خضار وفاكهة.. ولا شيئ آخر
هل الصمت إزاء المجزرة أقل وطأة من وقاحة تأييدها أم أكثرفظاعة؟
ألحّ علي السؤال وأنا أراقب التجاهل والبكم الذي أعقب قصف النظام السوري لريف إدلب وتحديداً على سوق الخضار في معرة النعمان حيث سقط العشرات من المدنيين، وتوالت الصور لمشاهد الضحايا وبدت الصور صادمة، تكومت الجثث بين الفاكهة والخضر المتناثرة فاختلطت حتى تداخلت الألوان والمجسمات فبدت مشهداً عبثياً خالصاً، لم تبخل المأساة السورية بالكثير من اللحظات السوريالية وكانت مجزرة سوق الخضار في نفس هذا السياق الغرائبي المفجع.
وكما هو متوقع، تجاهلت صحف ووسائل اعلام عديدة وشخصيات سياسية شرقاً وغرباً المجزرة، وهذا ليس التجاهل الأول بل بدا الصمت عن مجازر إدلب منسجماً تماماً مع الصمت عن وثائق صحيفة "نيويوركر" التي تثبت تورط الرئيس السوري مباشرة بعمليات التعذيب والإبادة للسجناء والمعتقلين.
هؤلاء الصامتون غالباً ما غلفوا صمتهم حيال المقتلة السورية بكذبة أن نظام بشار الأسد يحارب التكفيرين ورأينا كيف أن الصمت حيال ما يرتكبه نظام البعث السوري جرى تسويغه بخطاب يخففمن فظاعات النظام ويقوضها لصالح تضخيم وتهويل فظاعات"داعش" ومثيلاتها وهي بالتأكيد مخيفة لكنها لا تقارن لا من حيثالكم ولا النوع بما يرتكبه النظام.
يعجز الصامتون عن المجزرة عن تأييدها علنا حتى لا يقال أنهم طائفيون فيلجأون حينها الى الصمت والتجاهل وادعاء ربما أن لاشيئ يحصل سوى أن هناك نظاماً علمانياً حامياً للأقليات يحارب حفنة من التكفيرين. بالنسبة إلى هؤلاء سيكون من الصعب ان يروا ضحايا سوق الخضار فيشيحون بصرهم تماماً كما سكتوا عن الوثائق التي قدرت بالأطنان والتي تدين بشار الأسد والتي كشفتهامؤخرا صحيفة "نيويوركر".
وغض الطرف ولو مرحلياً عما يرتكبه بشار الأسد لا يعفي من علاقة مثبتة مع قاتل، فالغرب الذي يرعى مفاوضات جنيف سيعجز عن تجاوز حقيقة على هذه الدرجة من الوضوح، وها قد انهارت المفاوضات وهذا الانهيار سابق على مجزرة قتل الباعة والمتجولين في سوق الخضار في إدلب، فالمفاوضات فشلت لحظة تمكن حلفاء بشار الأسد من تعويمه إقليميا ودولياً، فأي سلام وأي تسوية فيما الدماء تفيض بين سلال الفاكهة.
نعم، إنها أثمان فادحة أولها أن هناك إبادة جرت وتجري في سورية وأن المسؤول الأول عنها هو نظام البعث السوري ومع ذلك لا يزال قرار الإطاحة بالأسد غير ناضج عند حلفاء النظام وحتى عند الأنظمة التي تقول إنها ضده دون أن تفعل شيئاً لوقف مجازره، فعلى ضحايا سوق الخضار أن يقبلوا بأغفالهم من الاهتمام بانتظار التسويات الكبرى وهنا مسؤولية فادحة على الغرب الذي يساهم مباشرة في إبقاء الأسد بحجة الخوف من التكفيريين مايعني استمرار المقتلة.
لا قيمة لوثائق نيويوركر ولا أثر لها في مفاوضات جنيف، تماماً كما حال ضحايا مجزرة سوق الخضار، والعالم المرتعب من داعش يطلب من السوريين القبول والموت تحت قنابل بشار الأسد علماً أن ماسببه إرهاب هذا النظام من ضحايا يفوق بكثير وبما لا يقاس مما تسببت به داعش وأنصارها، وهنا ليس المطلوب مفاضلة بين ضحايا وإنما الإقرار بحقيقة يتهرب منها الجميع وهي أن الصمت على مجازر الأسد ينطوي على نوايا خبيثة ليس أقلها أن كل ذلك الموت لم يثمر نضوجاً في المصالح والأهداف لوقفه، هذا يعني أن مجزرة إدلب الأخيرة ستبقى صوراً لبضع عربات خضار وفاكهة مبعثرة.. ليس أكثر..