هآرتس تكشف المفاوضات السرية بين السلطة وإسرائيل
المدينة نيوز -: قالت إسرائيل إنها تجد صعوبة في "فهم منطق" مبادرة سلام فرنسية يؤيدها الفلسطينيون بعد أن اجتمع مسؤولون من وزارة الخارجية الإسرائيلية مع مبعوث فرنسي يوم الاثنين في القدس.
وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية، إنها "قدمت أسئلة لفهم منطق المبادرة" أثناء اجتماع بين المبعوث الفرنسي بيير فيمو وهو سفير فرنسي سابق لدى الولايات المتحدة وبين دوري جولد المدير العام لوزارة الخارجية.
وأضافت الوزارة قائلة في بيان "أكد الجانب الإسرائيلي أهمية المفاوضات الثنائية المباشرة دون شروط مسبقة بين الطرفين ومسؤولية (السلطة الفلسطينية) في محاربة الإرهاب والتحريض."
وقال دبلوماسي فرنسي إن مبادرة باريس مطلوبة بالنظر إلى خطر انفجار "برميل البارود" في إشارة إلى تصعيد للعنف بدأ قبل أشهر وأثاره جزئيا إحباط فلسطيني من انهيار المحادثات والمزيد من الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي التي يسعون إلى إقامة دولتهم عليها والتي احتلتها إسرائيل في حرب 1967.
وكشفت صحيفة "هآرتس" العبرية أمس النقاب عن اقتراح إسرائيلي قدم للسلطة الفلسطينية يقوم على أساس العودة إلى مبادئ اتفاق أوسلو بشأن السيطرة الأمنية في مدن الضفة الغربية ابتداءً من رام الله وأريحا. ومن الواضح أن هذا الاقتراح قدم في ظل مفاوضات أو اتصالات سرية تجريها إسرائيل مع السلطة بهدف تحييد أي أثر للاقتراحات الدولية لتحريك العملية السياسية، مثل المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر دولي.
وبحسب المراسل السياسي لـ "هآرتس" باراك رابيد، فإن إسرائيل والسلطة الفلسطينية تجريان مفاوضات سرية لإعادة السيطرة الأمنية في مدن الضفة الغربية تدريجياً إلى أجهزة السلطة. وبحسب مسؤولين إسرائيليين، فإن الاقتراح يتضمن وقف إسرائيل نشاطاتها العملياتية في المناطق "أ"، ما عدا حالات "القنبلة الموقوتة".
وخلال المحادثات، عرضت إسرائيل أن تكون رام الله وأريحا أول مدينتين يتركهما الجيش الإسرائيلي. وفي حال نجاح ذلك، تتوسع الخطة لتشمل مدناً أخرى في الضفة. ولكن المسؤولين الإسرائيليين أقروا بأن المحادثات واجهت مصاعب بسبب القيادتين السياسيتين للجانبين، لكن الاقتراح لا يزال على الطاولة.
ومعروف أن المنطقة "أ" تضم المدن الفلسطينية الكبرى والقرى القريبة منها، وهي تشكل حوالي خُمس مساحة الضفة الغربية. وبحسب اتفاقيات أوسلو، فإن المسؤولية المدنية والأمنية في هذه المنطقة تقع على كاهل السلطة الفلسطينية. ولكن منذ اقتحام المدن الفلسطينية في عهد أرييل شارون في العام 2002 أثناء الانتفاضة الثانية، كفت إسرائيل عن احترام هذا الجانب من اتفاق أوسلو، وبات الجيش الإسرائيلي يعمل في هذه المدن يومياً من دون قيود.
وأشارت "هآرتس" إلى أن هذه المفاوضات تمت بمبادرة من منسق شؤون المناطق الجنرال يوآف مردخاي وقائد الجبهة الوسطى روني نوما. وتم إطلاع كل من رئيس الأركان غادي آيزنكوت ووزير الجيش موشي يعلون ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على الاتصالات وصادقوا عليها.
ونقلت "هآرتس" عن مسؤولين إسرائيليين كبار قولهم إن الخطوة أُعدت أصلاً لمنع المّس بالتنسيق الأمني بين الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن الفلسطينية، ولتثبيت الوضع الميداني وتقليل الاحتكاك بين الطرفين.
وشارك في المفاوضات من الجانب الفلسطيني وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، ورئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج ورئيس الأمن الوقائي زياد هب الريح. وكان المنسق الأمني الأميركي الجنرال بيرد رودشهايم مطلعاً على مجريات المفاوضات، لكنه لم يعمل كوسيط بين الطرفين حيث جرت المفاوضات مباشرة.
وقد بدأت المفاوضات بين الطرفين في التاسع من شهر شباط الماضي في اجتماع للتنسيق الأمني بحضور مردخاي ونوما من الجانب الإسرائيلي وحسين الشيخ وفرج وهب الريح من الجانب الفلسطيني. وأكد المسؤولون الفلسطينيون أمام الإسرائيليين أنه إذا لم تُعد إسرائيل الوضع في مناطق "أ" و"ب" إلى ما كان عليه قبل الانتفاضة الثانية وتُوقف اقتحامات الجيش الإسرائيلي للمنطقة "أ"، فإن السلطة ستعلق التنسيق الأمني. أما المنطقة "ب"، والتي تشكل هي الأخرى خُمس مساحة الضفة الغربية، فتقع المسؤولية المدنية فيها على الفلسطينيين والمسؤولية الأمنية على الإسرائيليين. وحالياً، تقيد إسرائيل النشاط المدني للسلطة الفلسطينية في هذه المناطق.
وترى إسرائيل أن لتعليق التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية عواقب كبيرة على الوضع الأمني في الضفة الغربية. وألمح آيزنكوت مؤخراً إلى خشية إسرائيل من انهيار التنسيق الأمني. وكان رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج قد كشف في 20 كانون الثاني الماضي النقاب عن أن أجهزة السلطة أحبطت في الشهور الماضية أكثر من 200 عملية ضد إسرائيليين في الضفة. وقال إن الأمن الفلسطيني اعتقل ما لا يقل عن 100 فلسطيني في الضفة، وصادر كمية كبيرة من الأسلحة. وحينها، أوضح أن التنسيق الأمني يمنع الفوضى ودخول عناصر متطرفة مثل تنظيم "داعش"، ما يعرّض للخطر أمن كل دول المنطقة بما فيها إسرائيل.
وفي أعقاب هذه الرسائل الفلسطينية، أجرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية سلسلة مداولات حول سبل الحفاظ على التنسيق الأمني. ونتيجة هذه المداولات، عُرض الاقتراح الإسرائيلي في اجتماعات عدة مؤخراً، بينها اجتماع تم في 25 شباط. وفي كل الأحوال فإن الخطة وفق مسؤولين إسرائيليين تتضمن المكونات التالية:
أ. وقف شبه تام لاقتحامات الجيش الإسرائيلي للمنطقة "أ" ما عدا في حالات الطوارئ. إسرائيل أوضحت احتفاظها بحقها في العمل في المنطقة "أ" في حالات "القنبلة الموقوتة"، لكنها سترفع جوهرياً مستوى الجهات التي تصادق على عمليات من هذا النوع. فإذا كان الوضع اليوم يتطلب مصادقة قائد لواء فقط لإدخال قوات إسرائيلية للمنطقة "أ"، فإن الأمر وفق الاقتراح الإسرائيلي يستدعي موافقة قائد المنطقة أو أعلى من ذلك.
ب. اقترحت إسرائيل أن يكون التقليص الجوهري لنشاطات جيشها في رام الله وأريحا مجرد "نموذج" أول. وإذا قادت الخطوة إلى نتائج إيجابية واستقر الوضع الأمني، يقلص الجيش الإسرائيلي نشاطاته في مدن أخرى في الضفة بالتنسيق مع الفلسطينيين.
ج. طلبت إسرائيل من أجهزة الأمن الفلسطينية العمل بشكل حازم حال تقديم معلومات استخبارية لها عن جهات إرهابية تعمل في المنطقة "أ".
د. تبنّى رئيس الحكومة الإسرائيلي ووزير جيشه الاقتراح، لكنهما أضافا إليه شرطاً لخطوات إضافية ينفذها الفلسطينيون، مثلاً ضد التحريض. لكن الشرط المركزي كان الاعتراف بحق إسرائيل في العمل في المنطقة "أ".
وبعد أن سلّم مردخاي ونوما الاقتراح للفلسطينيين، تم إيصاله للرئيس محمود عباس. وقال مسؤولون إسرائيليون إن الحيرة والاختلاف بديا على الفلسطينيين. رؤساء الأجهزة الأمنية أيدوا الخطوة معتبرين أنها ستسهم في تهدئة المنطقة ورأوا فيها احتمال أن تُعرض كإنجاز. في المقابل، تحفظ عباس وجهات أخرى في القيادة السياسية تجاه الاقتراح، خصوصاً شرط الاعتراف بحق إسرائيل في العمل في المنطقة "أ".
وهكذا واجه الاقتراح مصاعب لأسباب سياسية، إذ إن نتنياهو أراد تنازلاً من الفلسطينيين يعرضه على المجلس الوزاري المصغر لإقرار الاقتراح. لكن الشرط الذي وضعه ترك عباس في وضع مستحيل يكون فيه الإقرار بحق إسرائيل في دخول هذه المناطق تخلياً عن السيادة. ومع ذلك، فإن النقاشات بشأن الاقتراح لم تنته بعد.
وبرغم كل التبريرات الأمنية التي طُرحت في التقرير، فإن البعد السياسي واضح فيها. فهناك قناعة حتى في الأوساط الأمنية الإسرائيلية بأنه من دون أفق سياسي يصعب الحديث عن استقرار أمني. وربما أن أحد أبرز المحفزات للاقتراح الإسرائيلي هو الخشية من الخطوات الدولية التي يجري التحضير لها.