ذكرياتنا في عمان في القرن الماضي

كان والدي "محمد نديم " رحمه الله ، موظفا اداريا في الديوان الاميري قبل استقلال المملكة عام 1946. واقام في عمان مع عائلته منذ عام 1950م. وقد استلم منصب مدير دائرة الاشغال العامة في الكرك في اواخر الستينيات من القرن الماضي الى ان تقاعد وتوفي رحمه الله عام 1972م.

وهنا اود التحدث عن ذكرياتي في عمان في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، حيث سكنا في جبل الجوفة (الجزائر) في الخمسينيات ، ودرسنا المرحلة الابتدائية انا واخواني احسان وغسان في مدرسة خالد بن الوليد بجبل الجوفة ، ثم انتقلنا الى جبل التاج. كانت عمان مدينة صغيرة حتى اواخر الستينيات تتكون من جبل عمان(لغاية الدوار الثالث وقصر زهران فقط ) وجبل الحسين والقصور وجبل القلعة وجبل الجوفة وجبل التاج والاشرفية وجبل الهاشمي وماركا والنصر والمحطة التي كان فيها السجن المركزي آنذاك. عمان المدينة الصغيرة التي عشقناها منذ نعومة اظفارنا عندما كنا أطفالا نلعب في حاراتها وازقتها.. عندما كنا نتجول في شوارعها الترابية والمسفلتة. عمان ذات الجبال السبعة (كما سميت من قبل) والتي كانت تشيع حميميتها بين سكانها وزوارها وتختال بجمالها. وهنا تتزاحم الذكريات الجميلة عن الحياة القديمة في عمان التي عشنا فيها منذ ذلك الحين، والتي احببناها وتواصلنا معها ومع اهلها الطيبين في القرن الماضي. وقد ارتأيت ان اكتب عن ابرز ملامحها على شكل محطات مختصرة كالتالي:

- شارع الملك فيصل: من اشهر شوارع الوسط التجارى في العاصمة عمان. كان في وسطة وبالتحديد في الجزيرة الوسطية مطعم صغير وبجانبه مواقف سيارات الشام خاصة ، وبه دخلة منكو بمحلاتها المشهورة وبه الفنادق الصغيرة وكذلك المقاهي التي مايزال بعضها شاهدا على تلك الحقبة من الزمن كمقهى بلاط الرشيد .

- النوادي الرياضية: كانت النوادي في عمان في تلك الفترة متعددة ومن اشهرها نادي الجزيرة الذي كنت لاعبا فيه. كذلك نادي الاهلي والنادي الفيصلي ونادي الشباب ونوادي اقل درجة كنادي الجزائر بجبل الجوفة . وفي تلك الفترة كانت المدارس هي التي تخرج اللاعبون لينضموا الى النوادي.

- مقاهي عمان: كانت المقاهي الشهيرة في عمان تقع في وسط البلد وخاصة في الخمسينيات مثل: مقهى الجامعة العربية ومقهى السنترال ومقهى حمدان ومقهى الاردن ومقهى بلاط الرشيد . اما مقهى الجامعة العربية فقد كان له شرفة (بلكون) يطل على ساحة المسجد الحسيني ، حيث شهد هذا المقهى النشاطات الحزبية آنذاك. فكان يقف امناء الاحزاب على هذه الشرفة ويلقون الخطب الرنانة التي يتجمع الناس حولها في ساحة المسجد ليستمعوا الى المتحدث باسم الحزب . بالاضافة الى ان من رواد هذا المقهى النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية ايضا. اما مقهى حمدان فقد احتضن المؤتمر الوطني الاول عام 1928.

- فندق فيلادلفيا: ويقع أمام المدرج الروماني ، وهو من ارقى فنادق عمان على الاطلاق وخاصة انه احتضن المغفور له الملك المؤسس الملك عبدالله الاول في بداية عهد الامارة.

- نادي الملك حسين: ويقع في جبل عمان قرب مجلس الامة سابقا وكان رواده من النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتجري فيه الاجتماعات واللقاءات.

- المدرج الروماني: كان مسرحا رئيسيا في عمان حيث تقام عليه الحفلات الفنية لكبار المطربين مثل وديع الصافي وفريد الاطرش وغيرهم وكذلك حفلات الملاكمة بين فهد الطنبور واديب الدسوقي ابطال الشرق الاوسط في تلك الفترة ، كذلك الفرق الاجنبية للتزلج على الجليد.

- الخط الحديدي الحجازي: وقد بدأ العمل به عام 1908 ولحسن الحظ انني ركبت بالقطار انا واهلي عدة مرات . وينقل هذا القطار الركاب والبضائع فيتنقل مابين الشام وعمان وكذلك معان.

- كلية الحسين الثانوية: وتقع في جبل الحسين. وكان لها اهمية خاصة ، حيث خرجت النخب من رجالات الاردن . واذكر الاستاذ نظمي السعيد رحمه الله مدرس الرياضة والمشهود له بتخريج ابطال الرياضة من لاعبي كرة القدم آنذاك.

- مدرسة رغدان الثانوية: وتبعد عن كلية الحسين حوالي 300 متر وكانت ايضا مدرسة مشهورة في عمان ولاننسى اننا تعلمنا فيها دروس التدريب العسكرى حيث كنا نذهب للرماية في طبربور. ومن مدرسيها الاساتذة هاني ابوعبود ونايف العساف وفتح الله والصلاج وغيرهم وكان من زملائي محمد ناجي العمايرة وفايز الخطيب ومحمود الشنقيطي ومحمد المجالي ووليد هويدي وجمال قطيشات وغيرهم.

- الاناشبد المدرسية: كنا ننشد في طابور الصباح في المرحلة الابتدائية والاعدادية اناشيد وطنية وقومية معبرة وذلك بعد ان نقوم بانشاد السلام الملكي ، ننشد نشيد دمت ياشبل الحسين او بلاد العرب اوطاني او حماة الديار عليكم سلام او نشيد الجزائر وغيرها من الاناشيد العربية.

- جبل عمان: وكان من ارقى واشهر جبال عمان منذ نشوء الدولة الاردنية حيث يضم السفارات والوزارات والمراكز الثقافية مثل المعهد البريطاني والمعهد الامريكي ورئاسة الوزراء وقصر زهران والفنادق العريقة كفندق الاردن وكذلك مبنى شركة التأمين على الدوار الاول ومستشفى ملحس من اقدم مستشفيات عمان. وايضا شارع الرينبو نسبة الى سينما الرينبو ويقع فيه المعهد البريطاني الذي تعلمنا فيه دورات في اللغة الانجليزية. كذلك تقع فيه المدرسة الاهلية للبنات . بالاضافة الى القصور في ذلك الوقت ومنها قصر المغفور له الملك طلال بن عبدالله رحمه الله.
- جبل اللويبده: وهو جبل عريق هادىء له نكهة خاصة وكنا نسميه جبل الثقافة والرقي وتقع فيه مدرسة التراسنطة ومدرسة كلية الشريعة ومدرسة ضرار بن الازور وغيرها. وكان الناس يحلو لهم المشي (الكزدرة)عبر شوارعه ويتجمعون عند الدوار و بجانبه مطعم سيزار الشهير حيث تقام فيه الاعراس والحفلات. بالاضافة الى وجود المركز الثقافي الفرنسي فيه ناهيك عن المتحف والمتنزه.
- متنزهات الرصيفة: كانت العائلات واهل عمان عموما ، عندما يريدون قضاء اوقات العطل الاسبوعية او الرسمية فانهم يذهبون للجلوس في متنزهات الرصيفه المشهورة في تلك الفترة وخاصة لقرب الرصيفة من عمان ويخترقها سيل الزرقاء الذي يأتي من رأس العين بعمان حيث تصب مياه الامطار من الجبال المحيطة وتسير هذه المياه عبر السيل في وسط عمان الذي كان مفتوحا قبل عملية سقفه وتم عمل شارع فوقه تسير عليه السيارات . ولاننكر بان امانة عمان الكبرى انشأت الصروح الثقافية على هذا المجرى.
- الملعب الرئيسي: كان الملعب الرئيسي في عمان هو ملعب الكلية العلمية الاسلامية بجبل عمان ، حيث تقام عليه المباريات بين النوادي الاردنية والعربية. وقد حظيت هذه الكلية بالمغفور له الملك الحسين بن طلال ان كان على مقاعدها في المرحلة الابتدائية. علما ان هذه الكلية كانت اشهر وارقى مدرسة في عمان.

- المثقفون: لقد كان الاردن يزخر بالمثقفين والفنانين والشعراء أمثال مصطفى وهبي التل وتيسير السبول وعبدالمنعم الرفاعي ومن الادباء حسني فريز وروكس العزيزي وعيسى الناعوري وناصر الدين الاسد وغيرهم . اما من الفنانين فهم : جميل العاص وسامي الشايب وفهد نجار وايضا اسماعيل خضر وتوفيق النمري ومن المخرجين هاني صنوبر وزيد الكيلاني . ومن المذيعين القدامى محمود الشاهد وحيدر محمود وابراهيم الذهبي وعلي أسعد وغيرهم.