الهاشمي: العراق اليوم دولة ميليشيات وإسرائيل لا تجد ضمانة أكثر من الأسد لحماية أمنها
المدينة نيوز :- اعتبر نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي ، أن العراق أصبح اليوم دولة ميليشيات وليس دولة مدنية كما في كتب في الدستور .
وقال الهاشمي في مقابلة مع موقع "السورية نت" الأحد : أن الغرب أصبح يركز الآن على تنظيم الدولة في العراق ، ويتجاهل جرائم الميليشيات الطائفية .
وأشار الى أن الجرائم التي ترتكبها الميليشيات الطائفية في العراق أكثر وحشية ودموية وبربرية من تنظيم الدولة ، مشيراً الى أن هذه الميليشيات تقوم " بسحل جثث الموتى في الطرقات وحرقهاوتشويهها وتعليقها على أعمدة الكهرباء " ، على حد قوله .
واوضح أن سوريا والعراق تحولتا الى أخطر منطقتين في العالم العربي ، حيث تشهدان توترات وتدخلات من أطراف عدة ، أدت هذه التدخلات الى تحويلهما الى ساحة لتصفية حسابات دولية .
وبين الهاشمي أن انعدام الانفراج عن هذين البلدين ، يعود إلى التغلغل الإيراني في مفاصل الحكم بدمشق وبغداد، وسيطرة طهران على العديد من القضايا السيادية الهامة، وأجهزة الجيش والأمن، ما جعل القرار السياسي في هذين البلدين مرهونا بولاية الفقيه.
ولدى سؤاله عن سبب تمسك أمريكا بالأسد أكثر من روسيا وإيران ، قال الهاشمي : أن القضية السورية مرتبطة بأمن إسرائيل ، حيث أن إسرائيل لا تجد ضمانة أكثر من نظام الأسد لحماية أمنها في المقام الأول.
وأشار الى أن هذا الموقف من جانب دول الغرب يلحق بها عاراً تاريخياً بعد أن تأكدت البشرية أن الغرب حقيقة الأمر لا تعنيه المبادئ والقيم والتي ثار من أجلها الشعب السوري.
وتالياً نص المقابلة مع طارق الهاشمي :
اعتقد بعضهم أن التخلص من نظام صدام حسين سينهي آلام العراقيين، رحل صدام وجاءت أمريكا وتعاظمت الآلام بوجودها وبعدها، من المسؤول عن تحويل العراق إلى بؤرة توتر مستمرة منذ نحو 13 عاماً؟
باختصار يمكن القول إن الحماقة الأمريكية في غزوها غير المشروع وغير المبرر للعراق عام 2003 يجعل الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل المسؤولية الرئيسة في كل ما حصل بالعراق، ومن ثم تفاقم الوضع بغفلة العرب وتواكلهم وعدم تدارك الأوضاع بعد الغزو، وفي ذات الوقت خبث وعدوانية إيران والعبث بأمن واستقرار العراق عبر استثمار وتوظيف هذا الغزو لتحقيق أجندة وتطلعات جيوسياسية تتعلق بمطامع إيران التاريخية في العراق.
لذلك أنا حقيقية أحمل هذه الأطراف الثلاثة المسؤولية عما آل إليه العراق اليوم، ولو نظرنا في الداخل نجد أيضاً أن العرب السنة كانوا في داخل العراق بدون مشروع متفق عليه وبدون رؤية موحدة، وتغافل العرب عن قضيتهم، في المقابل كان هناك إيران بالتنسيق مع الولايات المتحدة، كان للطرفين مشروع ووسائل دعم لهذا المشروع، الكفة لم تكن متوازنة في إدارة الصراع، والنتيجة المحزنة تحصيل حاصل.
- أمام هذا الوضع السيء هل يُحكم العراق اليوم من قبل أبنائه؟
المهم ليس هوية من يصنع القرار، المهم من هو صانع القرار، الحاكمون الفعليون طبقا للجنسية هم عراقيون لكن ولائهم ليس للعراق وإنما لإيران، كما أن صانع القرار إيراني، وأنا على ثقة بأن القرارات الهامة مهما كانت طبيعتها إنما تصنع في قم وليس في بغداد. ومن يخالف يخاطر بكل شيء.
- أين دور الحكومة العراقية وأجهزة الجيش والأمن في محاسبة مرتكبي مجزرة ديالى وغيرها من المجازروفي لجم الميليشيات التي تقتل على أساس طائفي؟
يفترض أن نقول لمن الغلبة اليوم في العراق؟، من هو الذي يملك النفوذ الأكبر بالملف الأمني؟، هل هي الميليشيات البالغ عددها 56 وهي ميليشيات إرهابية طائفية، تأتمر بأوامر الولي الفقيه؟، أم هي المؤسسة العسكرية التي تخضع للقائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء؟.
بداية الأسبوع قامت الميليشيات بخطف 10 من عناصر الشرطة، وهم جزء من القوات المسلحة، وهذا دليل قاطع على أن الميليشيات هي التي تمسك وتدير الملف الأمني. والذي حصل قبل أيام أيضاً عندما حاول رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي أن يزور المقدادية وقبله وزير الداخلية، عجز كلاهما من الدخول وتتقصي أوضاع الناس إلا بعد موافقة قادة المليشيات المتنفذة هناك، وعلى هذا الأساس عندما تكون هذه الميليشيات هي المتنفذة فيما يتعلق بإدارة الملف الأمني نتوقع أن المجرمين أو الإرهابيين الذي ارتكبوا مجزرة المقدادية وغيرها من المجازر التي حصلت في ديالى أحرار حتى اللحظة وكما حصل في جرائم سابقة سوف تقيد الجريمة ضد مجهول. المليشيات يعني الحرس الثوري الايراني، يعني فيلق القدس، باختصار يعني إيران.
والذي حصل في المقدادية دليل صارخ جديد على هيمنة الميليشيات الإرهابية على الملف الأمني وبالتالي العراق أصبح اليوم دولة ميليشيات وليس دولة مدنية كما كتب الدستور، بإفتراض أن المؤسسة العسكرية فيها مستقلة، وتخضع لرجل مدني وهو رئيس مجلس الوزراء. وما فاقم الوضع هو تشكيل هيئة للحشد الشعبي في مكتب مستشار الأمن القومي يرتبط أيضاً بالقائد العام للقوات المسلحة. فأعطي لهذا الحشد الطائفي الإرهابي صبغة رسمية تحصنه من توجيه الاتهام أو ربما توجيه دعاوى قضائية ضد كل هذه الممارسات التي لا تقل في بشاعتها ومستوى الجريمة التي ترتكب عن أية جريمة إرهابية أخرى، بل إن منظمات حقوقية اعتبرت أن هذه الجرائم جرائم إبادة جماعية لأنها تستهدف مجموعة معينة من المواطنين على أساس المذهب و بشكل ممنهج وهم العرب السنة.
- إذا كان الجيش والأمن عاجزين عن وضع حد لهذه الميليشيات أين دور البرلمان والأحزاب العراقية السنية؟
الإشكالية أن وجود العرب السنة في مجلس النواب ضعيف للغاية، والكتلة المسيطرة والتي تملك الغالبية هي إما متعاطفة أو مرتبطة بهذه الميليشيات، على سبيل المثال كتلة "دولة اللاقانون" برئاسة نوري المالكي وهي مؤثرة في البرلمان بسبب حجم النواب، وبالتالي لا تتوقع من هذا المجلس أن يتصدى بالمستوى الذي يتطلبه الأمن في العراق، وأصبح المجلس غطاءً بل وسيلة للتستر على الجرائم التي حصلت.
انظر لما حصل في المقدادية، هل سمعت نائباً قدم اعتذاراً للشعب العراقي أو لعوائل الشهداء، هل قُدّم اعتذاراً لحرق مساجد السنة، الذي حصل بالعكس، أن ناشطين من كتلة "دولة اللاقانون" خرجوا وهم يهددون السياسيين الذي رفعوا أصواتهم بمجرد الاستنكار والإدانة. لهذا غسل الشعب العراقي يديه ولم يعد يتوقع شيئاً مفيداً من هذا المجلس لا في الأمن ولافي غيره.
- أحد أسباب خروجك من العراق الاحتجاج على سياسات المالكي، هل من فارق اليوم بين المالكي والعبادي؟
كثيرون يتمنون أن يجدوا حيدر العبادي شخصاً مختلفاً عن المالكي الذي تميزت سنوات حكمه بالفساد وشيوع الظلم والتخلف وتفاقم نفوذ إيران، لكن وبصرف النظر عن الجرائم التي ارتكبها المالكي، من المنطق القول إن الميليشيات تنامت وكبرت وزاد نفوذها وأعطي لها الغطاء الرسمي في زمن العبادي. اليوم الميليشيات تشكل التحدي الأكبر الذي يستهدف الدولة العراقية ومؤسساتها، صحيح أن تحدي داعش موجود لكن المليشيات لا تقل في تهديدها لكيان الدولة العراقية.
هذا التحدي كبير وتنامى في زمن العبادي، والأخير من وقت لآخر يطلق تصريحات إلى حد ما تُهّدئ الخواطر، لكن في اليوم التالي تحصل قضية معينة خلافاً لما صرح به العبادي أمس. الوضع زاد سوءاً. ولو أتينا إلى بقية التحديات مثل الفساد، العبادي يقر بوجود فساد في الدولة العراقية لكنه حتى الآن لم يجرؤ على إلقاء القبض أو ملاحقة الفاسدين الكبار أي "الحيتان " وعلى رأسهم المالكي أو الوزراء السابقين الذين هربوا إلى الخارج بثروة العراق، ولم تصدر بحقهم أوار قبض ولا تجري ملاحقات أو متابعات قانونية، بينما التهميش والاستهداف والتهجير وحملة التطهيرما تزال متواصلة وتستهدف العرب السنة.
العراق بحاجة الى تغيير جذري وإصلاح، والمعوق هو نفوذ إيران الذي يمنع العراق من التعافي لأن إيران المستفيدة رقم واحد من حالة الفوضى الكارثية التي أصابت مصالح العراق واستقراره بمقتل.
- نشبت أزمة دبلوماسية مؤخراً بين الحكومة العراقية وتركيا بخصوص تواجد قوات تركية في بعشيقة، ما هي قراءتك للتعاطي مع هذه الأزمة؟
أولاً أنا على اطلاع أن هنالك اتفاقية أمنية بين تركيا والعراق، وفي زمن النظام السابق كان يسمح للقوات المسلحة التركية بالتوغل مسافة 20 كيلو متراً داخل الحدود العراقية من أجل ملاحقة الإرهابيين الكرد، هذا الاتفاق حسب علمي لم يُلغى والذي حصل أن العبادي عندما زار تركيا مؤخراً أُعلن أنه طلب من تركيا زيادة دورها في مكافحة الإرهاب داخل العراق، وبالتالي تنفيذ تركيا لإرسال بعض القطعات العسكرية لحماية قوة موجود أصلاً في بعشيقة لتدريب قوات البيشمركة كأنما هو حصل بطلب من العبادي.
من جانب آخرعندما تعجز دولة ما عن ضمان أمن دولة مجاورة وتتواصل الهجمات الإرهابية عبر الحدود ، فمن حق الدولة المجاورة أن تستخدم قواتها المسلحة للرد على مصدر العدوان، والإرهاب فعال ونشط في إيذاء الأمن القومي التركي، لذلك من حق تركيا الدفاع عن نفسها طالما أن الحكومة العراقية غير قادرة على تحصينها من هذه الهجمات.
وهنا لابد من الاستدراك والسؤال، لماذا الاعتراض على تركيا؟، لأنها أرسلت بضعة دبابات وجنوداً لحماية فرق التدريب في بعشيقة؟، بينما في العراق اليوم يوجد 15 جيش من جيوش العالم لماذا لا يعترض العبادي على بقية الجيوش؟ أمريكا قالت قبل أيام إنها أرسلت قوات خاصة إلى العراق وقامت بعمليات عسكرية في الحويجة، وصرحوا بإرسال فرقة كاملة إلى العراق، لا أحد من موظفي الحكومة يعترض بل يرحب بينما الكل ينشط لذات الغرض اي محاربة الإرهاب.
أيضاً ألم تعلن إيران أنها لن تسمح بوجود عناصر إرهابية وهي تقصد العرب السنة على طول حدودها وبالتالي فرضت منطقة آمنة عمقها 40 كيلو متراً عرضاً داخل الأراضي العراقية على طول الحدود الإيرانية، لماذا لم يعترض العبادي؟
هذه القطعات العسكرية التي أدخلتها تركيا وأعطت كامل تفاصيلها للحكومة العراقية ومجلس الأمن والمجتمع الدولي أخطر، أم إجتياح موجات من الإيرانيين عبر الحدود عنوة وبدون وثائق وجوازات سفر. ففي الأربعينية الماضية اجتاز الحدود حوالي خمسمائة ألف إيراني معظمهم من مقاتلي الحرس الثوري للعراق بدون وثائق. أين استقر هؤلاء وهل تم إخراجهم من العراق؟ الجواب على ذلك كلا إذ المخطط استقرار هؤلاء وتجنيسهم وتسكينهم محل العرب السنة الذين يتعرضون للتهجير لأغراض التغيير الديمغرافي المطلوب. وكانت إيران هددت أن من سيعود منهم سيحاسب، وبالتالي لن يعود هؤلاء. هؤلاء أنا في تصوري كانوا غزاة من أجل التوطين في ديالى وغيرها من المحافظات ذات الغالبية العربية السنية .
- يشكك بعضهم في قدرة إيران على إحداث تغيير ديمغرافي في العراق وسورية بحجة وجود أعداد كبيرة من السكان السنة، هل فعلاً هناك مبالغة عندما نقول إن طهران تغير ديمغرافية هذين البلدين؟
هذا واقع، وإيران على مدى سنوات منذ عام 2003 تعمل بشكل دؤوب وطريقة منهجية على إحداث التغيير الديمغرافي المنتظر، حيث لديها مشروع ومطامع في العراق والمنطقة. ولاحظ أن ديالى تشكل خاصرة في الخريطة الجغرافية العراقية، وبالتالي ديالى هي أقرب الطرق إلى بغداد ومنها جنوباً باتجاه النخيب وعرعر في السعودية وغرباً باتجاه سورية والأردن وبالتالي ديالى من الناحية الجيوسياسية والجغرافية العسكرية تشكل أفضل منطقة يمكن أن تنطلق منها القطعات الغازية مستقبلاً.
هذا الموضوع لا يحصل إلا بعد تغيير التركيبة السكانية وجعلها موالية لإيران، لذلك التغيير الذي حصل هو تغيير حقيقي. واليوم سلاح إيران في التغيير الديمغرافي أن تجعل جميع المحافظات العربية السنية غير قابلة للحياة وتدفع الناس للهجرة، وبذلك ستبقى هذه المناطق مناطق مدمرة ويسهل اختراقها وجلب الموجات البشرية التي عبرت الحدود من غير وثائق وتسكينهم وإعادة الإعمار مرة ثانية وإصدار هويات لهم وكأنهم عراقيون.
أنا لا أقول إن إيران حققت ما تريده، أنا أقول دائماً إن الوطن بالنسبة للعراقيين عزيز عليهم وهم لن يستسلموا مهما كانت الظروف. العراقيون والسوريون جذورهم تضرب عميقا في تراب الوطن وليس من السهولة اجتثاثهم.
- هل صحيح ما يقال عن وجود خلافات بين المرجعية الشيعية في العراق (السيستاني) ومرجعية الخامنئي في إيران؟
واقع الحال أن النفوذ الإيراني تنامى في العراق وحقق الكثير من المكاسب، إذا كان هذا الموضوع يزعج مرجعية السيستاني لماذا السكوت؟ إيران عبثت بحياة العراقيين ومزقت النسيج الاجتماعي وشوهت المقاصد وآذت الناس عبر العبث بالملف الأمني، وقتلت من الشيعة ربما لا يقل عما قتلته من السنة، حتى بعض علمائهم يقولون هذا الكلام ولم يعد خافياً، لأن مصلحة إيران تفوق مصلحة الشيعة.إيران دولة قومية توظف المذهب والدين من أجل الأغراض السياسية، في الواجهة الدفاع عن المذهب، وفي الباطن الدفاع عن مطامع استراتيجية سياسية.
إيران تسعى أن تكون مرجية الشيعة في العالم إيرانية وليست عربية والغرض معلوم، لكن الكثير من الشيعة العرب يستنكرون ذلك ويرفضون الولاية لغير العرب من آل بيت رسول الله، المرجع العربي الحسني الصرخي مثالا للثورة على توجهات إيران لتفريس المرجعية.
- هل تؤيد وجهة النظر التي تقول إن أمريكا والدول الغربية باعت سورية والعراق لإيران عبر الاتفاق النووي؟
فيما يتعلق بالعراق أنا أعتقد أن هذا الموضوع حصل حتى قبل الغزو العراقي عام 2003، كان هناك تفاهمات إيرانية أمريكية، واستمرت إلى أن غادرت القوات الأمريكية عام 2011، وباعتراف السفير الأمريكي كروكر الذي كان يقول: كانت تواجهني مشاكل معقدة لكن أجد لها حلاً عندما ألتقي مع السفير الإيراني.
بريمر كان يقول أيضاً: واجهتني مشاكل كبيرة جداً، ويكفيني زيارة إلى النجف والجلوس مع السيستاني لحلها. إذاً هذا يشير بوضوح إلى وجود تفاهمات بين الإدارة الأمريكية وإيران.
أما ما حصل في سورية لو تقرأ مذكرات عبد الحليم خدام وحديثه عن العلاقات بين النظام وإيران خصوصاً بعدما تطورت إبان غزو العراق للكويت ترى كيف تعاظمت العلاقات الثنائية بين سورية وإيران، وهذا كان تمهيداً للنفوذ الإيراني.
الجميع يعلم كيف تصدت إيران في سورية لثورة ربيع عربية سلمية تدعو لعيش أفضل بكرامة وتنادي برغيف الخبز والحرية والديمقراطيات ، أنا قراءتي لواقع الحال ومأساة سورية منذ خمس سنوات، لو لم يكن هناك تفاهم بين الولايات المتحدة وإيران لما طالت الأزمة ولما تعمق دور النظام الإيراني من خلال ارسال طوابير المليشيات من العراق ولبنان وافغانستان وغيرها وبالمناسبة حتى اللحظة لم تعترض الولايات المتحدة على دور ايران في دعم الاستبداد ومناهضة ثورة تتبنى حتى قيم الغرب في الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان .
الغرض واضح وهو أن أمريكا تعتبر هذه الثورة خطاً أحمر وتهديداً لإسرائيل ومستعدة لتفرط بالثورة وبرجالها والناس المدنيين الأبرياء من أجل أن يبقى واقع الحال كما هو بنفوذ إيران ودولة استبدادية وتغييرات شكلية لكن يبقى النفوذ الإيراني قائم لضما أمن إسرائيل .
- هل تستطيع السعودية وضع حد لتدخلات إيران في المنطقة؟
نأمل ذلك، المهمة ليست سهلة، ولكن نقول إن السعودية لديها من أوراق الضغط الكثير، وربما لم تستخدمها حتى الآن، إيران صحيح أنها دولة لها مصالحها لكن في نفس الوقت لها احتياجاتها، وهذا التمدد الذي ننظر له أنه تطور سلبي فيما يتعلق بسيادة واستقرار دولنا، لكن من ناحية ثانية هو يشكل عبئاً اقتصادياً ومالياً على إيران.
ولا يفترض أن تقف السعودية أمام النفوذ الإيراني لوحدها، ولا بد من وقوف دول مجلس التعاون الخليجي معها من أجل التصدي لهذا النفوذ.العرب جميعاً لا خيار لهم إلا التصدي للنفوذ الإيراني الذي تمادى على مستوى سنوات، وكان العرب في غفلة وفي تواكل وأحلام وردية، لكن الذي حصل بمثابة كابوس للجميع ولا بد من التعامل معه بحزم .
لاحظ ما حصل في المشهد السوري، لو حصل تدخل عربي مبكر بالتنسيق مع تركيا في السنة الأولى للثورة، واُتخذت قرارات جريئة ما كان سُمح للمجتمع الدولي ولا لإيران ولا لروسيا أن تتدخل وتمسك بأوراق اللعبة وتصبح هي من يدير الصراع ، وتضيع علينا الفرص، مع الاسف نحن العرب عندما نأتي، نأتي متأخرين وهذه مشكلتنا.
لذلك علينا قراءة المشهد السياسي قراءة واعية وتدارك الأمر قبل فوات الأوان وهذا ماحصل في المشهد السوري، ترك الفراغ السياسي داخل سورية سمح لدول بعيدة جداًفي التدخل، وهذا زاد من محنة الشعب السوري، وبالتالي العرب هم الذين يلامون على كل ماحصل، التصدي واجب لا خيار لدينا إذ تأخرنا كثيرا ، هناك أوراق ثمينة لابد أن يوظفها العرب للتصدي للنفوذ الإيراني الذي وصل إلى عقر دارنا.
لمصلحة من تركت سورية والعراق لقمة سائغة للتدخلات والعبث؟
السؤال لماذا حصل الذي حصل، ولماذا تترك دولة عربية للنهب ولعدوان ونفوذ دولة أخرى؟،أنا اعتبر هذا الموضوع لغزاً حقيقة. لاحظ أسباب دخول روسيا في المشهد السوري. سورية ليست دولة مجاورة لروسيا بحيث تشكل تهديداًللأمن القومي الروسي، لكنها قالت إن هناك إسلاميون وقد يعودون إلى روسيا ويشكلون مصدر خطر، حيث دخلت المشهد بقوة وبعنف ولازالت حتى هذه اللحظة. بينما تأخر العرب بسبب سوء تقدير وقصر النظر والاعتماد على الآخرين في إدارة ملفات استراتيجية هامة، وهذا واحد من الدروس المستنبطة التي وقع العرب فيها ولا يجب أن تتكرر.
- أمام الخذلان الذي لاقاه السوريون والعراقيون من المجتمع الدولي، هل بات استجداء هذا المجتمع نافعاً لنجدتنا مما نحن فيه الآن؟
لا طبعاً، لدينا شعور بالمرارة من موقف المجتمع الدولي حول موقفه من فلسطين وسورية والعراق واليمن وسكوته حتى على تعطيل اختيار رئيس الجمهورية في لبنان، لكن إيصال صوتنا للمجتمع الدولي وإحراجه مهم للغاية. لابد أن يتغير موقف المجتمع الدولي في نهاية المطاف.
الأمر الآخر أن المجتمع الدولي لايتحرك إلا وفقاً لمصالحه حيث أننا يجب أن نُشعِر المجتمع الدولي في أن مايحصل في العراق وسورية يتعارض مع مصالحه. أنا يقيناً أقول قتل أبرياء في المقدادية لايبعد الخطر عن قتل أبرياء في واشنطن،وباريس،ولندن. وعندما تسمح للقتلة بقتل أبرياء على المذهب هؤلاء سيسمحون بقتل أشخاص خلافهم على الدين والهوية، وبالتالي هذا النوع من السلوك غير المقبول مبني على ثقافة منحطة وهمجية ومتخلفة لابد أن نتصدى له.
واليوم يركز الغرب على داعش أكثر من تركيزه على الميليشيات الطائفية. داعش وحشية ومتطرفة لكن المجتمع الدولي يتغافل عن جرائم الميليشيات حتى عندما تكون أكثر وحشية وبربرية من داعش ، عندما تقوم بسحل جثث الموتى في الطرقات وحرقهاوتشويهها وتعليقها على أعمدة الكهرباء .
- عندما نرجع 10 سنوات إلى الوراء نرى أن الولايات المتحدة كانت تستهدف في تصنيفها للإرهاب جماعات شيعية ومنذ 5 سنوات أصبحت الأطراف السنية هي من تمثل هذا الإرهاب بنظر الغرب ما السبب في ذلك؟
السبب أحداث 11 أيلول حيث أن في مقدمة كتاب صحوة الشيعة يذكر الكاتب وهو أمريكي من أصول إيرانية كيف تحولت الاستراتيجية الأمريكية بعد أحداث أيلول من اعتبار الإسلام الشيعي هو مصدر الإرهاب، وتلبيسه بالإسلام السني، الغرب ينظر للعرب السنة أفراداً ودولاً ومنظمات بعين الشك، وهذه هي المشكلة التي لابد أن نسعى لتغييرها لانها تعبر عن نظرة مغرضة.
لابد أن يدرك الغرب أن إيران دولة ولاية الفقيه هي مصدر الخطر بالعالم. وهذا ماكشفته السعودية مؤخرا وسلطت الضوء على جرائم إيران بـ 56 مادة تشكل إدانة صارخة لدور إيران التخريبي في العالم شرقه وغربه، لم ينج أحد من عبث وإجرام دولة ولاية الفقيه. حان الوقت للتركيز على هذه المسألة وتبرئة الإسلام كدين من ظاهرة الإرهاب. نحن لدينا خارجين عن الملة (الدين) اليوم كتنظيم الدولة الذي يبدأ هجومه على المعتدلين ويعتبرهم مرتدين. وبالتالي نحن العرب السنة ضحايا الإرهاب قبل أي طرف آخر.
هذه الحقيقة ينبغي إبرازها للغرب من أجل دفعهم لإعادة النظر بالإسلام وهو دين وسطية وتسامح واعتدال وبالتالي أنا أربط كل مشاكلنا حالياً مع الغرب في نظرتهم للإسلام واتهام العرب السنة بأنهم مصدر الإرهاب بينما من يعبث في أمن المجتمعات واستقرارها هم المتطرفون سواء كانوا شيعة أو سنة. لكن يبقى الراعي للطرفين هي دولة ولاية الفقيه .
- هل تتوقع نجاح بعض الجهود الدولية في تأهيل الأسد وبقائه في السلطة؟
نجاح هذا الأمر أو فشله متوقف على الشعب السوري، نحن في مرحلة عض الأصابع وأيهما يصبر على الأزمة هو بالتالي سوف ينجح. المجتمع الدولي أياً كانت قراراته نجاحه أو فشله متوقف على ردة الفعل من جانب الشعب السوري ونشاطه ميدانياً على الارض الذي لابد له من دعم يعزز صموده وجهاده.
- لماذا تبدو اليوم أمريكا متمسكة بالأسدأكثر من روسيا وإيران؟
قضية سورية مربوطة بأمن إسرائيل حيث تسربت كثير من الحقائق والمناقشات السرية، إسرائيل لا تجد ضمانة أكثر من نظام الأسد لحماية أمنها في المقام الأول. لكن هذا الموقف من جانب دول الغرب يلحق بها عاراً تاريخياً بعد أن تأكدت البشرية أن الغرب حقيقة الأمر لا تعنيه المبادئ والقيم والتي ثار من أجلها الشعب السوري.
- هل ستبقى سورية والعراق بجغرافيتهما الحالية أم نحن أمام واقع جغرافي جديد علينا أن نقر به؟
حتى عندما كنا أطفالاً في مقاعد الدراسة كنا نسمع أن هناك مؤامرلتقسيم العراق والعالم العربي رغم دعوات التوحيد وسواها، كانت تصل أخبار مزعجة على قاعدة بريطانيا (فرق تسد). زيادة حجم الثقافة في هذا الاتجاه يوضح أن هناك مخطط غربي من أجل تقسيم المقسم.
يؤسفني أنه يوم أمس لم تكن هناك مبررات. كنا نسمع ونسخر من دعوات التقسيم. لكن اليوم هناك حقائق ترتبت على الأرض تمهد ربما للتقسيم، لكن إن حصل، فهذا يعني أن ما أراده الغرب قد حصل. ونحن استسلمنا لقدرنا ووافقنا على التقسيم.
التقسيم ليس في صالح سورية والعراق، وبالتالي علينا أن نتحمل الذي حصل ونحاول أن نتأمل في مقاربات أخرى قبل أن نقفزإلى مرحلة التقسيم. وفي تصوري المتواضع فإن التقسيم هوضياع للجميع، وبالتالي علينا أن نبحث عن خيارات أخرى. وأنا قلت إن واقع الحال ربما لايساعد على بقاء سورية والعراق موحدتين بسبب ضياع التعايش الوطني بين المكونات المختلفة. فهذه الشعوب متعددة المذاهب والأطياف يمكن أن تتعايش في ظل دولة مدنية، فإذا فقدت الفرصة في الدولة المدنية فالخيار نحو التقسيم وهو خيار مدمروسيضيع الدول والشعوب. علينا أن نعمل جاهدين لإيجاد قواسم مشتركة يمكن أن تتناسب مع الحد الأدنى الذي بقي من التعايش، ربما نذهب للفدرالية بدل التقسيم.