العمالة المصرية في ليبيا.. بين شبح السياسة و"بعبع" الجوع
المدينة نيوز - : بين البحث عن لقمة العيش والخوف من التصنيف السياسي الاتهام بالإرهاب، يعيش العمال المصريون في ليبيا وسط دوامة من القلق والحيرة، حيث يضطرون للمغامرة من أجل لقمة العيش.
ملايين أم آلاف؟
ينقل الوكيل السابق لوزارة العمل الليبية إبراهيم أبو بريدعة عن وزير العمل المصري أن عدد العمال المصريين في ليبيا بلغ مليونين في العام 2012، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية تسعى لرفع نسبتهم إلى 4 ملايين خلال الأعوام الثلاثة القادمة.
غير أن تقديرات غير رسمية تشير إلى وجود بضعة آلاف من العمال المصريين، الذين مازالوا يعملون في ليبيا حتى الآن، جلهم في المنطقة الشرقية، وأغلبهم يمتهنون مهناً متواضعة، رغم الأوضاع الأمنية غير المستقرة.
شبح “داعش”
وبعد بدء اللواء المتقاعد خليفة حفتر "عملية الكرامة”، وإعدام تنظيم "داعش" في مدينة سرت لمجموعة من العمال المصريين الأقباط، بالإضافة إلى دعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحفتر ضد تنظيم “فجر ليبيا”، ازداد خوف العمال المصريين وشعورهم بالتهديد، ما دفع البعض إلى مغادرة ليبيا، إلا أنهم ما لبثوا أن عادوا إليها مجدداً بعد أن فشلوا في ضمان فرص عملٍ في مصر.
ابتعد عن السياسة!
يقول خيري وهو عامل تقني في إحدى المؤسسات إنه عاد من ليبيا إلى مصر مرتين خلال هذا العام، في محاولة لإيجاد عمل مناسب وذلك "لتلبية احتياجات أسرتي وأولادي، لكني لم أوفق بذلك، فنسبة البطالة كبيرة جداً في مصر إضافة إلى تضاعفها بسبب عودة العمال من ليبيا، كما أن مستوى الأجور منخفض جداً بالمقارنة مع ليبيا، ما اضطرني للعودة مجدداً من أجل تأمين لقمة العيش لي ولأولادي الذين تركتهم هناك".
ويتجنب الكثير من العمال المصريين الحديث في الأمور السياسية والخوض في النزاع الحاصل بليبيا، خوفاً من استثارة غضب الموالين لهذا الطرف أو ذاك.
ويرى عبد السلام - أحد هؤلاء العمال - ذلك أفضل أسلوب للابتعاد عن المشاكل، ويضيف أنه يثبت التلفاز الموجود في محل عمله على قناة منوعات حتى لا يضطر للدخول في نقاشات سياسية مع الزبائن.
ويذكر عبدالسلام أن تحركاتهم كمصريين تقتصر على التنقل بين مقر العمل والسكن وبعض الأماكن الضرورية، خاصة في الليل، حيث يلتزم الجميع منازلهم ولا يخرجون إلا للطوارئ، مؤكدا أنه طوال فترة وجوده في طرابلس لم يتعرض له أحد بالسوء.
السيسي أم مرسي؟
لا تخلو بعض الأحداث من روح النكتة المصرية المعروفة، كما حصل مع عربي، وهو أحد العاملين في مقهى بطرابلس.
فبينما كان عربي يحضّر طلبيةً لأحد زبائنه، سأله أحد الليبيين عما إذا كان يدعم السيسي أم مرسي، ليجيبه على الفور بأنه يدعم الرئيس السابق مرسي.
ويضيف عربي أنه في طرابلس "نقول مرسي، وفي طبرق أو بنغازي نقول السيسي، وذلك طبقاً للسلطة التي تسيطر على المنطقة".
مخاطر السفر
يعاني أغلب المصريين من المخاطر أثناء سفرهم بين المناطق الليبية أو السفر عبر البوابات الحدودية البرية، خاصةً في الفترة التي كانت فيها مطارات المنطقة الغربية مغلقةً، وكان يرافقهم في هذه الرحلات غالباً أحد أصدقائهم من الليبيين تحسباً لأي مخاطر تواجههم من خطف أو سرقة أو ما شابه.
يشير العامل المصري خيري إلى "مضايقاتٍ تحصل لهم على البوابات الحدودية أو في المطارات من قبل الأعوان الأمنيين أو الإداريين"، كما يتم تشديد إجراءات التفتيش والاستجواب، سواءً في المنطقة الغربية أو الشرقية، وذلك تحسباً لأن يكون بينهم متشددين أو عناصر تنتمي لجماعات متشددة كتنظيم الدولة الإسلامية.
وتهدف هذه التشديدات أيضاً إلى التأكد من توجه البعض للتدرب في معسكرات تابعة لهذه التنظيمات، قبل أن يتم ترحيلهم إلى مناطق الصراعات كسوريا والعراق، أو حتى مصر نفسها.
اتهامات بالفساد
خلال الفترة الأولى من بدء النزاع في ليبيا، أُعيد مئات العاملين المصريين فور وصولهم إلى المطارات الليبية. وعزت سلطات المنطقة الغربية حينها السبب إلى "وجود تأشيرات سفر ليبية مزورة منحت لهم في مصر عبر مكتب العمل الذي يتبع وزارة العمل الليبية ومقره القاهرة".
وسجلت مخالفات بحوالي ألفي تأشيرة مزورة تم استيراد اللصاقات الخاصة بها من الصين، كما يؤكد ذلك لـ "هافينغتون بوست عربي" وكيل وزارة العمل السابق أبو بريدعة.
وكانت هذه التأشيرات قد صدرت جميعها عن مكتب يرتبط مباشرةً بالسفارة الليبية بالقاهرة ويُعتبر جانباً مسانداً للسفارة من ناحية الملحق العمالي، وتتمثل مهامه في إعداد قوائم عمالة حقيقية سليمة، وتأكيده أهلية العامل لأداء المهنة المطلوبة منه، حسب شهادات علمية مهنية سليمة واختبارات عملية حقيقية.
ويعتمد هذا المكتب اسم العامل ليزكيه للقنصلية الليبية، لتستصدر بدورها تأشيرة العمل، إلا أن المكتب أوقف عن العمل بسبب الفساد.
وعلى الجانب الآخر، وضعت مصر بعض القيود على سفر عمالها إلى ليبيا كإجراءات أمنية مخافة انضمامهم لبعض التنظيمات التي تعتبرها إرهابية.
مشروع منظمة الهجرة الدولية
من جانبها، طرحت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة مشروعاً يسعى لتوطين العمالة الأجنبية في ليبيا، خاصةً من الجنسيات المصرية والتونسية والأفريقية.
وكان هذا المشروع - بحسب أبو بريدعة -، يتضمن إجراءات تؤدي إلى تسهيل إعطاء التأشيرة اللازمة للعمل في ليبيا، وكذلك تسهيل الحصول على بطاقة الإقامة وتحسين شروط العمل، إضافةً إلى إطالة مدة عقود العمل من سنة إلى 5 سنوات كضمان استقرار للعامل. كما يهدف المشروع إلى رفع مستوى تدريب هذه العمالة من الناحية التقنية والمهنية لتفي بمتطلبات السوق الليبية.
أما الهدف الاستراتيجي غير المعلن عنه، بحسب أبو بريدعة، فكان العمل على ألا تعبر قوافل العمالة الأجنبية من ليبيا باتجاه دول الاتحاد الأوروبي.
ويرى أبو بريدعة أن هذا المشروع يؤدي إلى "غرق ليبيا بالعمالة المهاجرة، كما يؤدي إلى إغراق السوق الليبية بالعمالة وتكدسها، ما يشكل تهديداً على الأمن القومي، وقد يكون عاملاً رئيسياً في نقل الأمراض من وسط أفريقيا إلى ليبيا"، على حد تعبيره. هافينغتون بوست عربي