الأمن القومي المصري تحت حكم العسكر
الأمن هو عكس الخوف، أي شعور الفرد بالأمان والاطمئنان، وهو يتحقق من خلال تحقيق أمن الدولة ككل، ويُعرف الأمن القومي بأنه حالة من الاستقرار التي تتمتع بها الدولة والنظام الحاكم بحيث يمكن تحقيق النمو والتطور والبقاء لهذه الدولة.
ويُعرف الأمن القومي أيضاً بأنه قدرة الدولة على حماية أراضيها ومواردها ومصالحها من التهديدات الخارجية والداخلية، وفي العصر الحديث لم تعد القوة ترتبط بالعامل العسكري فقط، بل تعدته إلى السياسة والتكنولوجيا والتعليم والنمو الاقتصادي والمعلومات وغيرها..
ووفقاً لهذا التعريف، فالأمن القومي متنوع، فهناك الأمن العسكري: وهو يتعلق بالقدرات الدفاعية والتصنيع العسكري وتأمين الحدود والقراءة المستقبلية لنوايا الدول.
والأمن السياسي: وهو الاستقرار السياسي للدولة وحماية الشرعية واختيار الجماهير.
والأمن الاقتصادي: وهو حماية الثروات والموارد المالية والتنمية المستدامة.
والأمن الاجتماعي: وهو التعايش السلمي بين جميع مكونات الدولة من خلال قبول الطرف الآخر واحترام العادات والتقاليد للمكونات الأخرى بغض النظر عن العرق أو الدين أو المذهب أو الهوية.
وأمن الهوية: وهو الحفاظ على لغة الدولة وثقافتها وهويتها من الاختراق أو التغيير.
والأمن المائي: وهو توفير الاحتياجات المائية للشعب والحفاظ على موارده المائية وتنميتها.
والأمن الغذائي: وهو توفير الاحتياجات الغذائية وتحقيق الاستقلال الغذائي ما أمكن ذلك من خلال التنمية الزراعية والحيوانية والصناعية.
وهناك الأمن الصحي والبحث العلمي وتحقيق العدالة القانونية والاجتماعية والتطور الصناعي والزراعي والتكنولوجي وغيرها.
وإذا نظرنا إلى الأمن القومي المصري منذ الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش في الثالث من يوليو/تموز 2013 فكانت أولى نتائجه هو الإطاحة بالتجربة الديمقراطية وتدميرها بإزاحة الرئيس المنتخب الذي جاء بإرادة الشعب المصري، وحل مجلس الشورى المنتخب من الشعب، وتعطيل العمل بالدستور المُستفتى عليه من الشعب، وبعدها انتهت الحياة السياسية والحزبية والنيابية والديمقراطية بشكل عام بعد تدمير خمسة استحقاقات انتخابية تحت جنازير الدبابات، وتحولت العملية السياسية إلى ديكور شكلي يُدار من خلال الأجهزة الأمنية والمخابرات بعيداً عن الشعب المصري المصدر الأساسي للسلطات.
ومن المعلوم أن التهديد الصهيوني هو ألد أعدائنا، ومن المعروف أيضاً من الناحية الوطنية أن الكيان الصهيوني هو عدونا الأول والرئيسي لا يختلف على ذلك أي وطني غيور محب لوطنه.
ولكن منذ الانقلاب العسكري يبدو أن هذا الأمر تغير أو أُريد له أن يتغير، ففي 13 يوليو 2013 وبعد الانقلاب العسكري بـ10 أيام فقط أوصى مركز أبحاث الأمن القومي الصهيوني بدعم قادة الانقلاب العسكري في مصر، وتعزيز التعاون معهم من أجل مصالح إسرائيل.
وقال المركز: "إن المصلحة الإسرائيلية تتطلب تعزيز التعاون مع الجيش المصري والسماح له بدفع المزيد من القوات في سيناء لمحاربة البؤر الجهادية والتصدي لعمليات تهريب السلاح إلى قطاع غزة"
وأكد ضرورة تواصل الدعم الدولي لقادة العسكر في مصر، وأصبح التنسيق الأمني والعسكري مع الكيان الصهيوني يتم في العلن، وليس في الخفاء إلى الحد الذي يصف فيه عبدالفتاح السيسي بنيامين نتنياهو بالقائد الحكيم، ويُطالب علناً في أحد خطاباته بإذاعة خطابه في التليفزيون الإسرائيلي وهو ما استجاب له الصهاينة بأقصى سرعة، بل وتدور أحاديث عن ترتيب زيارة لنتنياهو إلى القاهرة أو ذهاب السيسي إلى تل أبيب، وسبق ذلك ترتيبات للقاءات بين نواب مصريين ونواب صهاينة في الكنيست، برعاية سلطة رام الله.
وعلى الصعيد العسكري، فالكل يعلم أنه منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد في 26 مارس/آذار 1979 وتسليح الجيش المصري بالكامل مرتبط بأميركا، وليس هناك أي تنويع في مصادر السلاح بل تحولت مصانع الإنتاج الحربي من إنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية والتجهيزات الحربية إلى صناعة المكرونة والزيت والصابون والغسالات والثلاجات والمراوح، مما يهدد الأمن العسكري المصري بالكلية.
ويرى "روبرت سبرينجبورج"، الخبير العسكري والأستاذ السابق لشؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية الأميركية، أن الإدارة الأميركية تخطط لإجراء تغييرات في برنامج المساعدات العسكرية الموجهة لمصر في السنة المالية 2018، ومعنى ذلك أنه ستتم إعادة هيكلة الجيش المصري من كونه قوة عسكرية مصممة ومُنشأة في الأساس للمحاربة في المعارك الأرضية الكبيرة مع إسرائيل ليصبح جيشاً عبارة عن مجموعات مصممة لمحاربة ما يُطلق عليه الإرهاب، وهو ما يصب في مصلحة إسرائيل والأمن القومي الأميركي..
ومعنى ذلك بشكل مباشر تغيير عقيدة الجيش المصري من العداء لكيان الإحتلال الصهيوني للحرب على الإرهاب وهو ما يهدد الأمن القومي المصري بشكل مباشر.
أما سيناء البوابة الشرقية لمصر وخط الدفاع الأول عن مصر في مواجهة أي اعتداء من الكيان الصهيوني، فقد دمر العسكر مشروع تنمية سيناء الذي خصص له الرئيس محمد مرسي 4 مليارات جنيه من موازنة الدولة، ولا أحد يعلم أين ذهبت هذه الأموال، وتم تفريغ الشريط الحدودي مع الكيان الصهيوني من السكان، ومن ثم إحكام الحصار على قطاع غزة الذي يعد عمقاً استراتيجياً أصيلاً للأمن القومي المصري، تم تشريد وقتل وتهجير عدد كبير من أهل سيناء الذين يمثلون خط الدفاع الأول ضد الصهاينة، وتم خلق ثارات وعداوات كبيرة بين أهل سيناء والجيش المصري يستحيل معها تعاونهم مع الجيش مستقبلاً لو تعرضت مصر لأي عدوان.
ومن الناحية الاقتصادية فقد أعلن البنك المركزي يوم 9 يونيو الجاري أن ارتفاع حجم الدين المحلي إلى 2,49 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضي، وارتفع الدين الخارجي إلى 53,4 مليار دولار يعني تخطي الدين العام 3 تريليونات جنيه، وهو ما يعد كارثة حقيقية تغرق البلاد في الديون، بحيث يذهب حوالي 45% من الموازنة لسداد أعباء الديون، مما يؤثر بشكل مباشر على الصحة والتعليم والبحث العلمي والدعم وغيرها، بالإضافة لتراجع السياحة بنسب غير مسبوقة.
نشرت صحيفة التايمز البريطانية في يناير/كانون الثاني 2016 موضوعاً بعنوان "انهيار السياحة في البحر الأحمر يلقي بكارثة على الاقتصاد المصري"، قالت فيه إن حجم السياحة في منتجع شرم الشيخ انخفض بنحو 85% مما أثر على عشرات الآلاف من العاملين في القطاع السياحي، وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر عن انخفاض عدد السياح الوافدين في أبريل/نيسان 2016 بنسبة 54% بالمقارنة بالشهر ذاته من عام 2015 ناهيك عن تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار بشكل غير مسبوق؛ حيث وصل سعر الدولار في السوق السوداء لـ12 جنيهاً، وتراجع الاحتياطي النقدي وارتفعت الأسعار بشكل قياسي، مما أثقل كاهن المواطن المصري وتزايدت طوابير العاطلين بسبب إغلاق المصانع والشركات وتراجع الاستثمارات الأجنبية في ظل تسويق وبيع الوهم للشعب المصري عبر المشروعات الوهمية، مثل محور تنمية قناة السويس الذي أُنفق فيه 60 مليار جنيه، ثم يأتي السيسي ويعترف بفشله، ويقول إنه كان من أجل رفع الروح المعنوية للمصريين في استخفاف واضح بالشعب.. ومشروع المليون وحدة سكنية والعاصمة الإدارية والمليون ونصف فدان وغيرها.
كما قامت السلطة العسكرية في مصر بالتفريط في حقوق مصر في غاز شرق المتوسط بتوقيع السيسي على اتفاقية "الكلاماتا" مع قبرص واليونان في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 وبيع القطاع الصحي للإمارات، بحسب تصريحات منى مينا، وكيل نقابة الأطباء، والتفريط بكل سهولة في جزيرتَي صنافير وتيران المصريتين وبيع الأراضي بالجملة وبالقطعة، كما حدث مع المواطن السعودي، مما يهدد الاقتصاد المصري بالانهيار التام على يد العسكر.
وفيما يتعلق بالأمن الاجتماعي فقد قام العسكر بتمزيق وحدة المجتمع المصري ونسيجه الملتئم على مر العصور من خلال تعزيز البلطجة والفساد، وإفساد الأخلاق، والتحريض على العنف والاحتراب الأهلي "إنتو شعب وإحنا شعب"، مع غياب العدالة، وتسييس منظومة القضاء والقتل الممنهج خارج إطار القانون الذي تمارسه ميليشيات الجيش والشرطة بمباركة من السلطة العسكرية، وكلنا يتذكر تصريحات السيسي بأن من يقوم بالقتل من الجيش والشرطة لن يُحاسب، وكذلك زرع بذور الفتنة الطائفية في المجتمع، مما يهدد السلم الأهلي ووحدة المجتمع.
أما الأمن المائي فقد قام السيسي في 23 مارس 2015 بالتوقيع على اتفاقية سد النهضة التي لا تُلزم إثيوبيا بحصة مصر التاريخية في مياه النيل البالغة 55,5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً؛ حيث صرح الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والري الأسبق في 3 يونيو/حزيران الجاري بأن إثيوبيا ستبدأ في ملء خزان سد النهضة في منتصف يونيو الجاري، مما يعني فقدان مصر 35,5 مليار متر مكعب من حصتها بنسبة 63,6% وذلك في ظل الحديث عن بوار عشرات الآلاف من الأفدنة وخروج نصف السد العالي من الخدمة، مما يهدد مصر بخطر المجاعة والعطش لشعب يعتمد في أكثر من 95% من احتياجاته المائية على نهر النيل.
وإذا أضفنا إلى ذلك النقص الكبير في المواد الغذائية نتيجة قلة الإنتاج والاعتماد على الاستيراد وعدم توافر العملة الصعبة وتراجع مصر عن مشروع الاكتفاء الذاتي من القمح الذي بدأه الرئيس مرسي والوزير باسم عودة، وتحولت مصر لأكبر دولة مستوردة للقمح على مستوى العالم، مما يهدد الأمن الغذائي لشعب تخطى عدد سكانه الـ90 مليون نسمة.
إذا أضفنا إلى ذلك أيضاً انهيار منظومة العدالة والقضاء في مصر وانهيار منظومة التعليم، ولعل تسريبات امتحانات الثانوية العامة الأخيرة خير شاهد على ذلك، وانهيار منظومة القيم، وحذف معظم التاريخ الإسلامي من المناهج التعليمية، مما يؤثر على ثقافة وهوية هذا الشعب، بالإضافة إلى تسييس الأزهر والكنيسة وكل مؤسسات الدولة، فإننا أمام خطر داهم يهدد حاضر هذا الوطن ومستقبله ويخرجه من التاريخ لعقود قادمة في ظل حكم عسكري على استعداد تام للتفريط في كل الثوابت الوطنية من أجل ضمان بقائه واستمراره ولو على جثة هذا الشعب.