كيف يتعامل السيسي مع حماس وغزة؟
المدينة نيوز - : تطرح استراتيجية النظام المصري الحالي، المتباينة، في التعامل مع قطاع غزة وحركة "المقاومة الإسلامية" (حماس)، تساؤلات كثيرة، لناحية عدم وضوح الرؤية في هذا الملف. وما يزيد من حجم التساؤلات، هو استقبال مصر، تحديداً جهاز الاستخبارات العامة، وفداً رفيع المستوى من حركة "حماس"، مكوّناً من أعضاء المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق، ممثلا لأعضاء الخارج، محمود الزهار وخليل الحية، وعماد العلمي، ونزار عوض الله ممثلين لقطاع غزة. وتأتي الزيارة بعد أيام قليلة من اتهام وزارة الداخلية المصرية للحركة بالضلوع في اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات.
وتختلف الرؤى حول تعامل النظام المصري الحالي، برئاسة عبد الفتاح السيسي، مع هذا الملف الشائك منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، في ظلّ الاتهامات للحركة بالتورّط في أعمال عنف خلال الثورة، وعلاقتها بالأوضاع المضطربة بسيناء، فضلاً عن دعم أعمال العنف بعد الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي، بحسب ما يرى السيسي.
وبحسب مراقبين، فإن رؤية نظام السيسي للتعامل مع "حماس"، تسير وفق اتجاهين، الأول هو عدم الرغبة في استمرار سيطرة "حماس" على قطاع غزة، ولهذا يلجأ إلى الضغوط والتضييق على سكان القطاع. أما الاتجاه الثاني، وهو الأقرب للتنفيذ، فنحو مزيد من الضغوط على الحركة في إطار ضبط الشريط الحدودي، ومنع تسلل عناصر بين سيناء وغزة من الجماعات الجهادية المسلحة. ولم يستبعد المراقبون، فكرة وجود تبادل أدوار بين جهاز الأمن الوطني والأجهزة السيادية، لناحية إعلان تورّط "حماس" في اغتيال بركات، للضغط عليها في قضايا أخرى.
في السياق، يقول القيادي في "حماس" أحمد يوسف، لـ"العربي الجديد"، إن "وفد الحركة الذي يزور القاهرة سيقوم بجولة خارجية مواكبة لاجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي، التي ستعقد في العاصمة التركية أنقرة الشهر المقبل، وذلك للتأكيد على أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية عربياً وإسلامياً، وكذلك للحث على ألا تغيب القضية الفلسطينية عن المحافل الدولية".
ويوضح أن "زيارة السيسي للسعودية أخيراً، في وجود زعماء عدد من الدول العربية والإسلامية على هامش مناورات رعد الشمال العسكرية، أحيت العلاقات بين حماس والقاهرة"، مرجّحاً أن "يكون ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، هو من عجّل التواصل بين الجانبين". ويتوقع يوسف أن "يكون قد جرى حديث بين الملك سلمان والسيسي لتجاوز أزمة اتهام وزارة الداخلية للحركة بالتورط في اغتيال بركات".
كما يكشف يوسف كواليس ترتيبات اللقاء، وينوّه إلى أنه "كانت هناك اتصالات من فترة بين أبو مرزوق، ومسؤولين بجهاز الاستخبارات، تكللت باتصال جرى بين رئيس المكتب خالد مشعل، ووزير الاستخبارات المصري اللواء خالد فوزي".
وفي سياق المباحثات بين الجانبين، يشير يوسف إلى أن "الجانب المصري له تساؤلات فيما يتعلق بملف المصالحة الداخلية وما تم التوصل إليه، وكذلك ما تم الحديث عنه بشأن ملف الميناء البحري، ومسألة الأمن على الحدود والاتفاق على آلية، تضمن عدم استغلال منطقة الحدود المشتركة من جانب أي جهة تريد العبث بأمن المنطقة، إضافة للحديث بشأن استكمال مشاورات التهدئة مع إسرائيل".
أما عن موقف "حماس"، فيلفت إلى أن "الحركة طرحت موضوع الشباب الأربعة المختطفين في مصر بعد تجاوزهم معبر رفح منذ أشهر عدة، في طريقهم للخارج في رحلة علاجية. كما طرحت مسألة معبر رفح". ويؤكد يوسف أن مصر هي الدولة التي تملك كافة مقومات النجاح لأي حوار فلسطيني فلسطيني، نظراً لامتلاكها كافة أوراق النجاح.
في هذا الإطار، يشدّد قيادي بحركة "حماس" في تصريحات لـ"العربي الجديد"، على أن "هناك استعدادا تامّا للتنسيق مع الجانب المصري، لتأمين الشريط الحدودي المشترك بين الجانبين، وبذل أقصى جهد لحماية أمن الجانب المصري"، لافتاً إلى أن "الحركة سبق لها أن أصدرت قراراً بإلغاء الهيئة المسؤولة عن إدارة الأنفاق لطمأنة الجانب المصري".
ولا يمكن إغفال مسألة الضغط على حركة "حماس" على وجه الخصوص، لاسترضاء إسرائيل، في ضوء العلاقات القوية بين السيسي والكيان الصهيوني. وبغضّ النظر عن فكرة استراتيجية النظام المصري في التعامل مع ملف حماس وقطاع غزة، تفرض مصر حصاراً شديداً على القطاع، في ضوء إغلاق دائم لمعبر رفح، وهدم كل الأنفاق التجارية بين سيناء وغزة، فضلاً عن إغراق الحدود بمياه البحر، التي لها آثار سلبية للغاية على التربة والزراعة في رفح الفلسطينية، بناء على توجيهات إسرائيلية.
وبدأ التخوف من عدوان إسرائيلي محتمل على غزة يتصاعد، بعد الغارات التي نفذها طيران الاحتلال، مساء يوم الجمعة، الذي أسفر عن استشهاد طفلة، على الرغم من التأكيد الإسرائيلي على استهداف مواقع للمقاومة المسلحة، وليس لأهداف مدنية.
من جهته، يقول الدبلوماسي المصري، إبراهيم يسري، إن "التضييق المصري على قطاع غزة، يصبّ في صالح إسرائيل بلا شك، في إطار العداء بين الكيان الصهيوني وحماس، في ظل عدم وضوح الرؤية التي يتبعها النظام الحالي في التعامل مع هذا الملف". ويضيف يسري لـ"العربي الجديد"، أن "ما يحدث ربما يكون مقدمة لعدوان على القطاع في أي وقت، وسط ضمانة من عدم تدخل مصر في وقفه، كضامن للأمر مثلما كان يحدث في أوقات سابقة".
من جانبه، يقول الخبير السياسي، محمد عز، إن "توجه النظام المصري نحو التضييق على قطاع غزة، ليس مقصوداً منه استعداء الأخوة الفلسطينيين، ولكن حركة حماس". ويتابع عز في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "النظام الحالي يريد إنهاء سيطرة حماس على القطاع، لذلك يضغط في اتجاهين، الأول المصالحة بين فتح وحماس وعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، وهو ما بدا واضحا من خلال التأكيدات على فكرة فتح المعبر بشكل دائم، ولكن بعد أن يكون تابعاً لإدارة السلطة، وحماس ترفض".
أما الاتجاه الثاني، وفق عز، فيتلخص في "مزيد من التضييق على سكان القطاع، من أجل رفض فكرة سيطرة حماس على القطاع بشكل كامل، وتعبئة سكان القطاع ضد الحركة، ومن ثم الضغط في سبيل إنهاء تلك السيطرة". ويلفت إلى أن "النظام نجح إلى حدّ كبير في الاتجاه الثاني، ولكن هذا يُعدّ ضرراً كبيراً على الأخوة الأشقاء في غزة، تحديداً في ظلّ الأوضاع المعيشية الصعبة، والحصار المفروض بالأساس من قبل إسرائيل". العربي الجديد