فاقد الديمقراطية لا يعطيها!
"الديمقراطية هي جهاز يضمن عدم عيشنا أفضل مما نستحق"
(جورج برنارد شو)
إن مجريات الأحداث الجارية في بعض البلدان العربية جاءت نتيجة ضغطيين متقابلين:
1. ضغط الواقع التنموي الصعب وما يعززه من مؤثرات وتفجيرات داخلية.
2. ضغط العولمة وما تجلبه من تحديات يصعب احتوائها كما جرى في انطلاقة الانتفاضتين الشعبيتين في تونس ومصر.
هكذا بدت العديد من الدول العربية كأنها تسير باتجاه تآكل مزدوج حيث تفقد إستقرارها الداخلي وسيادتها الوطنية في آن معاً، ولأن أحسن وسيلة للحفاظ على النظام الديمقراطي هو إعادة التفكير فيه وابتكار أشكال جديدة له وتطويرها بالإعتراف بالتعددية وإستكشاف أشكال جديدة للحقول الثقافية وحقوق الأقليات.
في كل العصور هناك أناس اجتازوا الخطى غير الاقتصادية وخاطروا بحياتهم وأملاكهم بالنضال من أجل الحقوق الديمقراطية فلا ديمقراطية بدون الديمقراطيين أي بدون إنسان ديمقراطي يرغب في الديمقراطية، ويقوم بتطويعها وهو في الوقت نفسه يطوع من قبلها.
ما نلاحظه إذن هو إن هذا النموذج الجديد، لا ينبغي أن يفرض من الخارج على المجتمع بل أن يتم الوصول إليه إجرائياً، وفي عصرنا الذي أصبح فيه اعتناق فكرة ما لا بد أن يكون مبنياً على الإقناع لا بد أن تتسم المقولات بقوة الجذب داخل المجتمع وفي الفضاء الدولي الأرحب وذلك من خلال بيان الحقائق ومواطن الجمال التي تتميز بها.
من هنا يصبح التطبيق الإجرائي بالغ الصعوبة لمفهوم الديمقراطية بمواجهة السلوك المتسم بالعنف والإرهاب من جانب أول ولاختلاف التجربة المحلية عن التجارب الغربية من جانبٍ ثانٍ ولغياب الحرية من جانب ثالث، لأنه في الحياة العملية قد يكون النظام السياسي في معين ديمقراطياً وتكون الحرية فيه مقيدة بقيود عديدة خصوصاً تلك التي يمكن اصطناعها بالوسائل غير المباشرة، فالحرية كانت دائماً مادة للتلاعب من قبل أولئك الذين يملكون السلطة والقوة ويسيطرون على وسائل الإعلام والتعليم... الخ.
على ضوء ما ذكر أعلاه، تخلص إلى القول بأن الحرية والديمقراطية لا تتحدان سلبياً فقط من خلال كثرة القيود على ممارستها، بل تتحدان ايجابياً من خلال النضال في سبيل تحققها على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وهذا يكون من خلال تحقيق حقوق الإنسان.
لذا، فإن الديمقراطية الحقة التي نشدو إليها في فلسطين تعني ممارسة الإرادة والمشاركة في وضع خطط المجتمع وتحويل أهدافه العامة إلى برامج وخطط تفصيلية يمكن ترجمتها إلى واجبات يمارس في كل مواطن فلسطيني دوراً بشكلٍ يحقق الخطة الشاملة وأهدافها الديمقراطية تعني تفجير طاقة الإنسان الفلسطيني لزيادة الإنتاج وتعني استخلاص الحقول الذاتية لمشاكل المجتمع المحلية وفوق هذا وبالضرورة تعني الرقابة الشعبية الواعية على المؤسسات العامة والإدارية ومحاسبتها.
الديمقراطية الجديدة في النهاية لا تتحقق إلا بالفرص المتكافئة بين المواطنين ولا تتم بمعزل عن القوى الشعبية المنتجة والتي يجب أن تهيأ لها فرص للمشاركة السياسية واستعادة الثقة بالنفس.
"لا نستطيع أن نفعل كل شئ حالاً، و لكننا نستطيع أن نفعل شيئاً حالاً"
(كالفن كوليدج)