لماذا يستبيح بعضنا البعض في الجد والهزل؟
تنساب الكلمات وتخرج في طلاقة.. كثير منها عفوي ونادر منها ما يخرج بحساب.. منها ما هو مثل حبات اللؤلؤ وأخرى مثل الجمر.
الملتهب.. منها كلمات ذات رائحة زكية مثل النفس المطمئنة، وأخرى برائحة النوايا الخبيثة .. وسواء كنا ممن على قناعة بأن الإيمان يقبع بداخلنا على الرغم من عدم وضوحه في تصرفاتنا أو كنا من الآخرين الذين يبدو عليهم الإيمان حتى من ملابسهم، فالجميع قد يفشل في الاختبار الذي لا بد منه كل يوم الذي هو اختبار اللسان.. بعدها نعتاد على الفشل ليصبح الفشل يومياً، بل ولحظياً؛ لنصبح عبيداً لهذا اللسان، ونحن لا نشعر..
أقول "قد" وأكررها مرة أخرى "قد" وهي تعني أنه من المحتمل أن يحدث هذا ومن غير المحتمل أن يحدث أيضاً.. وقد تعني أنني قد أكون على صواب وقد أكون مخطئاً.. فأنا ممن يؤمنون باحتمالية الوقوع في الخطأ كونى إنساناً يصيب ويخطئ.
ليس هناك اختبار يماثل الموضوعية لقياس ما نملك من قواعد راسخة من الإيمان.. ولن نجد سوى الأخلاق في التعامل مع الآخرين كدلالة لما نملك من إيمان .. وكفى باللسان مؤشراً على كل ما سبق..
ففي حوار بين اثنين في أحد أماكن الانتظار التي أكرها للغاية كنت مجبراً أنا وغيري على سماع هذا الحوار حتى وإن أظهر بعض الحضور استياءه من هذا الصوت العالي الذي يجبر الجميع على الاستماع.. لكنها لم تكن تلك المشكلة، بل كان الأمر أشد قسوة من هذا، فالرجل لم يبدُ عليه أي اهتمام لما ينطق به لسانه.. الكلمات وراء الكلمات.. في بضع لحظات سب هذا وهذا، ثم قذف محصنات قبل أن يتخلى طواعية عن زوجته في قسم شديد اللهجة وهو يصرخ في جنون بالطلاق، ولينهي الكلمات بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ليضيف على كل ما سبق مسحة إيمانية ليقنع نفسه بأنه لا يترنح فوق الصراط المستقيم.!
يا لها من جريمة.. نعم كانت بمثابة جريمة مركبة يقف الشيطان نفسه عاجزاً معها عن العمل بعدما تفوق عليه من وجب عليه إغواءه.. كان الرجل كمن يأكل شره خيره ويفيض فلا يبقى بصحبته إلا كل شر حتى أصبح الشر كأنه سحابة يستظل بها بينما تمطر عليه اللعنات كل حين وهو لا يشعر.. لم يقف الأمر عند هذا الحد فقد أصبح الرجل وصاحبه مادة للسخرية من آخرين ليتحول المكان إلى قصيدة رديئة تعلي من قيمة اللسان بغض النظر عما ينطق به؛ لتجبر الشيطان نفسه على ترك المكان ربما للتعفف.!
لماذا يستبيح بعضنا البعض في الجد والهزل؟