جوبر.. إنسان مهجّر وتراث مدمر
المدينة نيوز - : أينما كنت في دمشق ستهتز الأرض من تحت أقدامك مع كل صاروخ تطلقه قوات النظام من جبل قاسيون على حي جوبر، وستسمع أصوات الاشتباكات والانفجارات يتردد صداها في مختلف أنحاء العاصمة.
بهذه الكلمات تصف سلمى -ابنة حي جوبر- ما تفعله قوات النظام يوميا في حيها الذي تركته مجبرة مع عائلتها، لتستقر في إحدى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام بالعاصمة دمشق.
وتقول سلمى "لم تعد شمس دمشق تشرق من جوبر بعد أن غطت أجواء الحي سحابة سوداء بفعل القصف الصاروخي والجوي المستمر من قبل قوات النظام منذ قرابة ثلاثة أعوام".
لكن سواد هذه السحابة -برأي سلمى- لا يقارن أبدا بما حل بأهالي الحي الذين كان عددهم يتجاوز ثلاثمئة ألف، نزحوا هربا من الموت، باستثناء بضع عشرات ما زالوا يكابدون صعوبة العيش على وقع القصف والاشتباكات، وفي وسط الدمار الهائل الذي طال كل شيء.
ويقدر المجلس المحلي لحي جوبر نسبة الدمار الكلي الذي لحق بأبنيته بأكثر من 50%، وتتجاوز هذه النسبة 90% إذا أضيفت إليها الأبنية المدمرة جزئيا.
أقدم كنيس يهودي
لا يكاد يخلو جانب في حي جوبر من المواقع الأثرية والدينية، ومن أبرزها كنيس إيلياهو هانابي الذي يعد أقدم كنيس يهودي في العالم، والذي بناه النبي إلياشع عام 720 قبل الميلاد على قبر النبي إلياهو والمغارة التي لجأ إليها هربا من ملكة السامرة الوثنية إيزابيلا، كما ورد في التوراة.
والنبي إلياهو هو نفسه إلياس لدى المسلمين والنصارى، والخضر عند بعض الطوائف، الأمر الذي يجعل المكان مقدسا لدى أتباع مختلف الديانات السماوية.
ويضم الكنيس مخطوطات ومقتنيات لا تقدر بثمن، أهمها نسخة للتوراة تعد من الأقدم في العالم، لكن كل ذلك لم يجعل الكنيس بمعزل عما يتعرض له حي جوبر، حيث لحق به دمار كبير بفعل الصواريخ والقذائف التي سقطت عليه، فانهار سقفه وتداعت جدرانه ونهبت محتوياته بالكامل.
واتهمت المعارضة المسلحة قوات النظام بنهب كنيس إيلياهو هانابي قبل انسحابها من حي جوبر، بينما اتهم إعلام النظام من قال إنهم مجموعات إرهابية بسرقة محتوياته لحساب إسرائيل، بينما عبرت الأمينة العامة لمنظمة اليونسكو إيرينا بوكوفا عن استيائها الشديد لتدمير هذا الكنيس التاريخي.
استهداف المساجد
على الجانب الآخر من حي جوبر، كان مسجد الصحابي حرملة ابن الوليد قائما، قبل أن تفخخه قوات النظام وتسويه بالأرض عند اضطرارها للانسحاب إثر هجوم للمعارضة المسلحة، وذلك بعدما استخدمته ثكنة عسكرية لأكثر من عام.
ويضم المسجد قبر الصحابي حرملة ابن الوليد، ويرتبط في التاريخ الدمشقي بأداء فريضة الحج، حيث كان لمئات السنين مركزا لتجمع قوافل الحج ومودعيها.
موقع آخر له أهمية دينية وتاريخية كبيرة، هو جامع جوبر الكبير المعروف في كتب التاريخ بالجامع العمري، ويرجع البعض تاريخ بنائه إلى عصر الفتح الإسلامي لدمشق، وقد دمر مدخله الرئيسي بالكامل، وتركت القذائف فجوات في سقفه، بينما تمتلئ باحاته ومصلاه بالركام.
وفي حي جوبر أيضا مساجد ومواقع لا يعرف تاريخها على وجه الدقة، لكن الأهالي يؤكدون أنها تعود لمئات السنين، منها جامع العمادية ومسجد محمد ابن أوس، ومسجد السادات، ومقام الأصمعي، والحمّام العتيق، وكلها نالت نصيبها من الدمار.
لكن أبو إياد -الناشط الإعلامي من حي جوبر- يقول "إنه مهما كانت خسارتنا كبيرة بدمار تراث أجدادنا وحضارتنا، فإن خسارتنا للإنسان في جوبر هي الأكثر ألما وحرقة، فالأم التي فقدت أطفالها تحت الأنقاض، لن تكترث بتاريخ الحجارة التي سقطت عليهم". الجزيرة