نحن ومونديال كرة القدم
![نحن ومونديال كرة القدم نحن ومونديال كرة القدم](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/46830.jpg)
كنت وصديق لي نتوجه الى احدى صالات الأفراح المشهورة في اربد تلبية لدعوة رجل فاضل يقيم حفلا بمناسبة زفاف ولده الرابع والذي يسبق زفافه زفاف شقيقين اصغر منه سنا وبعد ان خرجنا بالسيارة من نفق مدينة الحسن الرياضية الأكثر شهرة في اربد ،وبالمناسبة هذا النفق الوحيد في اربد لمن يعتقد ان مدينة اربد فيها الكثير من الأنفاق التي تسهل على المواطنين مستخدمي السيارات الحركة ويجنبهم ازمات السير التي اصبحت السمة العامة في عروس الشمال كما يحلو للإربديين تسميتها ، وبعد ان غادرنا النفق شاهدت وصديقي ما لم نتوقعه " السيارات الخصوصية الفارهة والحديثة والعادية المتوسطة العمر والقديمه جميعها تصطف الى جانب بعضها بعضا .
صديقي رد على استفساري عن سبب وجود هذا الكم الهائل من السيارات التي غص بها شارع الحصن وبإصطفاف مزدوج في معظم الحالات قال وبلا إكتراث لما يقول :
لقد غسلوا عقول شبابنا بالمونديال الكروي الجنوب إفريقي واشغلوهم بمتابعة مباريات كرة القدم التي تقام هذه الأيام في جنوب إفريقيا واليك هذه المشاهد التي لانحسد عليها ، وتابع يقول انظر يا صديقي الى هؤلاء الشباب والشابات يتابعون مبارات الجزائر البلد العربي الوحيد المشارك في المونديل الكروي وفريق بريطانيا باهتمام لامثيل له انظر إليهم يغلقون الشارع العام مما اضطر السواقين الى تغيير وجهة سيرهم للإبتعاد عن هذه ألأزمة الخانقة والتي لم تتدخل شرطة المرور في التخفيف منها وفتح الطريق امام السير الطبيعي . نعم لقد نجحوا في غسل ادمغتنا لقد اصبحت كرة القدم عموما ومباريات المونديال خصوصا كنوع من انواع المخدرات في تأثيرها على الشباب ونحن نشارك في هذا النوع من التخدير ولو بشكل غير مباشر من خلال عدم توعية ابنائنا لهذا الخطر الداهم .
قلت لصديقي انت تبالغ كثرا بوجهة نظرك هذه إتجاه خطورة كرة القدم وخاصة فيما يتعلق بالمونديال الذي يأتي كل اربع سنوات مره وتعود بنا في حكمك هذا على مدى خطورة كرة القدم على جيل الشباب وغيرهم من المتابعين للمونديال ولتصفيات كرة القدم الى ستينيات القرن العشرين الماضي، حيث كان بعض المشككين في كل ما يدور من حولنا و بعض المثقفين العرب يعتبرون ان مباريات كرة القدم لاتعدو اكثر من ملهاة للشباب العرب وانها والأغاني الطربية لكبار المطربين العرب امثال محمد عبدالوهاب والسيدة ام كلثوم وغيرهما بمثابة نوع من انواع المخدرات عالية التأثير على توجهات الرأي العام وتحويل وعيه بمشكلاته الاساسية الى مفاضلات ومقارنات بين (الفرق) التي ترتدي الملابس الحمراء والخضراء والزرقاء والصفراء والمتعددة الألون التي تمثل كل منها هوية الفريق الذي يرتديها مثلا ، او التعصب لمطرب او مطربة والى الحان هذا الملحن في المقامات اللحنية التي يعتمدها في الحانه او غيرها من المقامات اللحنية الأخرى وطبعا لا يجوز قبول هذا الرأي على عواهنه لوجود استثناءات من هذه القاعدة ، لكن تفسيرها بشكل عقلاني يستدعي الغوص في صناعة الرأي العام والتركيب العقلي والنفسي لعامة الناس.فالمؤشرات الاولى تقول ان التربية الاسرية التي يسودها العنف والكبت والخلافات العائلية هي الحاضن الأول لشخصيات غير متوازنة نفسيا ، تحاول التنفيس عن الكبت داخلها بممارسات قد لا تكون صحية، ثم يعزز هذا البناء العقلي والنفسي المشوه برامج ومناهج تعليم تقوم على التلقين وتعطيل امتلاك القدرة على التفكير بشكل علمي ناقد، واخيرا يجيء المناخ السياسي المعادي للتعددية والديموقراطية وصون حقوق الآخر والتحاور معه على اساس ندّي متكافئ، والمحصلة النهائية رأي عام يتطلع للتنفيس عن كبته واحباطاته من خلال تحقيق أي انتصار!.
ومع انسداد قنوات شرعية للتعبير عن الرأي والابتعاد عن المشاركة في اتخاذ القرار ، لا يجد قطاع كبيرا من عامة الناس امامه سوى الانخراط في تشجيع هستيري متعصب لهذا الفريق او ذاك، وإدمان التمايل مع الألحان الغنائية المختلفة ، ومباريات المونديال التي تتزامن مع واقع عربي بالغ البؤس فرصة لإطلاق الطاقات المكبوتة في التعبيرعن ما في دواخلهم من كبت دائم يدفعهم لإطلاق اصواتهم فير الطبيعية سواء المنتصر منهم او المهزوم كما هو حال الجمهور الذي اغلق الشارع العام غير عابيء بما سيلحقه بالأخرين من اذى غير مقصود بالطبع فقط ليعبر عن شعوره المكبوت .
الى متى يا صديقي سنبقى نتهرب من مسؤولياتنا عن الأخطاء التي نقترفها ونضع اللوم على الأخرين الذين لاعلاقة لهم بما نقع فيه من اخطار او بما نعانيه من تخلف لانريد الفكاك منه ؟