الاعلام بين المباح والمتاح
![الاعلام بين المباح والمتاح الاعلام بين المباح والمتاح](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/46925.jpg)
تعتبر الديمقراطية بمفهومها الشمولي نزوعاً بشرياً نحو الحرية الانعتاق وهي اجتهاد للاقتراب من قيم السماء والفطرة التي فطر الله الناس عليها منذ الخلق الاول, لكن هذا المفهوم كان هدفاً عزيز المنال في حقب تاريخية ماضية , خاضت العديد من شعوب الارض نضالات مريرة ودفعت من أجله ثمناً باهضاً من حياتهم ومقدرات مجتمعاتهم . أما نحن , في هذا الوطن المترامي الاطراف بين المحيط والخليج , فقد تباينت الممارسات الديمقراطية بين قطر وآخر وفقاً للظروف الخاصة لكل قطر من جهة, وتبعاً لمدى إستجابة تلك الاقطار للضغوط الخارجية من جهة أخرى, لكن المحصلة إنها جميعاً لا زالت بعيدة كل البعد عن النهج الديموقراطي الحقيقي وسيادة القانون الذي يعتبر عنصر قوة ومنعة للوطن والامة.
تتجلى أهمية الديمقراطية من حيث المبدأ في أي مجتمع من المجتمعات في ترسيخ مبدأ حرية التعبير ودعم الابداعات الفردية والجماعية في كافة الميادين الحياتية والفكرية منها على وجه الخصوص مع تلازمها بالمسؤولية كعنصر هام يحكم هذا المبدأ وينظم حركته. فالتحول الديمقراطي الذي انتهجه الاردن على سبيل المثال في العقد الاخير من القرن الماضي يصب في هذا الاتجاه, حيث تم تعديل العديد من القوانين وإستحداث أخرى من أجل بناء مجتمع متماسك وقوي يستند الى منظومة قوانين عصرية ومؤسسات وطنية فاعلة لتحيق التطور المنشود.
فالإعلام بوسائله المختلفة, نال نصيب الأسد من الرعاية والاهتمام من أعلى المستويات في إطار التحول الديموقراطي الجاري في بلدنا, حتى بات الحديث عن رفع يد الجهات الرقابية عن الابداعات الفكرية والاعلامية أمراً محتماً والاستعاضة عنها بالرقابة الذاتية إدراكاً لأهمية وسائل الاعلام في الحياة المعاصرة وأنها تشكل أحد, وربما أهم أداة من أدوات البناء في المجتمع وركيزة أساسية من ركائز الحياة الديموقراطية.
ثمة مفارقة غريبة لدى بعض وسائل الاعلام, المقرؤة والمسموعة والمرئية ويضاف اليها أيضاً الالكترونية التي دخلت حديثاً كمنافس قوي في هذا المجال, ألا وهي أن تلك الوسائل, أو بالأحرى من يقوم عليها, لا زالت تعاني من عقدة خوف غير مبررة حول ما ينشر وما لا ينشر وكأنها لا تستطيع تقدير ما هو متاح وما هو مباح, ولا تدرك أن التعسف في استخدام الحق والايغال في استخدام مبدأ الرقابة الذاتية من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية تضر بمسيرة التقدم والتطور في المجتمع وتعود كما كانت في السابق تعيش حالة من الاغتراب عن الواقع.
من هذا المنطلق فإننا نؤكد على أن المسؤولية والحرية هما عنصران متلازمان في الحياة الديمقراطية, وإن الفصل بينهما من شأنه أن يشكل خطراً على كينونة المجتمع وعلى ترابطه وتماسكه, ويسيء لمبدأ الحرية وقدسيتها من الاساس , إذ لا يمكن تبرير تجاوز الحدود والتشهير بالآخرين والاساءة للوطن تحت يافطة الحرية, ولكن بالمقابل ينبغي على وسائل الاعلام والقائمين عليها أن تتخلى عن الذهنية العرفية عند تعاطيها مع الابداعات الفكرية وأن تتمع بحس مهني يمكنها من التفريق بين ما هوغث وما هو سمين وأن لا يصل الحد إلى قتل روح الابداع وجزعنقه على مذبح الرقابة الذاتية.