حلّ المخابرات الجزائرية بين مبارك ومشكك
المدينة نيوز - : بعد مرور أسبوع على تداول معلومات بشأن قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة حل جهاز المخابرات، أكد مدير ديوان الرئاسة أحمد أويحيى أمس السبت رسميا أن بوتفليقة وقع القرار، واستبدل الجهاز بثلاث مديريات تحت إشرافه.
وكان تأكيد أويحيى في مؤتمر صحفي عقده بعد انتهاء أشغال جلسة الهيئة العليا القيادية لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يشغل أمانته العامة، إذ قال إنه تم حل مديرية الاستعلامات والأمن (المخابرات)، واستبدالها بثلاث مديريات هي مديرية للأمن الخارجي، ومديرية للأمن الداخلي، وأخرى للاستعلام التقني.
وكشف مدير ديوان الرئاسة أن بوتفليقة قام بتعيين اللواء عثمان طرطاق -المعين في 13 سبتمبر/أيلول 2015 مديرا لجهاز المخابرات خلفا للفريق محمد مدين المعروف باسم الجنرال توفيق- مستشارا لدى رئاسة الجمهورية، وهو مكلف بالتنسيق بين المديريات الثلاثة.
وبيّن أويحيى أن المديريات الثلاث تابعة للجيش، وستكون تحت الإشراف المباشر للرئيس الذي يشغل منصبي وزير الدفاع، والقائد الأعلى للقوات المسلحة. وأكد أن "هذه الخطوة تدخل في إطار مسعى الجزائر للدخول في عهد جديد في تنظيم شؤونها الأمنية".
وقد بدأت عمليا جهود بوتفليقة في تفكيك جهاز المخابرات بعد عودته من رحلته العلاجية في فرنسا في سبتمبر/أيلول 2013، بسبب خلافات بينه وبين الجنرال توفيق الذي أشيع عنه أنه كان معارضا لترشح بوتفليقة لولاية رابعة في انتخابات 17 أبريل/نيسان 2015.
ورغم ترحيب أحزاب الموالاة بالخطوة واعتبارها تجسيدا للوعود بإقامة الدولة المدنية ووضع حد "للتدخل السافر" لجهاز المخابرات في الحياة السياسية، فإن المعارضة تشكك وترى في الأمر مجرد تبادل أدوار.
تبادل الأدوار
ويشدد رئيس حركة مجتمع السلم (إسلامي معارض) عبد الرزاق مقري أن "الواقع وممارسات السلطة يثبتان أن تمدين الحياة السياسية مجرد شعارات"، وأن الذي حدث لا يخرج عن نطاق تبادل الأدوار، لأن "تمدين الحياة السياسية يجب أن يتضمن عدة أمارات، وهي غائبة".
وبحسب مقري، فإن نزاهة الانتخابات أهم مؤشر على تمدين الحياة السياسية، إلى جانب عدم تدخل المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي. وأضاف قائلا "التمدين يعني أن أي مواطن يريد إنشاء حزب سياسي يكون ذلك أمرا بسيطا، ولا يتم من خلال المرور على مباحث أمنية طويلة".
ويرى مقري في تصريح للجزيرة نت أن تمدين الحياة السياسية يعني "تكريس حرية الإعلام، وهو أمر غائب، والدليل أن قناة فضائية (قناة الوطن) تم إيقافها تعسفيا وبجرة قلم، فأين هي أمارات تمدين الحياة السياسية التي يتغنون بها؟".
في المقابل، غرّد الكاتب والإعلامي نجيب بلحيمر عبر حسابه على تويتر، قائلا "حل جهاز أمني يكون بتسريح منتسبيه"، ويعتقد أن "إعادة هيكلة جهاز المخابرات مجرد محاولة لدفن كثير من الحقائق.. حقائق الأمس واليوم".
وإن كان موقف رئيس حركة مجتمع السلم مشككا ومقللا من أهمية الخطوة، إلا أن الرئيس السابق للحزب نفسه أبو جرة سلطاني كان له رأي آخر، إذ اعتبر أن بوتفليقة حينما أنهى مسار المدير السابق لجهاز المخابرات أصدر بيانا أكد فيه أن الخطوة تأتي في إطار إعادة هيكلة جهاز الأمن، لذلك يشدد سلطاني أن "الأمر لا يتعلق بصراع بين المخابرات أو الرئاسة على خلفية ترشح بوتفليقة لولاية رابعة".
إنهاء مرحلة
وبحسب اعتقاد سلطاني فإن هذه الخطوة "تدفع باتجاه إنهاء مرحلة عرفتها الجزائر خلال مرحلة التسعينيات فيما يسمى بالمأساة الوطنية".
ويضيف المتحدث نفسه أن "جهاز المخابرات أنشئ نشأة أمنية واكبت مرحلة مسار حالة الطوارئ"، وفي مثل هذه الحالة "يتعطل عادة العمل بالقانون وحقوق الإنسان، وتصبح الآلة الأمنية هي المسيطرة على كل مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الثقافية".
ولأن رفع حالة الطوارئ أعلن عنه في العام 2011، كان المفترض -بحسب رأي سلطاني- أن يحل الجهاز في تلك السنة، "أما وأنها جاءت اليوم فنحن نباركها". وعبر الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم عن أمله في ألا يحدث ذلك فراغا أمنيا، ويتأخر الجهاز الجديد في أخذ المواقع التي انسحب منها الجهاز القديم.
من جانب آخر، وصف الجنرال المتقاعد عبد العزيز مجاهد قرار حل جهاز المخابرات بالإيجابي جدا، وأنه "تتويج لجهود بناء الدولة المدنية ودولة القانون، التي تتماشى مع روح التعديل الدستوري الذي يفصل بين السلطات الثلاث".
ومن الناحية التنظيمية، اعتبر مجاهد -وهو المدير الأسبق لمدرسة شرشال لمختلف الأسلحة، وهي أكبر مدرسة عسكرية في الجزائر- في حديثه للجزيرة نت، أن "نقل صلاحيات هذا الجهاز إلى مؤسسة الرئاسة هو تحسين لفعالية مصالح الأمن لتحضير العناصر المساعدة في اتخاذ القرار على مستوى الرئاسة". الجزيرة