الروائية كفى الزعبي ترسم ملامح التمايز بين الرواية والفلسفة

المدينة نيوز:- رسمت الروائية كفى الزعبي ، لوحة عميقة الاغوار، في دراسة كرستها لفحص التمايز بين الرواية والفلسفة، متوقفة على نحو مطول، امام لحظة الافتراق هذه، وقالت ان الفلسفة انشغلت منذ ظهورها، في الإجابة على أسئلة الإنسان الوجودية، مهملة كينونته الفردية، بينما نحت الرواية منحى يقوم على تحويل هذا الرمز المجهول إلى كائن حي، لتسبر قلقه الانساني العام.
وتعتقد الزعبي التي كانت تحاضر في ندوة التأمت الليلة الماضية في مقر الجمعية الفلسفية الاردنية باللويبدة، أن الرواية سبقت الفلسفة ، "بل وكانت أول وسيلة معرفية ابتدعها الإنسان للإجابة على أسئلة الوجود. وترى الزعبي أن الأسطورة، تنطوي على كل الركائز والشروط الفنية التي تجعل منها رواية: الزمان والمكان، والشخصيات، والحدث والصراع".
ولفتت الى أن الأسطورة انشغلت ابتداء في قصة بدء الكون ونشوئه، فقدمت إجابات ميتافيزيقية، عكست رؤية العقل البشري لهذه الإشكالية في سياق تلك المرحلة من تطوره.
واضافت ان الأسطورة "سرعان ما التفتت إلى الإنسان وقلقه الوجودي والموت بصفته سؤال الحياة "، مشيرة الى ان ذلك اعتبر الثيمة الكبرى التي لم تخرج الرواية حتى يومنا هذا، من دائرتها. وقالت ان هذا السؤال هو الذي قض مضجع جلجامش وهو يجسد ملحمة الإنسان ومأساة وجوده، وهو المحكوم بالموت.
وتوقفت الروائية الزعبي مطولا، حيال الاعمال الروائية التي سبقت الثورة الفرنسية، لافتة الى أن "جميع أبطال رابليه وسرفانتس وديدرو خرجوا في رحلات يمكن مقارنتها برحلة جلجامش في بحثه عن لغز الحياة والموت، غير أنهم كانوا أبطال ملحمة جديدة في شكلها: ملحمة لا تقوم على الصراعات الدارمية العميقة، بل على الضحك والهزل".
وقالت الروائية الزعبي، ان الملفت للانتباه في رواية القرن التاسع عشر هو ظهور المرأة بطلة، مرجعة ذلك الى حتمية التطور الفكري في مجتمعات ظهور الرواية . ودلّلت قائلة:" وها نحن نرى كاتبين عظيمين في القرن 19 يجعلان من المرأة بطلا لروايتيهما، وههما فلوبير وتولستوي، في روايتيهما الخالدتين "مدام بوفاري" و "آنا كارينينا".
وأفردت الزعبي مساحة كبيرة من لأعظم روائيي القرن 19: فيودور دستويفسكي، لافتة الى انه "على الرغم من خصوصيته الروسية، فإنه رؤاه الفلسفية ذات طابع إنساني عام، لاسيما وإن الثيمة المركزية في أعماله هي الإنسان" .
وقالت إن "سر الإنسان المحوري"، حسب دستويفسكي، هو "كونه كائنا أخلاقيا، أي كونه في مواجهة مستمرة مع معضلة الخير والشر التي يستحيل الهرب منها، فمن لا يمضي في طريق الخير ، فإنه حتما سيقف على طريق الشر. هذا هو الجوهر الاخلاقي للإنسان". وساقت الزعبي رواية " يوميات من تحت الارض" لدستويفسكي، التي كثف فيها الكاتب المسوغات التي تبرر موقفه الفلسفي . واضافت ان دستويفسكي في "مذكرات رجل القبو ( ???? ) "شرّح قبو الإنسان، تلك الأماكن العميقة والمظلمة من النفس البشرية". وقالت ان دستويفسكي في روايته هذه يتقاطع مع نيتشه في فهمه للإنسان، وفي فهم الدوافع المادية للفعل والسلوك الإنساني.
أمّا في رواية "الشياطين" فيقدم البطل ستافروجين، رؤيتين متضادتين أو خيارين متناقضين يواجهان روسيا والإنسان الروسي قد يحددان مصير دولته السياسي: من دون إيمان لا يمكن للشعب الروسي أن يحافظ على وجوده ولا على رسالته للعالم الذي فقد إيمانه.
وفي مقاربتها بين الروايتين الاوروبية والعربية، قالت الروائية الزعبي ان "الرواية الأوروبية كانت وليدة سياقاتها التاريخية، لكن الرواية العربية جاءت على نحو مختلف، لهذا ظلت الفجوة كبيرة بينها وبين الواقع التاريخي بمكوناته الفكرية والسياسية والاجتماعية"، معتبرة في خلاصة انه "لهذا ربما يصعب عليها(الرواية العربية) أن تؤدي الدور النهضوي والتنويري الذي أدته الرواية الأوروبية"، التي انطلقت مع كوجيتو ديكارت "أنا أفكر إذن أنا موجود".
واوضحت الزعبي في مقاربة ذات مغزى، أن الرواية العربية" لا تزال تحاول أن تنتزع مكانتها وتثبت وجودها، لكن في ظل كوجيتو، يصرخ به لسان حال الواقع العربي: "أنا لا أفكر إذن أنا موجود". وكان صدر للروائية كفى الزعبي روايات، "سقف من طين"، "ليلى والثلج ولودميلا"، "ابن الحرام"، إضافة إلى رواية "عد إلى البيت يا خليل" الصادرة باللغة الروسية.
ادار الندوة التي شهدت نقاشا عميقا حول محور المحاضرة ، الناقد مجدي ممدوح.
(بترا)