يوم الأرض الفلسطيني وشرائع نوح
تمثل أرضنا الفلسطينية المباركة عبق فؤادنا، وقوة ثباتنا، ووقود صمودنا، نعشق هذه الأرض، نعشق هواءها، وتنسم ربيعها وعبيرها، وتمنحنا شمس فلسطين دفئًا لا يشبهه أي دفء؛ فهي الوطن والموطن، وهي الملتقى وهي الموعد بالنصر والحرية، هذه الأرض التي يملكها الفلسطينيون منذ آلاف السنين، منذ أن وطأ شعب كنعان هذه البلاد وأقاموا عليها وزرعوها وحرثوها بأيدهم، وبنوا عليها الإمارات والممالك.
كيف لا وأرض فلسطين بلد الخير والنماء؟!، فذكرها المؤرخون الأوائل في كتاباتهم وقالوا إن فيها من الأمطار ما يكفي لحاجة سكانها، لذلك اهتم الصهاينة منذ احتلال أرض فلسطين أواخر القرن الماضي بالزراعة وإقامة المستوطنات الزراعية، مثل مستوطنة (بتاح تكفا) التي أقيمت على أرض فلسطين قرب قرية ملبس الفلسطينية في عام 1878م.
تمر علينا الذكرى الأربعين لأحداث يوم الأرض الفلسطيني، الخالدة في قلوبنا وعقولنا، والمحفورة بالدم في ذاكرة الشعب الفلسطيني، تعيدنا الذكرى إلى ذلك اليوم 30/3/1976م، يوم أن خرج الفلسطينيون في هبة جماهيرية كبيرة في أراضي الـ(48) يرفضون سياسات الاحتلال الإسرائيلي في سرقة الأراضي وتهويد المزيد من الأرض الفلسطينية، في ذلك التاريخ سرق الاحتلال الإسرائيلي قرابة 21 ألف دونم من أراضي الجليل الفلسطيني، منها عرابة، وسخنين، ودير حنا، وعرب السواعد وغيرها، وذلك لإقامة المزيد من المستوطنات في نطاق خطة تهويد الجليل وتفريغه من سكانه الفلسطينيين، ضمن السياسة الصهيونية لتهويد أرض الجليل.
ويرى كاتب السطور أن الأرض تمثل أهمية كبيرة للصهاينة، ويحرصون حرصًا شديدًا على مواصلة الاستيطان على أرضنا، هذا النهج نهج قديم، فقد ظل الصهاينة يرددون شعار: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، ويعملون على تحقيقه، فبدؤوا يرسمون الخطط الخبيثة للسيطرة على أرض فلسطين، في إطار سعيهم الدؤوب منذ المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة (بال) السويسرية عام 1879م للحصول على وثيقة ضمان دولية من الإمبراطورية العثمانية، تمنحهم أرض فلسطين وطنًا قوميًّا لهم.
والمؤتمر الصهيوني الأول عام 1897م الذي حضره المئات من اليهود أقر خطط احتلال أرض فلسطين، ودعا مؤسس الحركة الصهيونية (تيودور هرتسل) إلى البحث عن الوسائل المثمرة التي يجب أن تتخذ للنهوض بالحركة الصهيونية، والعمل على إنشاء قرى ومستعمرات خاصة لليهود تكون حائزة الحقوق العمومية في أرض فلسطين.
وبين الفينة والأخرى يخرج علينا الصهاينة بدعوات وتصريحات تدعو لتهجير الفلسطينيين وطردهم من أرضهم، فقد قال ما يسمى الحاخام الأكبر للـ(سفارديم) "يتسحاق يوسف: "إنه لا يحق لغير اليهود العيش على أرض (إسرائيل)، إذا لم يكونوا ملتزمين بالشرائع السبعة التي تفرضها اليهودية، وإذا لم يوافق غير اليهودي على الالتزام بالشرائع النوحية فعلينا إرسالهم إلى السعودية".
إن التصريحات الخرافية لهذا العجوز تؤكد الحقد الدفين لليهود الصهاينة على الشعب الفلسطيني، وأمنياتهم بقتل الفلسطينيين وتهجيرهم عن أرضهم وأرض أجدادهم، ولكن الرسالة هنا أن الفلسطينيين مزروعون في أرضهم كأشجار الزيتون الشامخة وكأشجار النخيل الثابتة، ولن يتركوا هذه الأرض، وسيواصلون كفاحهم ونضالهم ومقاومتهم العسكرية والشعبية من أجل تحرير أرض فلسطين من بحرها إلى نهرها.
نكتب عن أرض فلسطين وتشتاق عيوننا إلى رؤية هذه الأرض: سهولها وهضابها وجبالها وطرقاتها ومقدساتها، نشتاق إلى أن نعيش ربيعها وشتاءها وصيفها، ونتنسم رحيق أزهار، نكتب عن أرضنا البهية وقلوبنا تعتصر ألمًا لما يحدث يوميًّا من تهويد واستيطان ومواصلة بناء جدار الفصل العنصري، لتحويل مدن الضفة المحتلة إلى (كانتونات) متفرقة، نتحدث عن الأرض ومازالت الهجرات الصهيونية متواصلة على أرضنا المباركة ضمن مخططات الكيان العبري للسيطرة على المزيد من أرضنا المباركة.
إن تاريخ فلسطين وتاريخ الأرض يسطران بأحرف من نور رفض السلطان العثماني عبد الحميد الثاني طلب اليهود منحهم أرض فلسطين وطنًا لهم، قائلًا: "انصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع؛ فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه".
ذكرى يوم الأرض الفلسطيني تبعث في النفوس الكثير من الشجون، والآلام، والحرقة على أرض فلسطين التي تضيع يومًا بعد يوم، وما يزيد غضبنا _الشعب الفلسطيني_ هي سلسلة التنازلات الكبيرة التي قدمها فريق (أوسلو) للاحتلال ومكنت العدو من أرض فلسطين، ومكنت العدو الصهيوني ممن تنفيذ المخططات الاستيطانية على هذه الأرض.
تمر علينا هذه الذكرى بعبقها وشجونها وطيفها، والقدس تواصل انتفاضتها على المحتلين، وأهلنا في القدس المحتلة يواصلون تقديم التضحيات الجسام من الشهداء والجرحى من أجل تحرير هذه الأرض الطيبة المباركة، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس بإذن الله.
إلى الملتقى ،،