متحف للزجاج في حقول الشمال الفرنسي

المدينة نيوز:- يؤمن الفرنسيون بالثقافة وعلاقتها بالتنمية، فهي، بالنسبة إليهم، من دعائم اقتصادهم الوطني وتستند الى سياسة متكاملة تدعمها البلديات والمؤسسات المحلية ووزارة الثقافة، كما تُخصَّص لها موازنات ضخمة سنوياً.
وعلى رغم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها فرنسا، لم تتوقف المشاريع الثقافية الكبيرة القادرة على جذب الجمهور المتنوع والسياح، وكان آخرها افتتاح متحف في قلب الشمال الفرنسي بين الحقول الخضراء البعيدة عن العمارة الإسمنتية وصخب المدن. إنه متحف الزجاج الذي يحمل اسم «Mus Verre»، وهو مخصص لفنون الزجاج في الأزمنة الحديثة. وأول ما يميز هذا المتحف موقعه الجغرافي، فهو شيّد في قرية صغيرة تدعى سار بوتري Sars-Poteries تقع على مسافة مئة كيلومتر من مدينة ليل العريقة ومن بروكسيل عاصمة بلجيكا، ويبلغ عدد سكانها حوالى 1500 شخص.
اشتهرت هذه القرية في المنطقة وفي العالم باحتضانها محترفات مخصصة لصناعة الزجاج في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. ومع تبدل الأحوال الاقتصادية في شمال فرنسا توقفت هذه المحترفات نهائياً عن العمل. رحل الحرفيون والمبدعون عن المكان، لكن بقي الكثير من التحف الجميلة ومن المجموعات القيمة لفنانين من جنسيات مختلفة، فأودعت في مرحلة الستينات داخل قصر قديم يعود بناؤه الى القرن التاسع عشر. غير أن بناء هذا القصر لم يكن لينسجم مع الأسس المعمارية والجمالية المعتمدة اليوم في المتاحف الحديثة فتقرر عام 2009 بناء متحف جديد وفق المعايير العصرية.
افتتح هذا المتحف مطلع الشهر الجاري، بحضور الفريق الذي أشرف على بنائه، إضافة إلى أمينته ومديرته أود كوردونييه. في لقائنا معها، تحدثت عن التحديات الكبيرة التي تواجه هذا المتحف بسبب بعده عن المدن الكبيرة، لكن الرهان هو أن يتمكن من إيجاد حيوية جديدة في المنطقة ما سينعكس عليها بصورة إيجابية من الناحيتين الاقتصادية والتنموية.
تمتد قاعات المتحف على مساحة ألف متر مربع وسط الحقول الخضراء. ويعتمد المبنى هندسة معمارية حديثة تراعي فضاء المكان وتستوحي من ألوانه وطبيعته، فالجدران الخارجية مكسوة بحجر أزرق مستخرج من المنطقة. أما القاعات الداخلية فمفتوحة بواجهاتها الزجاجية الشاسعة على الضوء وتوحي بالمدى، كما تبرز التحف الزجاجية المعروضة على قواعد كأنها منحوتات أو داخل الواجهات.
تروي لنا المعروضات حكاية معلمي الزجاج الذين عاشوا في قرية سار بوتري بين عام 1802 وعام 1937 وكانوا روّاداً في هذا المجال، ما مهد الطريق للذين جاؤوا بعدهم في النصف الثاني من القرن العشرين.
منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي، يقام في القرية سمبوزيوم لفنون الزجاج يستقطب فنانين من العالم أجمع، ونشاهد هنا نماذج من أعمالهم في قاعات موزعة على طابقين ومطلة على حدائق المتحف. وأبرز المعروضات تلك التي أنجزها فنانون معاصرون منحوا مادة الزجاج أبعاداً جمالية وشاعرية مستوحين أعمالهم من البشر والحيوانات والأواني وعناصر الطبيعة... مع هؤلاء لم يعد الزجاج مادة لصنع أكواب أو أباريق أو صحون، بل صار كالحجر وسيلة لإنجاز منحوتات مجردة أو تصويرية ترشح نوراً وجمالاً، ومنها المنحوتة التي تحمل اسم «الفستان» للفنانة الأميركية كارين لامونت والتي تمثل امرأة جالسة وهي ترتدي فستاناً أبيض طويلاً يغطي القدمين. تذكّر هذه المنحوتة الزجاجية بالمنحوتات اليونانية القديمة ومنحوتات عصر النهضة الإيطالية.
إضافة الى العرض الدائم لمجموعة المتحف، ستقام أيضاً معارض موقتة تعرّف بكل ما يتعلق بفنون الزجاج، كما سيستقبل المتحف فنانين من العالم للعمل في المحترف الذي يضم الأفران الخاصة بطهي الزجاج وفق الحرارة المطلوبة. وعندما سألنا مديرة المتحف اود كوردونييه هل هي على صلة بفنانين من العالم العربي بخاصة أن مصر وفينيقيا وبلاد الشام عرفت أولى الصناعات الزجاجية في العالم، أجابت أن المتحف مفتوح للفنانين على اختلاف جنسياتهم، وهي تتابع تجربة الفنانة الفلسطينية المولودة في بيروت منى حاطوم ومعجبة بنتاجها وتتمنى دعوتها الى محترف المتحف.