هكذا قُصفت المساعدات قبل وصولها إلى حلب..
المدينة نيوز- جاءت ردود الفعل الدولية سريعة وغاضبة على الهجوم المروع الذي تعرضت له قافلة مساعدات أممية في بلدة أورم الكبرى السورية ليلة الاثنين 19 سبتمبر/أيلول 2016.
أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون ألقى خطاباً مباشراً وصريحاً جداً على غير العادة في اجتماع الجمعية العامة، وصف فيه الاعتداء بأنه "وحشي ومتعمد على ما يبدو"، وختم بالقول إن مصير سوريا لا يمكن أن يعتمد على "مستقبل رجل واحد"، في إشارة إلى الرئيس بشار الأسد.
وحسب بيان صدر الأربعاء 21 سبتمبر/أيلول 2016، عن الجيش الحر فإن مجموع 31 شخصاً قتلوا في الهجوم منهم 19 مدنياً و12 عامل إغاثة، وأن "عمر بركات" مدير الفرع المحلي لجمعية الهلال الأحمر العربي السوري كان من بين الضحايا الذين قتلوا، كما تم تدمير 18 شاحنة على الأقل كانت تنقل المساعدات الإنسانية إلى جانب عيادة طبية ومستودع أدوات للهلال الأحمر.
رغم أن منظمات الإغاثة عادة ما تتردد في توجيه إصبع الإتهام إلى طرف ما مباشرة إلا أن كل الشكوك حامت حول روسيا ونظام الأسد لأنهما القوى الجوية الوحيدة التي تنشط في سماء تلك المنطقة من سوريا، حسب تقرير لموقع The Daily Beast الأميركي.
هل المعارضة مسؤولة؟
لكن وزارة الدفاع الروسية نفت بقوة علاقتها وحاولت التملص من اللوم زاعمة أن مقطع الفيديو المصور الذي يظهر مخلفات الاعتداء لا يبدو فيه أي أضرار ناجمة عن قصف جوي، وألمحت إلى أن القافلة تعرضت إلى اعتداء أرضي من مقاتلي المعارضة السورية؛ وسعياً منها لدعم روايتها الثانية بثت وزارة الدفاع مقطعاً مصوراً من حوامة بلا طيار تظهر فيه شاحنة تحميل "بيك-آب" تجر وراءها شيئاً قالت الوزارة أنه مدفع هاون، وأن العربة مرت بقرب قافلة الإغاثة في منطقة تسيطر عليها المعارضة.
كذلك زعم الروس أن الشاحنات قد تكون تدمرت من احتراق تلقائي.
هذه هي الأدلة
بيد أن ثمة أدلة متزايدة تشير إلى مسؤولية الجيشين الروسي خصوصاً والسوري عن الاعتداء المريع، حسب تقرير الموقع.
ولنبدأ باستعراض شهادات الشهود العيان.
محمود أبو زيد عامل إغاثة قال لبرنامج Newsnight الذي يعرض على قناة "بي بي سي" البريطانية "ما حدث هو أننا قبل ساعتين من القصف سمعنا ورأينا طائرة بلا طيار فور إعلان الحكومة لانتهاء الهدنة.
وأضاف "كانت لدي مخاوف من أن تبدأ بالقصف لأنها حلقت فوقنا لمدة طويلة. ثم بعد ساعتين جاءت حوامة هيليكوبتر وألقت أول برميل متفجرات، ثم بعدها بنصف دقيقة ألقت برميلين متفجرين معاً، تلا ذلك 6 ضربات جوية من الطائرات العسكرية، ثم شنت الطائرات هجوماً بالأسلحة الرشاشة لتعود من بعدها الحوامات وتلقي براميلها المتفجرة، ثم عادت الطائرات ذات المدافع الرشاشة لتطلق النار."
حسين بدوي الذي يترأس فرع أورم الكبرى عن الدفاع المدني السوري (الخوذات البيض) قال لوكالة أسوشييتد برس إنه سمع أصوات الحوامات والطائرات المقاتلة والصواريخ البالستية فوق المنطقة، وذكر هو أيضاً وجود طائرة استطلاع فوق المنطقة قبل بدء الاعتداء.
كذلك نشرت صفحة "حلب 24" الإخبارية مقاطع مصورة للاعتداء تُسمع فيها أصوات الطائرات والمدافع الأوتوماتيكية المنطلقة على الأرجح من حوامات هيليكوبتر Mi-24 الروسية الصنع، كما نرى انفجارات قنابل أو قصفاً صاروخياً.
"محمد رسول" مصور صفحة "حلب 24" المجاز من وكالة الأسوشيتد برس والذي صور المقطع قال للوكالة إن الاعتداء بدأ "حوالي بعد 20 دقيقة من غروب الشمس" واستمر ساعتين.
أما في مقطع مصور آخر بعد الاعتداء يظهر متطوع من الخوذات البيض وهو يشير أمام المصور إلى قطعٍ قال إنها من برميل متفجرات أسقطته حوامة.
ومع انبلاج ضوء النهار ظهرت أدلة جديدة على هيئة صور ومقطع فيديو بعدسة البي بي سي.
(حوار على تويتر بين صوفي مكنيل تسأل: "هل هذه الصورة هي بالتأكيد صورة مشهد م ابعد القصف؟"، فتجيبها ريام دالاتي: "نعم بالتأكيد هي صورة البي بي سي نفسها الملتقطة من المشهد، وهي مطابقة تماماً". في الساعة 10:12 من مساء 20 سبتمبر/أيلول 2016).
وفي هذه الصور نلحظ بوضوح ذيلاً محطماً من قنبلة OFAB 250 – 270 روسية الصنع والتي هي قنبلة شظايا عالية التفجر وجدت في حفرة نجمت داخل مستودع الهلال الأحمر المقصوف.
وبهذا لنا الاستنتاج أن القصف الجوي وقع فعلاً.
طائرتا سوخوي 24 روسيتان
المسؤولون الأميركيون أخبروا وكالة رويترز والبي بي سي أنه جرى تعقب مسار طائرتي سوخوي 24 روسيتين حلقتا فوق المنطقة تماماً بالتزامن مع الاعتداء.
وأما استخدام البراميل المتفجرة والصواريخ البالستية أرض-أرض فهو إشارة إلى أن للجيش السوري دخلاً في القصف، ولكن المسؤولين الأميركيين قالوا للبي بي سي أن القصف "كان على درجة من التعقيد لا يمكن للجيش السوري تنفيذها".
ولا يمكن إغفال اتهام الولايات المتحدة لروسيا مباشرة وعلنياً بالمسؤولية عن الاعتداء.
وزير الخارجية الأميركي جون كيري ظل مصراً البارحة بشكل غير معقول على أن الهدنة السورية "لم تمت" .
وأن الولايات المتحدة بذلت جهوداً كبيرة للتوصل إلى اتفاق مع روسيا رغم كثرة الأدلة الدامغة على أن انعدام موثوقية الكرملين في هذا الصدد وفي معظم القضايا الأخرى.
أما بين رودس نائب المستشار الأمني القومي للاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض، فقال: "واحد من اثنين لا بد أنه كان الفاعل المسؤول، إما الحكومة السورية وإما الحكومة الروسية. على أية حال نحمّل الحكومة الروسية مسؤولية القصف الجوي في تلك المنطقة".
الروس والسوريون كانوا يعلمون مسار القافلة
ولعل أهم مفتاح جوهري يدلنا على المذنب المسؤول هو حقيقة أن كلا الجيشين السوري والروسي كان على علم مسبق بالطريق الذي ستسلكه قافلة المساعدات الإغاثية.
ديفيد سوانسون المتحدث الرسمي لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA قال لبرنامج PM على إذاعة بي بي سي راديو 4 "إن قوافل المساعدات الإنسانية هذه التي ترسلها عدة منظمات إغاثة هي ليست شيئاً يسير اعتباطياً بل تخضع لتخطيط محكم دقيق.
يتم تقديم طلب دخول كل من تلك القوافل للحكومة السورية عملاً بالأنظمة المرعية، ثم يتم إخطار كل أطراف النزاع بهذه القوافل كي تصنفها جميعها على أنها "قوافل إنسانية".
كما أن محتويات القوافل يصادق ويوافق عليها أيضاً. كل شيء وكل جهد يتم لضمان أن الجميع ضمن الصورة وعلى علم بكل ما يجري. لهذا السبب لا يُعقل أن يحدث اعتداء كهذا ثم يقولوا لك "أوه لقد كان حادثاً".
كذلك تحدث سوانسون إلى مراسل موقع بزفيد الإخباري، مايك غيليو، وأخبره أن موافقات القوافل جاءت "مباشرة من تنسيق مقابلات واجتماعات وجهاً لوجه في دمشق مع الحكومة".
الروس يكشفون أنفسهم
ولكن ثمة ما هو أسوأ، فحوامات الاستطلاع بلا طيار الروسية كانت ترقب القوافل تماماً قبيل وقوع القصف الجوي.
لكن في حين أقرت وزارة الدفاع الروسية بأن حوامة استطلاع روسية كانت تتعقب القافلة يوم الاثنين، قال المتحدث الرسمي اللواء إيغور كوناشينكوف زعماً أن حوامة الاستطلاع الروسية توقفت عن مراقبة الشاحنات حوالي الساعة 13:40 ظهر ذلك اليوم، أي قبل الاعتداء بأكثر من 5 ساعات.
وهو زعم كاذب بالأدلة المثبتة، حسب التقرير.
ففي ظهر ذلك اليوم بثت قناة روسيا اليوم التي يملكها الكرملين بثاً مباشراً على يوتيوب من وزارة الدفاع الروسية، تظهر به صور على الهواء مباشرة من حوامة بلا طيار تحلق فوق غربي حلب. بدأ البث في الساعة 17:53 بالتوقيت المحلي، وجدير بالذكر أنه نظراً للعمل بالتوقيت الشتوي في سوريا فإن دمشق وموسكو حالياً واقعتان في نفس المنطقة الزمنية.
وبعد مضي حوالي 57 دقيقة من الفيدية وفي حوالي الساعة 18:50 بالتوقيت المحلي تتجه الحوامة بلا طيار لتحلق فوق الطريق الواصل بين أورم الكبرى وبين كفر ناحا شرقاً.
وحسب الجيش السوري الحر فقد بدأ الاعتداء في تمام الساعة 8:30 مساء (20:30)، فيما قال عامل الإغاثة الذي تحدث إلى البي بي سي محمود أبو زيد أن الهجوم بدأ بعد حوالي ساعتين من ظهور أول حوامة بلا طيار.
هذا يعني أن البث المباشر على قناة "روسيا اليوم" لا بد أنه كان من تلك الحوامة التي قال الشهود أنهم رأوها تطوف المنطقة.
وبالفعل هناك مقطع فيديو آخر بثه الجيش الروسي يدحض زعم كوناشينكوف أكثر حينما قال أن القافلة لم تكن تخضع للمراقبة.
فباستخدام تطبيق SunCalc والذي هو أداة ذات مصدر مفتوح تخول المستخدمين من حساب وتحديد موقع الشمس نسبة إلى أي موقع في أي وقت تشاء، ومن خلاله يمكن أمكننا حساب أن المقطع المصور التقط بين الساعة 18:00 و 18:30 بالتوقيت المحلي.
كما أن المقارنة بين صور المقطع وبين صور القمر الصناعي على Google Earth تؤكد أن القافلة كانت تصور من على مقربة أقل من 4 كيلومترات شرقاً في خان العسل.
والواضح أنه قد جرى تصوير الفيديو من حوامة ثانية بلا طيار نظراً لأن المقطع لا يظهر متزامناً مع توقيت البث المباشر لقناة روسيا اليوم؛ ولهذا لنا أن نستنتج أن القافلة كانت خاضعة للمراقبة من بعد الساعة 13:40 من قبل طائرتين روسيتين على الأٌقل، حسب التقرير.
تلميح سخيف
أما التلميح الروسي إلى وجود مدفع هاون في المنطقة نفسها يتم سحبه وجره لتأكيد زعمهم أن مقاتلي المعارضة هم من نفذوا الاعتداء – فهو تلميح مضحك من سخافته لأن وجود سلاح كهذا على مقربة من خط مواجهة أمامي كهذا في منطقة حرب هو أمرٌ طبيعي غير مستغرب ولا يثير الريبة. ثم إن مخلفات القنابل الجوية وصور الفيديو جميعها أوضحت أن الاعتداء لا شك نفذته طائرات جوية، وهو ما لا تملكه قوات المعارضة السورية.
ويعني هذا أن قافلة المساعدات التي قال ديفيد سوانسون من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية UNOCHA أنها كانت تحمل مساعدات لـ70 ألف شخصاً، هوجمت جوا وكان قصفها متعمداً ولفترة زمنية مطولة ومن قبل قواتٍ كان لديها علم مسبق واضح بموقعها وتواصل بالفيديو على الهواء مباشرة مع المنطقة قبل فترة وجيزة من بدء القصف.
مساعد الأمين العام ومنسق إغاثات الطوارئ في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ، ستيفن أوبرايان قال لبي بي سي أنه بالاستناد إلى كل المعلومات وللموافقات المسبقة التي للحكومتين السورية والروسية علم بها، فإن هذا العمل إن متقصداً متعمداً "فهو يرقى إلى مستوى جريمة حرب، ومن المهم جداً أن لا تكون هناك حصانة ولا إفلات من العقوبة وأن تكون هناك مساءلة ومحاسبة لأن حتى الحروب لها قوانين".
وهكذا نظراً للأدلة فإنه بالفعل ما من كلمة نطلقها على ما جرى ليلة الاثنين سوى أنها جريمة حرب.(ديلي بيست ، هافنغتون بوست)