المعارضة المخلصة لصاحب الجلالة
![المعارضة المخلصة لصاحب الجلالة المعارضة المخلصة لصاحب الجلالة](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/47907.jpg)
لقد قمت باستعارة عنوان هذا المقال من الخطاب السياسي البريطاني الذي يضفي على احزاب المعارضة صفة المعارضة الموالية للعرش او بما يعرف بالمعارضة الرسمية.
ويتيح هذا المبدأ للمعارضة بأن تخلق توازنا لقرارات السلطة التنفيذية مع المحافظة على ولائها لجذور هذه السلطة في نفس الوقت.
لكن مع الأسف لم تستطع المؤسسات السياسية في الاردن تأسيس معارضة كهذه تحرص على خلق توازن سياسي، وقد يعزى ذلك الى عدم قدرة قادة المعارضة في الاردن على بناء احزاب معارضة ذات قاعدة شعبية وذات هوية وايديولوجية وطنية بالاضافة الى تصوير الحكومة لرموز المعارضة على ان معارضتهم موجهة لمؤسسة العرش.
على كل حال فان الاردن الان بحاجة اكثر من اي وقت مضى الى مؤسسات سياسية كتلك لحمايته من التحديات والاضطرابات السياسية غير المسبوقة التي تعصف بالساحة السياسية العالمية والمحلية.
فقد استطاع الاردن منذ تأسيسه مواجهة التحديات الداخلية والاقليمية التي تهدد استقراره، وذلك بفضل بعد نظر قيادته وعزيمة واصرار شعبه بحيث صمدت هذه العلاقة المتبادلة بين الراع والرعية امام التحديات المتتالية واصبحت الان حقيقة راسخة من الصعب انكارها.
من جهة اخرى فان الاردن اليوم يواجه تحديات من نوع اخر تتطلب مواجهتها استراتيجيات مبتكرة للتعامل معها, لذا فان وجود جهة سياسية معارضة للحكومة وتحظى بدعم ملكي قد يساعد الاردن على مواجهة التحديات الداخلية والاقليمية كالارهاب والقضية الفلسطينية بالاضافة الى الصراعات الاقليمية الاخرى.
ان تأسيس خطاب سياسي يتبنى مباديء الدولة الاردنية بجميع فئاتها وأطيافها سيخلق حالة من التوازن السياسي على الساحة السياسية الاردنية. وبالرغم من ان السلطة التنفيذية في الاردن تدعي احتكارها تجسيد وتطبيق الارادة الملكية السامية, غير ان العديد من الوقائع تثبت بان الحكومات لا تمثل تجسيدا للرؤية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للعرش.
كما كشفت لنا الايام وجود فجوة عميقة بين الرؤية الطموحة للقصر وبين تطبيق الدوار الرابع لهذه الرؤية حيث يتخلل هذه الفجوة الكثير من التأويل وعدم الفهم وحتى التشويه للرسالة الملكية.
وقد عبر جلالة المغفور له الملك الحسين وجلالة الملك عبد الله الثاني في عدة مناسبات عن خيبة الامل بسياسات العديد من الحكومات وتوجيه اللوم لها على تحريف وتشويه التوجيهات الملكية.
لذا فان وجود جهة سياسية تحظى بدعم سياسي من جلالة الملك وتتمتع بصبغة اردنية هاشمية تحرص على تطبيق الحكومة للرؤية والتوجيهات الملكية سيساهم بلا شك في اعادة التوازن للساحة السياسية في الاردن.
وقد يقول قائل بان هنالك بالفعل مؤسسات حكومية تراقب عمل الحكومة غير انها في نهاية المطاف جزء من هذه الحكومة بطريقة مباشرة او غير مباشرة, لذلك فان وجود معارضة موالية للعرش ستعمل على كسر احتكار الحكومة لمفاهيم الولاء والعمل السياسي والاصلاح.
كما لايمكن ولا يجب ان تكون رؤى جلالة الملك الشاملة والعميقة محصورة في اطار حكومي يتسم بالاحادية والفردية, فتقييد الرؤى الملكية بابعادها وتشعباتها في متاهات البيروقراطية والفردية سيعيق مواجهة التحديات المعقدة التي تواجه الاردن والتي قد تستوجب ردات فعل سريعة.
بينما سيساهم وجود خط فكري مواز للحكومة, ومتحرر من شكليات السياسة, وبراغماتية العلاقات الاقليمية والجغرافية في توسيع الافق والخطاب السياسي للحكومة وسوف يوفر للاردن هامشا للمناورات السياسية, ونطاقا للمثالية القومية والوطنبة, وصومعة لروحانية هاشمية. هكذا سينبثق الاردن ككيان متعدد الأبعاد, لكن في نفس الوقت, متمركز حول مرجعية واحدة (حكومة ومعارضة) مما يجعل الوطن قادرا على مواجهة تحديات هذه المرحلة بكافة ابعادها.
اذا فالاردن بحاجة في هذه المرحلة الى نوع جديد من السياسيين لمواجهة ما يطرأ من تحديات.
على الحكومة والمعارضة أن يتحررا من دوريهما التقليدي الضيق لخلق مساحات جديدة للعمل التنفيذي وما يقابله من دور رقابي.
فلا بد من اعضاء السلطة التنفيذية تخطي الدور التقليدي لعقلية الموظف ومعالجة حمى الافكار الغربية وما يرافقها من حلول مستوردة لا تتناسب مع هوية وخصوصية الاردن, فعليهم تبني ثقافة خدمة المجتمع وتعزيزها فيصبح دور رجل الدولة كشجرة الزيتون الشامخة في السماء والراسخة في الارض.
اما المعارضة فعليها تطوير اليات وافكار تتناسب مع التحديات والأخطار الداخلية والخارجية, وبهذا تتشاطر المعارضة والحكومة المسؤولية معا امام جلالة الملك والشعب الاردني.