بترا تعقد ندوة تكريمية للعلامة الدكتور ناصر الدين الأسد

المدينة نيوز - بعدد سني عمره التي تربو عن الثمانين وبعدد انجازاته التي حققها في الأردن ما زال العلامة المفكر الدكتور ناصر الدين الأسد ، يتذكر ويسرد من ذاكرة لا تنضب .
ترعرع الاسد على أرض الوطن وعايش مجده وتطوره لحظة بلحظة ، فكبر معه ، وسطع نجمه فبات جذرا لا يقلع من ارض طاهرة وتاريخ جميل يحكي للأجيال قصة رجال صنعوا مجدا وعزا للوطن.
اضاء العلامة الاستاذ الدكتور ناصر الدين الأسد خلال الندوة التكريمية وأدارها مديرها العام الزميل رمضان الرواشدة ، جوانب مهمة ومفصلية في تاريخ الأردن الحديث واضعا إياها أمام الباحثين لتسجيلها وتأريخها، وبالذات مدينة عمان، التي عاصرها وعايش مراحل نقلتها الحضارية .
استرجع الاسد مراحل تأسيس إمارة شرق الأردن ، حيث تزامنت نشأته وطفولته مع البدايات الأولى للنهوض والتطور، التي شهدتها المملكة، وشملت مختلف الجوانب الحياتية والعلمية والعمرانية .
اشار الى ولادته في مدينة العقبة، في أواخر العام 1922 ، عندما كانت قرية صغيرة وكل بيوتها من الطين ، ما عدا بيتا واحدا بناه والده بعد رسالة من سمو الأمير فيصل بن الحسين قائد الجيوش العربية في الشمال، يطلب فيها بناء مركز حكومي، لأنها أصبحت موضع اهتمام لكثرة الحجاج الذين يمرون بها، ثم يتنقل مع والده بين وادي موسى والشوبك والكرك والمزار وعمان، فتضيع طفولته التي لم يتذوقها ، فيصبح "بغير ذكريات للطفولة " كما يقول .
كانت المرحلة مليئة بالإحداث، فتشكلت هوية الدولة الأردنية التي حملت تراث الثورة العربية الكبرى التي اطلقها الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه " الذي أبى أن يتنازل عن فلسطين ، فنفاه الانجليز الى قبرص، وظل هناك إلى أن مرض وعاد إلى عمان وتوفي فيها ، ودفن في مدينة القدس ".
يتحدث الدكتور الأسد عن تمسك الشريف الحسين بن علي بالثوابت الوطنية، فقد كان "رمزا وطنيا لديه تصميم كبير ولم يتراجع عن كلمة الحق " .
ويواصل الدكتور الاسد شهادته ويقول ان عائلته استقرت في عمان بعد أن عمل والده بالتجارة في شارع السعادة، وفيها محطات عديدة يصعب أن تمحى من الذاكرة، فهذه عمان التي ارتبطت بالقدس التي كانت تتعرض إلى مخططات استعمارية في ذلك الوقت مبينا ان التلاميذ عندما ينهون دراسة المرحلة الثانوية يذهبون إلى القدس لمتابعة دراستهم في الكلية العربية .
وكانت في شرق الأردن أربع مدارس ، ثلاث منها متوسطة في عمان واربد والكرك، وواحدة ثانوية في السلط .
تمر عبر ثمان وثمانين عاما من عمره، وفي كل محطة مرحلة إشراق ومعرفة وتطلع إلى المستقبل فهو يقول " أحس بأنني ما زلت طالب علم واليوم الذي يمر دون أن أتعلم ولو كلمة واحدة ،أعد ذلك اليوم ضائعا من عمري " .
يحدثنا العلامة الجليل عن عمان، التي كان شاهدا عليها فقد كان تلميذا في مدارسها، حيث كانت فيها مدرسة في جبل اللويبدة هي مدرسة العجلوني ، وكانت هناك مدرسة العسبلية مقابل المدرج الروماني، وكان سمو الأمير عبدالله بن الحسين يمر علينا أثناء الطابور الصباحي، وكان يسره أن يسأل التلاميذ والمدرسين أسئلة في اللغة والتاريخ والأحكام الشرعية .
" عقدت في عمان في عام 1933 أول ندوة ثقافية، وسميتها بالندوة الأدبية، في بناية بالطابق الثاني أمام المسجد الحسيني الكبير الذي كان اسمه المسجد العمري .
كان جيلنا يحرص على قراءة المجلات، فكنا ننتظر بلهفة وصول مجلة الرسالة، ونعقد جلسات ثقافية مثلما يحدث بين زكي مبارك وأحمد أمين، وكانت مجالسنا الثقافية تمتد حتى عند الحلاق، ونلت في ذلك الوقت جائزة شفيق الحايك الذي كان يقع محله بجانب البنك العربي ، وكانت الجائزة عبارة عن اشتراك بمجلة الرسالة، التي كنا نشتريها وغيرها من المجلات من بائع الكتب فهمي القبطي " كما يقول الدكتور الأسد .
أخذت اللغة العربية جانبا كبيرا من حديث العلامة الأسد ، لأنها عنوان الحضارة والتقدم والرقي والتطلع الى المستقبل ، فاللغة العربية( الأم ) أي اللغة الجامعة، التي يقرأها العرب بسهولة " لو تصورنا أنفسنا في القرن التاسع عشر، حينما كانت اللغة التركية السائدة والشائعة كان النحو العربي يُدرس باللغة التركية العربية ، وفي أواخر العهد العثماني عندما سيطر حزب الاتحاد والترقي، حاول أن يمنع تدريس القران الكريم باللغة العربية ، ولو اطلعنا على كتابات الأدباء حينذاك سندرك أن اللغة العربية مرت بمراحل من التطور " .
إن اللغة العربية في هذه المرحلة خيرٌ مما كانت عليه في القرن الماضي، وفيها استقامة، وحققت انتشارا، فهي اللغة الجامعة للعرب جميعا، فأنت عندما تنظر إلى الكتب في هذه المرحلة، سواء في العلوم والجيولوجيا أو الفيزياء وحتى في الروايات كلها تكتب بلغة عربية سليمة صحيحة، رغم أنها لا ترقى إلى الأسلوب الأدبي ، ولكنها خير مما كانت عليه قبل قرن عندما كانت اللغة العربية متهالكة .
وفي حديث الدكتور الأسد عتاب على الذين يستشهدون بأقوال المستشرقين ، وما يطرحونه من أراء حول مستقبل اللغة العربية ، ذاكرا ما تنبأ به فيلسوف بأن اللغة العربية في طريقها إلى الانقراض، وأنها ضعيفة، مؤكدا أن مثل هذا الكلام غير علمي " وعليكم أن لا تصدقوا من ينبئكم بزوال اللغة العربية وهم كثر ، إذا قيست بالعصور السابقة، فهي الآن في عصر ازدهارها " . ( بترا )