تصريحات المسؤولين بين الواقع والخيال
![تصريحات المسؤولين بين الواقع والخيال تصريحات المسؤولين بين الواقع والخيال](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/45862.jpg)
صرح بيّن وضح وأعطى وقابل وأكد ... نفى منع رفض وطمأن كلمات تتردد على مسامعنا كل يوم في نشرات الأخبار وفي أخبار الصحف والمجلات وحتى في الإعلانات أحيانا وحالة الطقس، تصريحات يغلف غالبها الأمل وتعلو نبرة التفاؤل في حناجر المسؤولين عند إطلاقها، ويكاد يجزم المواطن في جل المرات أن الوضع أكثر من جيد بل ويشارف على الممتاز، ويحتار المواطن هل المسؤول هذا يتكلم ويصف الوضع في بلدنا أم في سلطنة بروناي.
نحن لا نتهجم على أي مسؤول مها قل أو علا شأنه، نحن نستفسر عن مصدر هذه المعلومات ومدى مطابقتها للواقع، وهل الواقع هو ما نعيشه؟ أم الواقع هو ما نتطلع إليه ونرجو أن يتحقق؟ وهل المسؤول يتحدث عن أرقام وحقائق ثابتة؟ أم هي اجتهادات ورؤى وتصورات للمستقبل؟ في بعض الأحيان تكون التصريحات عكس الواقع وتسمع نفيا لشيء قد حصل وقد يكون قد بث على قنوات فضائية في نفس وقت النفي أو قبله بقليل، واستغرب مرات عديدة عند توجيه الاستفسارات من قبل المذيعين والصحفيين لمسؤولين أو حتى فنانين عن كل الأمور، وكأن الوزير أو الفنان أيضا لديه إلمام ووجهة نظر بكل شيء بلا استثناء.
قد فاض المواطن من تصريحات بعض المسؤولين والوزراء؛ لأنه يشعر في داخله أن هذا المسؤول أو ذاك الوزير لم يتحمل عناء التفكير والبحث والدراسة والوصول إلى النتائج الحقيقية والواقعية لينقلها بكل شفافية للمواطنين ولو كانت على عكس ما يشتهون، فالتصريح الحقيقي أو القريب من الحقيقة نوعا ما يكون المواطن ملامسه عيانا وهذا يزيد من ثقة المواطن بالمسؤولين ويعمق ارتياحه بأن الصورة تنقل إليه دون تشويه أو تحريف، وبذلك يشعر أنه شريك حقيقي في هذا الوطن الذي نتشارك فيه ونتنفس عشقه كما نتنفس هواءه، بل ويردم الفجوة العميقة في الثقة بين المواطن والمسؤول، فلا يصبح تصريح المسؤول ولو كان محقا وصادقا في كل كلمة محط ريبة وشك من قبل المواطن؛ لأن المقروص كما يقول المثل الشعبي يخاف من رقصة الحبل.
نجزم أن الكثير من المسؤولين على دراية عاليه وعلى مستوى عالي من التحصيل العلمي والثقافي، ولكن نجزم أيضا بأن أي شخص بالدنيا لا يحيط بكل شيء علما، فعندما يتكلم المسؤول ضمن صلاحياته واختصاصه وبما هو أهله لا أحد يغضب ولا أحد يتهكم، ولكن عندما يشعرنا السيد المسؤول بأنه محيط من العلم لا ينضب أبدا وبيده الحلول لكل ما نعاني منه من فقر وبطالة وعنوسة وارتفاع حوادث السير وغير ذلك، وأستاذ في العلاقات الخارجية والداخلية والسياحية فيذهب تفكيري ساعة سماعي لهذه التصريحات أبعد مما تتخيلون لأتساءل هل ثمة وحي ينزل على المسؤول ساعة توليه مهامه فيلقنه كل دروس الحديث والخطابة وإطلاق التصريحات النارية والهوائية والمائية، كيفما اتفق، فيتحصن ضد التلعثم والتخبط!، ويصبح قادرا على الحديث في أي موضوع، ثم ما الذي يقنعني أنا كمواطن أن ما يفيض به هذا المسؤول هو بالفعل نتاج عبقرية فريدة وإمكانات لم تَرِد على بشر قبله أو بعده، وما يزيد من قهر المواطن ويرفع له الضغط والسكري هو أن المسؤول ينهال علينا بهذه التصريحات النارية والحلول السحرية بعد تركه للكرسي.
أتساءل كل هذه التساؤلات، لأنني سمعت كما سمع الجميع عدة تصريحات تتضارب بين مسؤول وآخر، وأوجعني وأنا أتابع هذا التخبط الحاصل في تصريحات بعض المسؤولين الذين أخذتهم عزة الكرسي وفلاشات الكاميرات وصدى المايكروفونات المغري، فراحوا يزيدونها و ينثرون التصريحات والخطابات والأحاديث دون أدنى تقدير أو تفكير أو إدراك لوعي الجمهور المتلقي في الغالب أو نتاج هذا الخطاب على المواطن المسكين الباحث عن الأمل في تصريح مطمئن لمسؤول ما، في هذا الزمان المتضارب في كل شيء كلنا أمل بأن تبقى منظومة الأخلاق والصدق سيدها هي الفيصل في كل التعاملات سواء بين المسؤولين أنفسهم أو بين المسؤول والمواطن، فقد شبع ومل خد هذا المواطن لطما في زمان كثر وارتفع فيه صوت الجعجعة وقل فيه الطحين.