المادة 308/عقوبات تميّز بين الجناة وبين الضحايا وتثير تساؤلات عن مدى دستوريتها
المدينة نيوز :- اصدرت جمعية معهد تضامن النساء الأردني بياناً ، الأربعاء ، وصل المدينة نيوز نسخة منه وتالياً نصه :
يحتفل العالم اليوم الخميس 10/12/2015 باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وبإنتهاء حملة الـ16 يوماً لمناهضة العنف ضد النساء، حيث نفذت جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" والتحالف المدني الأردني لإلغاء المادة 308 حملة مكثفة خلال ذات الفترة تركز على إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات الأردني، من خلال نشر نتائج أول دراسة بحثية وعلمية شاملة والتي حملت عنوان "الجرائم الجنسية ضد النساء – المادة 308 من قانون العقوبات الأردني نموذجاً".
وتعتقد "تضامن" بأن المادة 308 من قانون العقوبات تتعارض مع نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 وعلى وجه الخصوص المادة الثالثة منه والتي جاء فيها :"لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه". وعليه فإن من واجب الدول حماية الضحية وملاحقة الجاني في الجرائم الجنسية كون فعله يشكل إعتداءاً على حق الضحية في الأمان الشخصي وإنتهاك صارخ لحريتها ويعرض حياتها الى خطر شديد.
وتقول رباب (إسم مستعار) وهي ضحية لجريمة إغتصاب :"التبليغ عن الإغتصاب فوراً ومهما كانت النتيجة لأن السكوت أو الإنتظار ليس في صالح المعتدى عليها أبداً...وقد يؤدي الى ضياع الأدلة...بل على العكس قد يفسر ضدها كما حدث معي".
وتثير المادة 308 العديد من التساؤلات حول مدى دستوريتها حيث أن الأصل في التشريعات أن تطبق على جميع الأشخاص دون تمييز أو تفرقة، غير أن الواقع يشير الى عكس ذلك، حيث يقول القاضي علي أبو زيد، مدعي عام محكمة الجنايات الكبرى :" نعم قد يكون هناك أكثر من جاني وفي هذه الحالة المجنى عليها هي من تقرر بمن تريد الزواج ولا يفرض عليها وعلى الأغلب الذي يتقدم مبكراً ويحسم أمره بإتجاه الزواج يفلت من العقاب والأخرون يحاكمون، وربما في هذه الحال قد تلمس أن هناك من عوقب وهناك من أفلت من العقاب لأنه سبق بالزواج منها، وربما البعض إمتلك المال أو السلطة أو أسرع بالمبادرة أو إمتلك المعلومة قبل الاخرين، لكن هذا هو النص القانوني ونحن ملزمين بالتطبيق والعدالة بالنسبة للقاضي تكمن في تطبيق النص القانوني."
وتضيف "تضامن" بأن المادة 308 تسمح بالتمييز بين الأشخاص في حالة تعدد الجناة أو تعدد المجني عليهن، أو في حالة عجز الجاني المادي عن الوفاء بمتطلبات الزواج من الضحية ، أو في حالة إختلاف الدين، وخاصة إذا لم يكن الجاني مسلماً، أو إذا كانت الضحية متزوجة عند وقوع الإعتداء الجنسي.
كما أن المادة 308 لا تحقق الردع بنوعيه الخاص والعام، وفي هذا الإتجاه يكمل القاضي علي أبو زيد خلال مقابلته أثناء إجراء الدراسة :"كما ويمكن لمرتكب الجرائم الجنسية الزواج من أكثر من ضحية، نعم والتكرار معمول به كظرف مشدد ولم يحدث تغيير على هذا النص ولم يلغ التكرار كظرف مشدد ابداً ، والتكرار هنا لا يعني فقط العودة بنفس فعل الإغتصاب مرة اخرى بل بأي أفعال جرمية يعاقب عليها القانون. بمعنى لو إغتصب ثم عاد وسرق تعتبر السرقة هنا ظرف مشدد للعقوبة وتضاعف له العقوبة، لكن السؤال هو متى يكون التكرار ظرف مشدد للعقوبة؟؟؟؟ يكون ذلك في حال صدور قرار حكم من محكمة الجنايات وإكتسابه الدرجة القطعية من محكمة التمييز وهذا يعني (أنه في حالات الإغتصاب أو الجرائم الجنسية التي تتوقف فيها الملاحقة بسبب الزواج لا يكون هناك أحكام اذا كانت ما زالت لدى الإدعاء العام أو حتى لو حولت للمحكمة وإبتدأت جلسات المحاكمة ثم خلال ذلك تمت المصالحة بين الطرفين وعقد الزواج وتم إبراز عقد زواج صحيح لطرف المحكمة لا يكون في هذه الأحوال أحكام قطعية مميزة وبالتالي لا مكان لتطبيق التكرار كظرف مشدد "هذه ثغرة ونقطة ضعف بالقانون" لأن ذلك يعني أن المغتصب يستطيع أن يتزوج مرة أخرى من مغتصبة أخرى في حال تمت المصالحة والزواج المرة الاولى قبل وجود أحكاماً قطعية مميزة ."
ضحايا المادة 308 بين فكي جريمة الإغتصاب وجريمة القتل بذريعة "الشرف"
علاوة على ما سبق فقد اظهرت نتائج الدراسة عند سؤال الأردنيين في حال عدم موافقة الضحية على الزواج من الجاني، أجاب 46% منهم بأنها ستكون عرضة للقتل بذريعة "الشرف"، كما أظهرت البيانات فروقات بين نسب الأفراد حسب الفئات العمرية فكانت غالبية الأفراد الذين إختاروا هذه الإجابة تقع أعمارهم ضمن الفئة العمرية 56 عاماً فأكثر وبنسبة بلغت 59%.
ويعتقد 28% من الأردنيين بأن الضحية ستكون منبوذة من المجتمع، و15% يعتقدون بأن الضحية ستكون قادرة على مواصلة حياتها الطبيعية بالمساندة والدعم.
التوقيف الإداري للضحايا بحجة حمايتهن
أظهرت الإحصائية العامة لمراكز الإصلاح والتأهيل للسبعة أشهر الأولى من عام 2014 والصادرة عن إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل بمديرية الأمن العام ، أن عدد الإدخالات لمركز إصلاح وتأهيل النساء / الجويدة خلال سبعة أشهر بلغ 1981 إمرأة في حين وصل عدد الإفراجات الى 2123 إمرأة.
النسبة الأكبر من النساء الموقوفات والمفرج عنهن من مركز إصلاح وتأهيل النساء هن موقوفات ومفرج عنهن إدارياً ، بموجب قانون منع الجرائم رقم 7 لعام 1954 والذي يعطي الحكام الإداريين من محافظين ومتصرفين صلاحية توقيف الأشخاص إدارياً .
فخلال عام 2014 وحتى تاريخ 31/7/2014 تم إدخال 184 إمرأة محكوم عليهن بأحكام قضائية ، و 426 إمرأة عليهن قضايا لا زالت منظورة أمام المحاكم ، و 1371 إمرأة موقوفات إدارياً. وبمقابل ذلك وخلال نفس الفترة تم الإفراج عن 309 إمرأة محكوم عليهن ، و 463 إمرأة كانت عليهن قضايا منظورة أمام المحاكم ، و 1351 إمرأة موقوفات إدارياً.
إن 69.2% و 63.6% من الإدخالات والإفراجات على التوالي هي لنساء تم إدخالهن والإفراج عنهن إدارياً، وهي نسب تشير الى زيادة في أعداد الموقوفات إدارياً وإنخفاض في أعداد المفرج عنهن إدارياً مقارنة بإحصائيات عام 2013 التي بينت بأن 64.8% و 65.4% من الإدخالات والإفراجات على التوالي هي لنساء تم إدخالهن والإفراج عنهن إدارياً.
علماً بأن الإحصائية لم تبين سبب التوقيف الإداري كما لم توضح جنسيات النساء والمدة التي قضينها في مركز إصلاح وتأهيل النساء. وعادة يتم توقيف النساء غير الأردنيات لقضايا تتعلق بالإقامة والعمل في الأردن ، فيما يتم توقيف العديد من النساء الأردنيات حماية لهن وخوفاً على حياتهن.
وأشارت دراسة صادرة عن المركز الوطني لحقوق الإنسان عام 2009 بعنوان "التوقيف الإداري:صلاحيات قضائية بأيدي تنفيذية" بأن الحكام الإداريين يبررون اللجوء لتوقيف النساء والفتيات إدارياً حفاظاً على حياتهن وعلى وجه الخصوص في الحالات التي تتغيب فيها النساء والفتيات عن منازل أهاليهن أو أزواجهن، أو في الحالات التي ينهين فيها مدة محكوميتهن عن جرائم الزنا أو غيرها من الجرائم التي تمس الشرف، كون تركهن طليقات قد يؤدي الى قتلهن على أيدي أقاربهن أو أزواجهن.
إن العديد من المشاكل التي تواجه الموقوفات إدارياً بمركز إصلاح وتأهيل النساء تعود لسبب إختلاطهن بالمحكومات والموقوفات قضائياً خاصة مع صاحبات السوابق الجرمية. كما أن العديد منهن موقوفات إدارياً منذ سنوات عديدة.
من واجب الدولة حماية الضحايا ومعاقبة الجناة
وترى "تضامن" بأن نص المادة 308 من قانون العقوبات الأردني يتضمن تساهلاً وإهداراً للحق العام، وهو حق المجتمع ممثلاً بالدولة بمعاقبة الجاني عن الجريمة التي يرتكبها ومنها الجريمة الجنسية. ومن حق المجتمع فرض العقوبة على الجاني حتى لو تم إسقاط الحق الشخصي للمجني عليها في الجريمة الجنسية، كون الجريمة قد أخلت بأمن وإستقرار المجتمع. والقانون يسقط الحق العام بإسقاط الحق الشخصي في الجرائم البسيطة والتي لا تشكل خطورة على المجتمع.
أما في الجنايات كجرائم القتل فلا يسقط الحق العام تبعاً لإسقاط الحق الشخصي، لذا فإن "تضامن" تجد بأن المادة 308 من قانون العقوبات تهدر حق المجتمع المتمثل بالحق العام من خلال وقف الملاحقة أو وقف تنفيذ العقوبة إذا تم تزويج الضحية من الجاني خاصة في الجنايات كجريمة الإغتصاب التي قد تصل فيها العقوبة الى الإعدام، وهذا ما عبر عنه الأردنيون حينما أشار غالبيتهم الى ضرورة معاقبة الجاني عن الجريمة التي إرتكبها حتى لو تزوج من الضحية وفق المادة 308.
على الأردن الوفاء بإلتزاماته الدولية
وتشكل الصكوك الدولية ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان ومنهاج عمل بكين والوثائق الختامية والإعلانات المعتمدة بمناسبات عديدة سابقة ، والإلتزامات الدولية للمساواة بين الجنسين وتمكين النساء ، والإتفاقيات الدولية والإعلانات والقرارات الدولية المتعلقة بالنساء ومنها القرارات ذوات الأرقام (1325) و (1820) و (1888) و (1889) و (1960) وغيرها من القرارات ، وقرارات مجلس حقوق الإنسان ، تشكل جميعها الإطار القانوني الدولي الذي من شأنه يمكن إتخاذ التدابير لمنع جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات والقضاء عليها.
وقد صادق الأردن على العديد من الإتفاقيات والإعلانات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق النساء والأطفال بشكل خاص، ومنها على سبيل المثال إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وإتفاقية حقوق الطفل، وإتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها، وإتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
كما صادق على إتفاقية منع الإتجار بالأشخاص وإستغلال دعارة الغير، وإتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة، والإتفاقية الخاصة بجنسية المرأة المتزوجة، وإتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج، وبروتوكول تعديل الإتفاقية الخاصة بالرق لسنة 1926، والإتفاقية التكميلية لإبطال الرق وتجارة الرق والاعمال الشبيهة بالرق، والإتفاقية المتعلقة بحقوق الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة.
كما وقع الأردن على بروتوكولين إختياريين حول حقوق الطفل بشأن إشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة وبيعهم وإستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية، وصادق الأردن على نظام روما الأساسي بخصوص المحكمة الجنائية الدولية، وكان الأردن أول دولة عربية تصادق على الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي دخل حيز االتنفيذ في 15/3/2008.
وتشكل "خطة عمل إسطنبول" إعترافاً حكومياً للدول الأورومتوسطية ومن بينها الأردن بوجود حالة عدم المساواة بين الجنسين والى ضرورة إتخاذ كافة التدابير اللازمة لمعالجة ذلك.
إن ذلك كله يرتب على الأردن إلتزامات داخلية تتمثل في موائمة التشريعات الوطنية مع الإتفاقيات الدولية لضمان تعزيز وحماية حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق النساء والفتيات والأطفال بشكل خاص، كما يرتب إلتزامات دولية ومن بينها تقديم تقارير دورية للجان الدولية المختصة خلال فترات معينة لبيان مدى التقدم المحرز بالمجالات المختلفة.
وفي ظل هذه المعطيات، فإن "تضامن" والتحالف المدني الأردني لإلغاء المادة 308 يطالبان الحكومة ومجلس الأمة الإستجابة للمطالب التي عبرت عنها الحركة النسائية في الأردن منذ سنوات، والوفاء بإلتزاماته خاصة أمام اللجان الدولية، والعمل سريعاً على إلغاء نص المادة 308 لإنهاء سياسة الإفلات من العقاب ولتحقيق العدالة الجنائية للنساء والفتيات ولإنهاء النصوص التمييزية ضدهن في التشريعات خاصة قانون العقوبات الأردني.
يذكر أن مشروع "نجاة – معاً لملاحقة الجناة وحماية النساء الناجيات من جرائم العنف الجنسي" بدعم من الشعب الأمريكي ومن خلال المنحة المقدمة من برنامج USAID لدعم مبادرات المجتمع المدني والمنفذ من قبل منظمة صحة الأسرة الدولية FHI 360 وبتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). ويعتبر هذا المحتوى من مسؤولية "تضامن" ولا يعكس بالضرورة آراء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) أو آراء الحكومة الأمريكية أو حتى آراء منظمة صحة الأسرة الدولية FHI 360.
جمعية معهد تضامن النساء الأردني – 9/12/2015