مؤتمر "قم" 1920 : الثورة العربية وفلسطين
المدينة نيوز: - "إن تواتر الاشاعات عن تقسيم البلاد قد جعلنا في هياج عظيم، نحن عشائر قضاء عجلون ومشايخه وجميع اهاليه على اختلاف الملل.. نحن نحتج بكل قوانا على اقل تقسيم يمس البلاد.. نحن مهيأون للدفاع أسوة بالامم الحرة".
بتوقيع الشيخ ناجي باشا العزام وزعماء الاردن، ارسلت هذه البرقية بتاريخ 10 تشرين الثاني 1919 الى الامير فيصل بن الحسين والى الحكومة الفرنسية بعد توارد الاخبار عن تقسيم سوريا بين بريطانيا وفرنسا.
استمد العزام من روح الثورة العربية الكبرى صلابة التحدي وعبر مع شيوخ البلاد عن استعدادهم للدفاع عن كل ما يمس البلاد من اخطار محدقة .
كان الأردن المحطة الثانية للثورة، فقد سطرت أرضه أهم المعارك والمواجهات الباسلة مع الأتراك، وشاركت العديد من القبائل في حروب الثورة كالحويطات والرولة وعنزة وبني صخر، ومع تقدم جيوش الثورة إلى الشام، انضم العديد من الأردنيين إليها، وعلى الرغم من قلة المصادر وندرة المعلومات إلا أن الكثير من الإشارات تؤكد مشاركة الأردنيين من مختلف المدن في جيش الثورة وتصديهم لفلول الجيش العثماني، من الطفيلة ومعان ومأدبا والسلط وعجلون وإربد والرمثا والمفرق.
وقاد الزعماء الوطنيون حركات احتجاج على السياسة العثمانية، ومن أبرز هذه الحركات حركة الاحتجاج والعصيان المدني التي دعا إليها الشيخ ناجي باشا العزام، وهي دعوة للتمرد ضد تعسف العثمانيين وإجبار الناس على العمل "بالسخرة"، فطالب الأهالي بعدم دفع الضرائب للدولة العثمانية، والتوقف عن إمداد الحكومة بالحبوب والمواشي.
كل هذا يؤكد أن سكان الأردن كانوا جزءا أساسيا من الثورة العربية الكبرى، ورافدها الأهم، فقد كانوا أكثر العرب حماسا لها ولأفكارها وطروحاتها، وحرصوا على المشاركة الفاعلة بكل مؤتمرات الثورة في سوريا، وشارك شيوخ عشائر شمال الأردن بالمؤتمر السوري الأول والثاني ايمانا منهم بأهداف الثورة وأهمية قيام دولة عربية موحدة تحت حكم الهاشميين، فكانت مشاركتهم دليلا على إيمانهم الراسخ، كما شارك الشيخ ناجي باشا وإخوانه من الزعماء الاردنيين في حفل تتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكا على سوريا.
وبعد تواتر المعلومات عن زيادة حركة الاستيطان الصهيوني في فلسطين، دعا العزام وإخوانه مشايخ وزعماء الشمال إلى مؤتمر وطني، عقد في مركز مشيخته في قرية قم /غرب اربد في 6 نيسان عام 1920 وكان قراره بالتحرك الفوري لمواجهة الاستيطان اليهودي، ما يؤكد البعد القومي عند الأردنيين ونظرتهم الشاملة، فلا فرق عندهم بين غربي النهر أو شرقيه، فكلاها أرض عربية عروبية.
وفي أول تحرك مسلح للدفاع عن أرض فلسطين تحركت جموع الأردنيين بقيادة الشيخ ناجي باشا وإخوانه من شيوخ الشمال لمهاجمة المستوطنات اليهودية في منطقتي سمخ وبيسان، وهناك اشتبكوا في معركة مع الجيش البريطاني والمستوطنين، في معركة تل الثعالب، أسفرت عن استشهاد عدد من الاردنيين على ثرى فلسطين على رأسهم الشيخ كايد مفلح العبيدات.
وليس أدل على عمق إيمان الأردنيين بمبادئهم ومبادئ ثورتهم العربية، إلا استعدادهم الأكيد للشهادة من أجل نصرة دينهم وقضيتهم، كما كان لإيمانهم هذا أكبر الأثر في وقوف الأردنيين الى جانب الأمير عبدالله بن الحسين في تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، والتي بقيت ملجأ كل الثوار العرب من سوريا وفلسطين وغيرها.
وما زال الأردن مشرعا أبوابه لكل العرب اليوم تحت قيادة مليكه الهاشمي صاحب الولاية الشرعية والتاريخية والدينية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.
ويقول حفيد ناجي باشا العين السابق الشيخ محمد ابراهيم ناجي العزام "ونحن في مقام الدهشة نتحدث عن تلك الأيام حيث الفاصل الزمني بين ما كان وبين الواقع الآن هو حوالي 96 عاما عصفت بالمنطقة أحداث كثيرة، غير أن هذه العودة الآن إلى تلك المرحلة تأتي لتصفح وهج مواقف الرجال حيث كانت المواجهة، وكان التحدي كما هو الحال هذه الأيام، غير أنهم في تلك الفترة من الزمان استطاعوا أن يحسموا قراراتهم دفاعاً عن أرضهم وعرضهم وشرف الأمة التي ينتمون إليها.
ومضى يقول، في عام 1920 كثر بيع الأراضي لليهود والهجرة اليهودية لفلسطين فتنبه لهذا الأمر زعامات عجلون فذهبوا إلى دمشق لمقابلة جلالة الملك فيصل بن الحسين لتقديم التهنئة لجلالته بمناسبة مبايعته ملكا على سوريا وكان ذلك في 8 آذار 1920 وتحدثوا لجلالته عن خطورة ما يحدث من هجرة إلى فلسطين وحالات بيع الأراضي لليهود فـي كثير مـن مناطق فـلسطين ، فـقال لـهم جـلالة الملك فـيصل آنـذاك "عجلون وتلك الأماكن كلها أمانة في أعناقكم"، حيث عادوا من دمشق وقرروا عقد لقاء تحضيري في بلدة سما الروسان في منزل الشيخ سليمان باشا السودي لتدارس الوضع فأجمعوا على عقد مؤتمر في قرية قم بضيافة الشيخ ناجي باشا العزام بتاريخ 6 نيسان 1920".
افتتح الشيخ ناجي باشا العزام المؤتمر بكلمة قال فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم الواحد الأحد والمنتصر لأمة قاتلت من أجل استقلالها فكل التهنئة بإعلان استقلال بلادنا الشامية لصاحب الجلالة الملك فيصل بن الحسين والى شعبنا في كل مناطقه السورية، إن الهدف يا مشايخ قضاء عجلون من هذا الاجتماع هو الخروج بقرارات تتضمن الرد السريع على الأعداء الكفار وقد اتفقنا في سما الروسان على أن يكون الرد بمهاجمة المستوطنات اليهودية في سمخ وبيسان وطبريا والهمة في عشائرنا ورجالنا، والله معنا وسيشرح لكم الشيخ كايد المفلح خطة الهجوم التي ستكون في 20 نيسان".
ويضيف العين العزام "كان هذا المؤتمر محصلة للدعوة التي وجهها ناجي باشا العزام إلى زعماء ومشايخ لواء عجلون للاجتماع في ديوانه في قرية قم حيث عرف هذا الاجتماع فيما بعد بمؤتمر (قم) وقد جاء هذا الاجتماع كرد على عدم وفاء الانجليز بوعودهم بوقف الهجرة ومنع بيع الأراضي لليهود حيث اتخذ الزعماء في مؤتمر قم عدداً من القرارات أهمها مواصلة الدفاع عن الأراضي الفلسطينية من أجل وقف التوسع الصهيوني والهجرة.
وكان من نتائج المؤتمر معركة تل الثعالب التي قادها الشيخ كايد المفلح عبيدات عن الجانب الأردني والجنرال كركرايد عن الجانب البريطاني والمستوطن اليهودي رئيس مستوطنات اليهودية في الشمال الفلسطيني يوسف أبو ريشه عن الجانب اليهودي.
يشار إلى انه في مؤتمر قم عمل المجتمعون هناك على حشد جموع من قرى نواحي الشمال الوسطية والسرو والكفارات وبني عبيد والرمثا وقرروا الهجوم على الانجليز فذهبت مجموعة منهم باتجاه سمخ مجتازة نهر الأردن ومجموعة أخرى باتجاه بيسان مجتازة نهر الأردن، فذعر اليهود وفروا ونتيجة لهذا الهجوم انقطع سير القطارات عن حيفا ودمشق، وتعطلت الاتصالات الهاتفية وسارعت السلطات البريطانية بإرسال طائرات لقصف المهاجمين بالقنابل ما اضطرهم للتراجع بعد أن فقدوا عشرة شهداء هم: كايد المفلح عبيدات، سلطان عبيدات، قفطان عبيدات، محمد الحجات، سعيد القرعان، زطام العلاونة، وثلاثة من مجاهدي درعا.
وحضر المؤتمر ممثلون عن النواحي التالية: ناحية الكفارات: كايد المفلح، تركي الكايد، حسين الطوالبة، قويدر سليمان، عزام الجبر. بني جهمة: عبدالرحمن ارشيدات، صبحي أبو غنيمه، مصطفى حجازي، عبدالمجيد الدلقموني، محمود خالد الغرايبة، نجيب فركوح. ناحية الوسطية: ناجي العزام، محمد المقبل، راجي العزام، حسن عبدالوالي. ناحية الكورة: فارع النمر، محمد الشريدة، عقاب الطاهر المقدادي. بني عبيد: محمود فنيش نصيرات، محمد الحمود الخصاونة، سالم الهنداوي. ناحية السرو: سليمان السودي الروسان، فالح السمرين. الأغوار: مشوح ابو اللبن، بشير الغزاوي. ناحية الرمثا: ناصر الفواز البركات الزعبي. عجلون: راشد الخزاعي، ووجهت دعوة لوجهاء فلسطين (يوسف الحايك، عبدالله الفاهوم، نايف الزعبي ومحمود شتيوي المغربي) .
(بترا)