الطاقة الشمسية بمستشفيات غزة بديل لانقطاع الكهرباء
المدينة نيوز - : قبل ثلاث سنوات سقط صبي من ارتفاع ثلاثة طوابق على الأرض عندما خرج في الظلام بغير قصد من أحد جوانب منزله الذي دمره القصف الإسرائيلي، ليتم نقله مباشرة إلى غرفة الطوارئ في مستشفى الشفاء، حيث تسلمه الدكتور بن طومسون الطبيب المتطوع من كندا.
وبدأ طومسون إدخال أنبوب الصدر لسحب الهواء والدم الذي تجمع خارج رئتي الصبي، وهو إجراء عادة لا يستغرق سوى بضع دقائق للقيام به، لكن مع عدم وجود الكهرباء ناضل طومسون كثيرا ليقوم بعمله.
يقول طومسون للجزيرة "لم أستطع أن أرى، وكنت أحاول وضع هذا الأنبوب في الظلام، وما كان يستغرق خمس دقائق أو أقل استغرق مني نحو 25 إلى ثلاثين دقيقة، والصبي مات بسبب شيء كان يمكن تفاديه بسهولة".
وأضاف "كان من الممكن إصلاح ذلك، كان يمكن أن ينجو، لو كنت فقط أستطيع أن أرى ما كنت أفعله. الناس يموتون في غزة غالبا وبانتظام ويوميا بسبب عدم وجود الكهرباء".
معاناة
يحدد في غزة كثيرا توافر الكهرباء في غرفة الطوارئ إذا كان المريض سيعيش أ يموت، وعانت الأراضي الفلسطينية المحاصرة سنوات من نقص مزمن في الطاقة في ظل الحصار الإسرائيلي.
وازدادت الحالة سوءا بعد الهجوم الإسرائيلي عام 2014، الذي دمّر محطة الطاقة في غزة، وحتى قبل الحرب فإن الكهرباء الموردة من إسرائيل كانت أقل من نصف الاحتياجات المقدرة للقطاع.
ويمكن لانقطاع تيار الكهرباء أن يدوم أكثر من 16 ساعة في اليوم، وعندما يكون متاحا تأتي الكهرباء بشكل متقطع لفترة تتراوح بين خمس وثماني ساعات خلال فترات زمنية متساوية.
يقول طومسون "الحل بديهي للغاية، وهو أننا بحاجة إلى مصدر للطاقة المستدامة والمستمرة والتي يمكن الاعتماد عليها وتخزينها واستخدامها".
ولحسن الحظ فإن غزة من أغنى البلدان في العالم بأشعة الشمس، فالقطاع يتمتع في المتوسط بـ 320 يوما مشمسا سنويا، مما يجعل الطاقة الشمسية مصدرا بديلا وجذابا للطاقة.
مشروع
وانطلاقا من هذه القناعة، قام طومسون في الصيف الماضي بالتعاون مع عدد من الأطباء الكنديين بإطلاق مشروع "تمكين غزة" الذي يهدف إلى تركيب الألواح الشمسية في المستشفيات الرئيسية في جميع أنحاء القطاع.
ونجح المنظمون في جمع أكثر من 215 ألف دولار من خلال موقع "Indiegogo"، وهو ما يكفي لتمويل تركيب الألواح الشمسية في مستشفى الأقصى، علاوة على أن مؤسسة كندا للإغاثة الإسلامية تبرعت بمبلغ 1.5 مليون دولار مما سيساعد في تمويل ستة مستشفيات كبرى، بما في ذلك مستشفى الأقصى.
وسيبدأ تركيب الألواح الشمسية في مستشفى الأقصى هذا الشهر، وبحلول يونيو/حزيران 2017 يجب أن تكون جميع الألواح ثبتت في أربعة مستشفيات.
وستوفر هذه الألواح مصدرا يعتمد عليه لتوفير الطاقة لغرف الطوارئ ووحدات العناية المركزة وغرف العمليات على مدار 24 ساعة يوميا، بينما تشكل المولدات التي تعمل بالديزل حاليا مصدر الطاقة الأساسي للمستشفيات.
يأتي هذا في حين يستخدم مستشفيا الشفاء والنصر حاليا الطاقة الشمسية لتشغيل وحدات العناية المركزة.
ومنذ أن تم تركيب الألواح الشمسية في مستشفى الشفاء في خريف عام 2014 بمساعدة يابانية لم يعد هناك انقطاع للتيار الكهربائي في وحدة العناية المركزة التي تضم 14 سريرا مرتبطة بشاشات وأجهزة تهوية ومعدات مختبر.
وفي هذا الصدد يقول مدير مستشفى الشفاء مدحت عباس للجزيرة "لقد حمينا المرضى من مشاكل الكهرباء التي تحدث في بقية المستشفى بسبب نقص الوقود والاعتماد على مولدات الكهرباء التي تستهلك وقودا تصل كلفته إلى عشرة آلاف دولار يوميا".
دعم أممي
ويدعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مشروع "تمكين غزة" عبر نقل البطاريات والألواح إلى غزة من إسرائيل.
وقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أيضا بتركيب الألواح الشمسية في المدارس والعيادات الصحية ومرافق المياه دعما "لمبادرة الطاقة الشمسية" الفلسطينية، التي تهدف إلى تلبية 30% من الطلب على الطاقة في المنطقة الساحلية المحاصرة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2020.
وأصبح الاستخدام الخاص للطاقة الشمسية في ازدياد أيضا، حيث إن كلفة وحدة توليد الطاقة الشمسية الواحدة تبلغ 1500 دولار، وهو ما يكفي لتوليد طاقة لمنزل أسرة واحدة يحتوي على ثلاجات وسخانات ومصابيح ومضخات مياه وغيرها من الأجهزة.
ومع ذلك، فإن العديد من الأسر لا يمكنها تحمل هذه الكلفة، وتلجأ بدلا من ذلك إلى تدفئة منازلها بحرق الخشب والفحم.
ويقول نادر عبد النبي أحد المقيمين في غزة في هذا الإطار "كان لدينا على الأقل ثلاثة أو أربعة حوادث في الشتاء الماضي، حيث انتشرت النيران في المنازل لأن الأسر تركتها مشتعلة وهي نائمة، لقد كانت مأساة حقيقية".
ويؤكد مصعب مصطفى -أحد الخريجين العاطلين عن العمل في قطاع غزة- أن الناس يعانون من نقص في غاز الطهي، ويقول "كل واحد منا يستيقظ ويذهب إلى الفراش وهو يفكر في كيفية الحصول على أسطوانة ممتلئة".
عقبات
وفي الأثناء، تنقل دراسة للبنك الدولي عن الشركات الخاصة في قطاع غزة أن نقص الكهرباء يعد من العقبات الرئيسية أمام الاستثمار والنمو، مما رفع معدل البطالة في القطاع إلى 43%، وهو الأعلى في العالم.
وبالعودة إلى مستشفى الشفاء يذكر طومسون حادثة عندما توقفت جميع أجهزة التنفس الصناعي في وحدة العناية المركزة.
فقد كان هناك شاب يدعى أحمد وقفت والدته بجانبه وقامت بالضغط على كيس الأكسجين إلى الداخل والخارج حتى عادت الكهرباء، وذلك لمساعدة ابنها على مواصلة التنفس، في حين توفي مرضى آخرون في ذلك اليوم.
ويقول طومسون إن أحمد بقي على قيد الحياة فقط لأن والدته ظلت بقربه طوال الوقت، مضيفا أن "مشروع "تمكين غزة" مستوحى من موظفي الرعاية الصحية الفلسطينية المحلية والمهندسين، فهو من الفلسطينيين وإلى الفلسطينيين". الجزيرة