فتش عن الفقر والبطالة
حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، وبسبب ارتفاع معدلات البطالة، وجدت شركة (بلاك ووتر) ومن شايعها من عصابة المحافظين الجدد، كثيرا من المرتزقة الأمريكان ممن غامروا وذهبوا إلى مناطق الصراع في أفغانستان أو العراق، طمعا بمغانم كثيرة، وبعضهم عاد إلى بلاد العم سام في تابوت، وبعضهم إلى مصحة نفسية، وبعضهم الآخر فقد عينيه أو أطرافه أو يعاني من التشوهات، وآخرون عاد المغامر منهم سليما في بدنه وعقله، وأقام مشروعه الخاص بما حصل عليه من مال وافر.
ولا ننسى أن الحركة الصهيونية كانت وما زالت تستغل حاجة اليهودي أو من تريد تهويده إلى لقمة العيش كي تحضره إلى فلسطين لينخرط في هذا المشروع، ولهذا اختار معظم اليهود العيش في أمريكا لتوفر فرص العمل والرفاه الاقتصادي بدل المجيء إلى "أرض الميعاد"... فاستغلال حاجات بعض الناس المادية لجعلهم يعملون كمرتزقة وأدوات لقوى الشر أمر قديم جديد، وكلما كانت هناك بيئة فقيرة تنتشر فيها البطالة، سهلت مهمة الاستقطاب والتجنيد داخلها.
والدنيا لا تسير وفق المثالية التي يتمتم بها الحالمون دوما، والتي تقول بأن ما ينفق على الحروب والصراعات من أموال وثروات يكفي كي يعيش كل الناس على الأرض برفاهية وسلام...هذه أوهام، فيوما ما كان في الأرض قابيل وهابيل، ولو سار كل منهما بخطوه الطويل لما تلاقت خطاهما إلا خلال جيل، كما عبر عن حالتهما الشاعر العراقي أحمد مطر، ولكنهما كانا القاتل والقتيل... فالحياة على الأرض من وقتها لم ولن تعرف البراءة من الدماء والحروب.
وإذا كانت الولايات المتحدة في جزء لا يستهان به من ساكنيها تعاني فقرا وبطالة تتيح لعتاولة الرأسمالية المتوحشة تجنيدهم في حروبها وجعلهم مطية لتحقيق مخططاتها، فكيف بدول محكومة بالاستبداد ويعمها الفساد؟ النتيجة الطبيعية أنها ستصبح دولا تزداد فيها البطالة، تزامنا مع زيادة عدد السكان، وينهش الفقر نسبة كبيرة من أهلها، ما يجعل عددا كبيرا منهم قابلين لبيع أنفسهم كمرتزقة لمن يدفع من المليشيات الطائفية، أو العصابات المسلحة المشبوهة، ذلك أنه ليس بمكنة كل الفقراء والعاطلين عن العمل الهروب إلى (الجنة الأوروبية) عبر البحار.
حين نتأمل هذه الحقائق لا نستغرب كيف أن "المسيخ الدجّال" سيكون له أتباع كُثُر لأنه سيأتي بجبال من الطعام، وليس كل الناس يحافظون على المبادئ والقيم، والثوابت تتغير حينما تنادي المعدة الخاوية!
إن ظاهرة البلطجية والبلاطجة والشبيحة وما هو على شاكلتهم؛ في هذا الأفق العربي البائس هي ظاهرة لو فتشت عن جانب كبير منها لوجدت أن الفقر والبطالة سبب في تغولها واتساعها، وأنها تتقلص أو تصبح تحت السيطرة حينما يجد الشباب فرصا للعيش الكريم، والعكس صحيح.
في اليمن الذي كان يوما ما سعيدا، استغل الحوثيون أحوال الناس فجندوا كثيرا من الشباب بعد أن أغروهم بالمال، فتمكنوا من السيطرة على دولة بمؤسساتها بدفع الرشى، وكان المخلوع ما زال يدفع ليشتري الذمم ويجند الأتباع، أي إن المال المنهوب من خيرات اليمن، مضافا إليه المال الإيراني، حوّل عددا كبيرا من الشباب القادرين على حمل السلاح إلى معاول هدم وتدمير لوطنهم ومقدراته.
والشيعة العرب ما كانوا ليقفوا مع إيران بهذه الطريقة، نظرا لخلافات معروفة بين المؤسسة الدينية الشيعية العربية ونظيرتها الفارسية، ولكن المال الإيراني استقطبهم وأذاب هويتهم القومية، خاصة في العراق، وتمكن من تجنيدهم في مليشيات طائفية تحترف القتل والتعذيب ضد من يفترض أنهم إخوتهم.
ولا أستبعد أن المهاجرين إلى بلاد الغرب قد يأتينا من هو منهم طفل الآن غدا حاملا السلاح كي يقتل أهله أو أبناء وطنه في أي غزو قادم، فهناك سينخرط في الحياة الغربية تدريجيا وسيصبح كالآلة التي لا مشاعر لها، وطمعا بالمال لا مانع لديه ربما لو طلبوا منه المشاركة في غزو الكعبة!
وأعلم أن مكافحة الفقر والبطالة تتطلب أولا التخلص من الاستبداد ومنظومة الفساد المتوغلة في تفاصيل التفاصيل لكل جوانب حياة غالبية العرب، ولكن يمكن التفكير بحلول مؤقتة جزئيا، ممن يهمه الأمر، ولكن ليضع في حسبانه أنه في زماننا تراجع إلى حد غير مسبوق تأثير لغة الوعظ والحث على التمسك بالمبادئ والثوابت والصبر على الفقر والحاجة، وأصبحت مقولة "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها"، غير صالحة للعمل عند كثير من الناس.
كان رسول الله صل الله عليه وآله وسلم يتعوذ بالله من الكفر والفقر، كما جاء في سنن النسائي وابن حبان وغيرهما، ما يشير إلى رباط وثيق بين الكفر والفقر، وفي مجتمعنا الذي غالبه شباب في سن العمل والإنتاج، لا يجد الخريجون وظائف أو فرص عمل تتيح لهم عيشا كريما، وترتفع كلفة المعيشة، وعندها يسهل اصطياد ضعاف النفوس أو من نفد صبرهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت - وما أكثرهم - من قبل أصحاب المخططات، التي تستهدف طعن الأمة في عقيدتها أو مكوناتها الثقافية، وضرب أبنائها بعضهم ببعض، وتمزيق ما بقي من نسيجها.
إن الأمر لا يحتمل التأخير، ومن كانت لديه حلول جزئية فليطرحها للتنفيذ العملي لا النقاش والأخذ والرد، لعله ينقذ ولو قلة من براثن الفقر والبطالة، وبالتالي يسلمون من التحول إلى مرتزقة كما هو حال مليشيا الحوثي والحشد والعصابات والتنظيمات الأخرى، التي تتوالد في بيئة خصبة مشجعة على نموها السرطاني.(عربي 21)