200 الف وظيفه ماذا تعني بلغة الإقتصاد ؟
دائما ما يكون التخطيط الاقتصادي السليم هو لجلب الاستثمارات و التي توفر فرص العمل ، و يعكس حجم الاستثمار المالي الكم و النوع من حيث موائمته لطلب الاسواق المحليه و التصديريه ، و يعزز وجود الاستثمار الناجح قدرة المنتج على تحقيق التنافسيه من حيث الجوده و السعر ، و عليه فإن دراسة الجدوى لأي مشروع تنطلق بداية من تقييم الارباح المتوقعه التي تكافئ و تناسب كلفة رأس المال المستغل و ذلك بالمقارنه مع عاملين أساسيين أولا" أفضل فرصه بديله متاحه و ثانيا" درجة المخاطر التي يمر بها المشروع ، و يتناسب هذان المؤشران عكسيا مع مقومات و حجم الاستثمار ،،
لذلك كثيرا" ما نسمع مقولة أن رأس المال جبان ، و هو بالفعل كذلك كونه حذر لأنه حر و لا يحتكم الى معايير السياسه أو المصلحه العامه ، فأي إستثمار خاص تكون أولى أولوياته تعظيم الأرباح بالاستغلال الأفضل لكل المميزات و الوسائل المتاحه ، الا في الحالات التي يكون فيها مدعوما بشراكه حتميه مع الحكومه في مشاريع تخدم القطاع العام .
و لنحاول فهم ما تفضل به معالي وزير التخطيط بلغة الأرقام و تطبيقه على أرض الواقع :
تعادل الكلفة التشغيليه ل 200000 فرصة عمل مبلغ سنوي =
2000000 ( عدد العماله المقترح )X( راتب شهري مفترض على الحد الأدنى بالدينار ) 250 X ( شهر ) 12
يساوي بالمجموع : 600 مليون دينار و هي الكلفة التشغيليه للرواتب بإعتبار متوسط الإجور
و لكن ما هي الكلفة التقديريه للمشاريع التي يمكن أن توفر هذا المبلغ سنويا" ؟
المعروف أن المشروع الصناعي يختلف عن المشروع التجاري أو الخدمي من حيث كلفة الاستثمار به ، و بأي دراسه ممكنه فأنه سيكون على الأقل عشر اضعاف الكلفة التشغيليه المتوقعة له ، و بالتالي يجب أن نستقطب إستثمارات بقيمة 6 مليار دينار على النظريه الإفتراضيه من أجل توفير فرص العمل بالاعداد و الرواتب المطلوبه،،
و اذا عكسنا تأثير ذلك على قيمة الناتج المحلي الاجمالي للعام الحالي و البالغ 24 مليار تقريبا" ، فإنه من المتوقع أن يرتفع بمقدار 10 مليار مع انجاز هذه الاستثمارات، بما يعكس نمو إقتصادي إفتراضي يزيد عن 35% ، علما" بأن حجم النمو الاقتصادي للعام السابق لم يتجاوز 1% !
و هنا يجب أن ندرس مليا" حجم الإلتزام بالمشاريع الجديده التي يمكن أن نستوعبها في ظل الظروف المحيطه و تراجع الصادرات للدول المجاوره .
لا شك أن اللجوء قد فُرض علينا لأمرين ، أولا" البعد الإنساني و ثانيا" البعد الجغرافي ، و في كلتا الحالتين لم يكن أمامنا خيارات عديده ، و كما هو دأب الهاشمين في إغاثة الملهوف و إكرام المستجير ، و لكن ذلك لا يعفي المجتمع الدولي من تحمل مسؤلياته اتجاه موقفنا المُشرف،،
الأمر الذي يستحق الوقوف عنده و دراسته بتمعن هو كيف نحول هذا التحدي الواقعي الى فرصة محتمله رغم شح الموارد و ضيق الامكانيات و ضعف الاسواق ؟
و ذلك ما دعى اليه صاحب الجلاله أطال الله عمره في خطابه الأممي .
بداية إن علينا أن نستغل الإجماع الدولي إتجاه قضية اللاجئين ، و الأزمه التي أحدثها توافدهم الى أوروبا ، و ترجيح تزايد أعداهم ، و لا سيما أن الكلفة الإقتصاديه لاستقبالهم عبر الهجره غير الشرعيه كما يُطلق عليها تعادل أضعاف كلفتهم هنا ، و بالنظر الى نتائج مؤتمر لندن و ما يمكن أن نبني عليه فإن الطريق لا زال طويلا" و أن كان ما تم تقديمه من التزامات من الدول المانحه و خصص للأردن هو بوادر طيبه و لكنه بالكاد سيغطي نفقات استيعاب الحاجات الأساسيه للاجئين الذين ربا عددهم عن المليون نسمه إضافة الى متطلباتهم التعليميه و الصحيه ، و لم يتطرق المؤتمر الى أي ذكر عن توجيه الاستثمارات الأوروبيه الى الأردن و إكتفى بالزامنا بإيجاد وظائف لهم .
إن جلب الاستثمارات ليس بالأمر اليسير في ظل الظروف المحيطه بنا و أجراس الحرب تقرع من جديد ، اضافة الى خطر البطاله المتفاقمه أصلا" على أبنائنا بنسب غير مسبوقه ، لذلك فإنه من الضرورة بمكان إستمرار الجهود الدبلومسيه الحثيثة ، و على وزارة التخطيط أن تتجه مساعيها في إطار التفاوض للحصول على المنح و القروض الى شرح أبعاد الأزمه أستراتيجيا و ليس أنيا" ، و تأثيرها الديموغرافي على التركيبة السكانيه و المناطقيه على المدى الطويل .
و لا يجوز أبدا أن نبالغ بالتوقعات في قدرتنا على إستيعاب مخاطر ولوج العماله السوريه على السوق المحلي ، الأمر الذي سيعفي المجتمع الدولي من شعوره بالالتزام اتجاه حالة عدم الاستقرار لا بل حالة الخطر التي هي عنوان المرحله اليوم،،
و لقد تناول بعض الخبراء الاقتصاديين في بعض ما كتب في الصحف عن لزوم مطالبة الاتحاد الاوروبي تخفيض نسب قواعد المنشأ المفروضه على البضائع المصنعه محليا" من 80% الى 35% حتى يتم تشجيع المصانع العالميه بأن تستثمر في الاردن ، و لكن أنا أريد أن أضيف على ذلك بأن علينا الحصول على حصة سوقيه مضمونه و لمدة خمسة عشر سنه على الأقل حتى يكون التحفيز حقيقيا" ، و ذلك بإعفاء الصادرات الاردنيه الى الأسواق الأوروبيه من الضرائب أو تخفيض النسب الجمركيه عليها حتى نستطيع منافسة الدول المصدره و بالأخص دول الشرق الاقصى ،،
أما الإستراتيجيه الفوريه فيجب أن يتم توجيه القروض الميسره و المنح من الدول المانحه الى إستحداث مناطق تنمويه صناعيه محفزه، و أن يواكب ذلك تزويدها بمزارع شاسعه لانتاج الطاقه البديله الأقل كلفه لتغطية إحتياجات المصنعيين ، و يجب الإعلان عن مشاريع تشاركيه مع القطاع الخاص بتفعيل قانون الشراكه بين القطاع العام و الخاص للمشاريع الكبرى و لكن ضمن ضوابط واضحه تحقق معايير الشفافيه ، و يجب توجيه الأذرع الاستثماريه في تحضير دراسات لمشاريع محتمله لإستقطاب رؤوس الأموال ، و الاستعجال بإنشاء صندوق الاستثمار و قوننته ، و يجب أيضا" أن يتم توحيد الخطاب الوطني الحكومي و النيابي لتجاوز الأزمه سياسا" و اجتماعيا" و إقتصاديا" ، ،
إنجاز ما سبق يتطلب التخطيط الهيكلي لعناصر الاقتصاد مجتمعة و النظر الى الجزء الممتلئ من الكوب ، عندها فإن الأمل بتحويل الأزمة الى فرصه سيصبح حقيقة،،
ختاما" يقول المثل المترجم عن مدرسه " الاقتصاد الحر و الإنتاجي "
لا تعطيني سمكه و لكن علمني كيف أصطاد ؟