إنقلاب في إيران
فاز الإصلاحيون بأغلبية كبيرة في الإنتخابات الإيرانية الأخيرة التي جرت على وقع الإتفاق النووي والمكاسب التي تحققت بعد مفاوضات عسيرة مع الغرب، ونجحت طهران في إنتزاع إعتراف أمريكي صريح بحقها في تطوير قدراتها السلمية النووية التي كانت مثار خلاف عميق لأكثر من عقدين من الزمن كان الحصار والعقوبات المستمرة علامة فارقة أجهدت الشارع الإيراني لكنها لم تكسر عزيمة الحكومة، ولا إرادة المرشد الأعلى السيد على خامنائي الذي دأب على التبشير بإنتصار قريب، وهو ماتحقق بالفعل حين تم التوقيع على الإتفاق التاريخي والذي عد إنتصارا مدويا لإيران.
الإنتخابات الأخيرة كانت مطبوعة بحماس ثوري شعبي من فئات الشباب الذين يبحثون عن التغيير في بلد يحكمه المحافظون ويتصدون على الدوام لتحرك الإصلاحيين المشكوك بولائهم حتى مع إيمانهم بالثورة وإعلانهم السير على نهج روح الله الخميني مثل الشيخ هاشمي رفسنجاني والرئيس الأسبق محمد خاتمي، وحليفه الحالي الشيخ حسن روحاني الذي كان من الإصلاحيين لكنه بقي تحت وصاية الفعل الثوري للمحافظين ولقوة الحرس الثوري الجبارة.
المحافظون حذروا مسبقا من هزيمة تلوح في الأفق، وعدوا ذلك نتيجة طبيعية لمساومات الإصلاحيين والدعم المتوفر لهم من الغرب والدعاية الإعلامية المتواصلة التي مهدت لفوزهم وحث الشعب على التصويت لهم، وكان هناك إتهام مستمر لهم من نخب المحافظين ووسائل الإعلام المرتبطة بالحرس الثوري، وماحصل كان نتيجة طبيعية لنوع التغيير في هذا البلد والطبيعة التي عليها الشعب الإيراني المتحفز لإستقبال فكر مختلف يساعد في إرسال إشارات الى الغرب يمكن أن تجعل من إيران مقبولة أكثر لدى المجتمع الدولي، ويرفع عنها القيود التي تكبلها على المستوى الإقتصادي والسياسي، فنتائج رفع الحصار بعد توقيع الإتفاق النووي غير واضحة حتى اللحظة وهي بحاجة الى مزيد من الوقت.
المحافظون لن يسكتوا، فبرغم كا ماحققه الإصلاحيون من مكاسب في إنتخابات مجلس الخبراء والشورى وخسارة المحافظين لمقاعدهم، إلا أن الممسك بزمام الأمور وبقدرات الدولة هي القوى المحافظة المرتكزة على قوة الحرس الثوري، والتي تمتلك السيطرة على الإقتصاد الإيراني، فالإصلاحيون حتى وإن فازوا فلن يكون بمقدورهم الإطمئنان لنتائج لاتبدو موثوقة لجهة النفوذ الذي عليه الإصلاحيون وتجذرهم في الحياة السياسية والإقتصادية.
أكاد أجزم أن ثورة على الثورة يمكن أن تضرب كل ماتحقق في حال شعر المحافظون بتهديد حقيقي يتمثل بخروج الإصلاحيين عن الوصاية التقليدية لهم، وهم سيعملون على تقويض كل تلك المكاسب وترتيب الأمور على وفق الرؤية التي حكمت إيران وماتزال تحكم. فالثورة الإصلاحية لن تستطيع على المدى القريب قهر ثورة المحافظين.