هل حقاً كان الجيل القديم أشدّ ذكاء من الجيل الجديد؟
ان أطفال اليوم ليسوا أكثر ذكاء من جيل والديهم. ومن المؤكد أنهم يمتلكون معظم تلك التفاهات الإلكترونية المحشوّة في أذهانهم ، ولكن لابدّ أن تلاحظوا حجم التضحيات التي بذلوها في سبيل التخلي عن امتيازاتهم. وأحد هذه الامتيازات المفقودة هو أنهم لا يقرؤون إلا ما ندر. ويُعدّ ذلك بحدّ ذاته عملاً إجرامياً. كما أن أفراد الجيل الجديد لديهم البدائل التي تقوم بالتفكير نيابة عنهم. وعلاوة على ذلك ، بوسعهم اصطحاب الكمبيوترات والآلات الحاسبة إلى قاعات الامتحان ، فيما لم يكن يُسمح لوالديهم سوى إحضار المسطرة الحاسبة إلى الامتحانات.
غير أن أهم امتياز تنحّى عنه هذا الجيل يتمثل في عدم مقدرته على الإبداع. أما الجيل القديم فلم يكن لديه الكثير ليشتّت تركيزه الذهني. ولذا فقد امتاز بالابتكار ، والقناعة بما هو موجود ، واستحداث الحلول لمشكلاته الحياتية بمهارة فائقة ، وقد اختفت هذه السمات برمّتها في أفراد الجيل الجديد.
وربما كان الجيل القديم آخر جيل يؤمن بنظرية "إصلاح ما يتوقف عن العمل". وقد اعتاد الجيل المذكور على إصلاح ما يمتلكون والاعتزاز بذلك. وفي الوقت الراهن ، يُعدّ إصلاح الأعطال أمراً من الماضي ، ويُمكن ، ببساطة ، استبدال كل شيء. وليس هناك أسهل من شراء طراز أحدث. إذ لم يعد الأطفال بحاجة إلى إصلاح ما يتعطل. وكذلك فإنهم يفتقرون إلى الصبر الذي يعين على وضع الأمور في نصابها الصحيح ، ما يدلّ على انعدام المرونة عندهم.
إن أمهات وآباء الجيل القديم كانوا يتمتعون بقدر أكبر من الاستقلالية ، رغم أن الجيل الجديد يعتقد بأن مجال حرية التصرف لديه غير مسبوقة. وعلى وجه الدقة ، فإن مسألة حرية التصرف هذه ليست صحيحة. فالوالدان اللذان ينتميان للجيل القديم منحا الأولاد والبنات مجالاً أوسع ليطوروا أنفسهم لأن المنافسة في السابق لم تكن شرسة كما هي عليه الآن. أما في أيامنا هذه فإن مرحلة الطفولة قد قصُرت ، وسنوات المرح والتسلية أصبحت محدودةً جداً ، إذ يتم إقحام هؤلاء الأطفال في صراع محموم قبل الأوان. وعليهم أن يتنافسوا بشدة مع الآخرين مع المتابعة الصارمة من جانب الوالدين.
وبالنسبة لآباء الجيل القديم وأمهاتهم ، فلم يكونوا منهمكين إلى هذا الحد في حياة أطفالهم ، إذ أن الحاجة إلى متابعة الأطفال خوفا من الفشل في الحياة كانت منتفية. وهذا الضغط الذي يتعرض له أبناء هذا الجيل جعلهم يفتقرون إلى الذكاء. فهم يشبهون بعضهم كثيراً ويتكلمون بأسلوب المنطق ذاته.
يعتقد أطفال اليوم بانهم دائنون للآخرين بشيء ما ويطالبون به على الدوام. ومن المحتمل أن يكون ذلك من العوامل التي ساعدت على تشكيل هذا الجيل المتعثر الذي يعوزه الذكاء. أما أطفال الجيل القديم فكانوا أطفالاً عظماء في مرحلة طفولتهم. ومع مرور الزمن ، أصبحوا آباء دون أن يكبروا فعلياً ، وحاولوا بقوة المحافظة على الشباب الذي ولّى ، وبثّ ذلك الأمر الرعب في قلوبهم ما جعلهم يستسلمون بسهولة.
لا يستطيع الفرد منا الآن سوى أن يتمسك ببارقة الأمل في أن يتمكن هذا الجيل الجديد ، الذي بلغ حدّ المغالاة في الاعتماد على العلوم والتكنولوجيا ، من قلب الأدوار ويمنحوا أطفالهم المجال ليكبروا كأفراد مميزين وألا يكتموا أنفاسهم بممارسة الضغوظ المختلفة عليهم