت نفسها امام عجز في موازنتها يصل الى أكثر من 12% من إجمالي الناتج المحلي، وهو اكبر بأربعة أضعاف من الحد الاسمى للدول التي تستخدم اليورو، أما في الداخل فقد وصل الدين الوطني الى ضعف الحد المسموح به، ولم تكن الأيادي المالية الامريكية بعيدة عن المشهد إذ طفت على السطح مؤخرا أنباء اقتصادية تشير الى ان الاتفاقيات التي عقدتها حكومة اليونان أخيرا مع بنك جولد مان ساكس الأمريكي منذ عام 2001 في الولايات المتحدة الامريكية قد أسهمت في إخفاء بعض الديون الحكومية عن أعين المفوضية الأوروبية .
ومن نافلة القول ان غياب الشفافية الاقتصادية يقود ولا شك الى بدايات المهالك وهذا ما كانت اليونان ماضية فيه قدما إذ عمدت في الغالب الى إخفاء مؤشراتها، ولم تكن هناك أسئلة كثيرة تثار بشأن حقيقة الأوضاع الاقتصادية داخلها،وتشير تقارير إقتصادية يونانية الى ان إنتشار الفساد والتهرب الضريبي وصلا الى أسوأ حالاتهما، حيث عملت ملايين المؤسسات التجارية والاقتصادية في اليونان دون إدراجها في السجلات الضريبية، وتردد ان واحدا من كل أربعة من اليونانيين يعمل في القطاع الحكومي ما يشير الى انه نظام مصمم لإنتاج العجز.
ومع إعلان دول الاتحاد الأوروبي تقديم قروض تصل الى 110 مليارات دولار بعد ان شعرت دول الاتحاد بالخطر الجسيم الذي بات يتهددها ربما كانت هناك إرهاصات للتوصل الى حل لإشكالية الازمة المالية اليونانية وان كان من المبكر القول بانتهائها سيما وان هناك أصواتا ترى ان الازمة في أوروبا بشكل عام لم تصل الى القاع بعد فهناك دول مثل البرتغال واسبانيا مرشحة اقتصادياتها كذلك لمثل ما جرى للاقتصاد اليوناني .
غير انه لابد من تحديد زاوية للنظر الى الازمة سيما وان اليونان تدفع الثمن الكثير بسبب الأخطاء المالية التي ارتكبتها ومأساة اليونان كما يقول محللون إقتصاديون عالمييون ليست إلا إرهاصا بالمخاطر الجسيمة التي يمكن ان تؤدي إليها السياسات المالية الانكماشية .
ويعد العامل الأساسي لفهم مأزق اليونان هو ان ندرك ان المسألة لا تتعلق فقط بالزيادة المفرطة في الديون، فعلى الرغم من ان دين اليونان العام يبلغ 113% من إجمالي الناتج المحلي فان هناك بعض الدول الأخرى تعاملت مع مستويات مشابهة من الدين دون التعرض لازمة . لا مجال لذكرها هنا لحاجتها الى شرح يطول على ان السؤال المطروح حاليا على مائدة النقاش .. ما هي الدروس المستفادة من الازمة المالية اليونانية ؟
الجواب ولاشك يذهب في طريقين الأول أثار الازمة عالميا، والثاني عربيا وهذه التي تهمنا بالدرجة الأهم.
أما عن الدروس العالمية فتلفت باديء بدء وبخاصة عند علماء الاجتماع والاتصال الى تأصيل فكرة القرية الكونية العالمية، وتأكيد حقيقة «القرية العالمية» التي بات العالم يعيش فيها فرغم ان العالم الروماني القديم على سبيل المثال عانى من انهيار إمبراطوريته في وقت من الأوقات إلا ان بقية دول العالم لم تنهر وقتها ، ذلك ان مستويات الاتصال وتشابك وتعقد العلاقات الاقتصادية آنذاك لم تكن قد بلغت ذروتها كما الحال في الاونة الاخيرة ولهذا جاءت الخسائر اقل، أما في حال الولايات المتحدة الامريكية فقد قادت العالم من ورائها الى الانهيار حيث ان اذرعها الأخطبوطية الاقتصادية والثقافية والعسكرية بل والاجتماعية ممتدة حول العالم.
اما فيما يتعلق بتأثير ألأزمة الإقتصادية التي ألمت باليونان ومدى قدرة العرب على دراستها جيدا من أجل تلافي الوقوع بها سأتحدث عنه في مقالتي القادمة ان شاء الله .