مترجم: لماذا نقف في مكاننا؟ 7 عقبات تواجه العلم بآراء 270 عالمًا

المدينة نيوز:- يا له من مأزق كبير وقع فيه العلم!
هكذا تخبرنا جوليا بيلوز وفريقها من المحررين، عقب استطلاع رأي واسع أجرته بين مائتين وسبعين طالبًا وباحثًا وعالمًا ومشتغلًا بالمجال العلمي. في تحدٍ صعب وضعته: لو كان بإمكانك أن تُغيّر شيئًا واحدًا في هذا المجال، ماذا كنت لتُغيّر؟ تقول جوليا إن العملية العلمية – في صورتها المثالية – عملية أنيقة. «اطرح سؤالًا، ضع اختبارًا موضوعيًا، احصل على إجابة، أعد الكَرة». هكذا فعل جاليليو، كوبرنيكوس، وآخرون.. لكن الأمر أن العلم هذه الأيام نادرًا ما يصل إلى هذه الدرجة من الكمال. تعزو الأمر إلى أن العلم كأي شيء آخر حولنا، تعقّد بالصراعات والتناقضات. في سبع نقاط، يُلخص فريق العمل مشكلات البحث العلمي، وكيف تغلغلت المؤسسية إلى قلب كل شيء حتى صار العلم كأي شيء آخر، مسألة عرض و طلب.
1. العلم لا يصنع «خبزًا»
قد تُدهش البعض فكرة أن العلم كأي شيء آخر يحتاج إلى التمويل المادي، لإجراء الدراسات وتوفير المعدات ودفع رواتب العلماء أنفسهم وحتى مساعديهم. وهذا البند الضخم من النفقات أضعاف ما تقدمه المؤسسات العلمية من الدعم. يشعر الشباب بهذا الضغط بدرجة أكبر، حيث يتنافس عدد أكبر على مجموعة محدودة من الموارد البحثية وفرص العمل، وفي آن واحدٍ ترتفع النفقات وتُضغط الميزانية العلمية بل وحتى تنخفض أعداد المنح المتاحة. هكذا يتطلع العلماء إلى من يمد يد العون لهم.
نجاح العلماء اليوم لا يُقاس بجودة أسئلتهم أو صرامة ودقة طرائقهم البحثية ولكنه يُقاس عوضًا عن ذلك بكم المال الذي يربحونه، وعدد الدراسات المنشورة، وكيف يلوون نتائجهم لكي تلاقي قبولًا لدى العامة. لذا وعوضًا عن مطاردة «الحقيقة»، يتم تحفيزهم لانتقاء مواضيع «آمنة» والوصول لاستنتاجات إيجابية يمكن نشرها على صفحات الصحف، بعناوين برّاقة تخدم رأس المال. هكذا يحافظ العلماء على وظيفتهم، ويُبقون جهات التمويل سعيدة، ويتحول العلم لماكينة أخرى تدور لخدمة من يدفع.
يقول بول ميرفي، أستاذ علم الأعصاب في جامعة ولاية كنتاكي: «الحل ببساطة هو جعل ميزانية البحث العلمي مستقرة، بمعدل زيادة سنوية مرتبطة بالتضخم».
2. الأبحاث العلمية نادرًا ما تكون «علمية»
في ظل مناخ يُكافئ النتائج السريعة المثيرة تصبح مثل هذه النتائج هاجسًا دفينًا. يتعلم العلماء أكثر من فشل التجربة، لكن فشلها يعني أيضًا الانتحار المهني. المشكلة هنا، أن تلك النتائج الجذابة نادرة حقًا، ولا يكون أمام الباحث سوى التلاعب، للحصول على استنتاجات أكثر «ثورية»، كاختيار عينات بحث أقل عشوائية، أو مراقبة عوامل خارجية ما، وإهمال غيرها. يشير العديد من المشاركين بالاستطلاع أيضًا، إلى أن هذه الأساليب الملتوية تمتد حتى مرحلة تحليل البيانات. حيث وُجٍد أن 96% من الأبحاث التي استعملت القيمة P هي أبحاث ذات قيمة إحصائية، والذي يبدو أمرًا مشبوهًا للغاية. فهي إما أنها تُعطي نتائج مشكوكًا فيها أو تقمع النتائج التي لا تبدو «مهمة» بما فيه الكفاية.يقول جوزيف هيلجارد الباحث في مركز آنّيبرغ للسياسة العامة: «الباحث هو المنوط به تقييم الفرضية، لكن العالِم ذاته أيضًا يريد بشدة أن تكون فرضية صحيحة!». هنا تقع المعضلة. والنتيجة هي أن 85% من الإنفاق البحثي العالمي مهدرٌ على أوراق علمية خاطئة أو مبالغ في نتائجها.
3- تكرار التجارب مفيد.. ولكنه «أقل إثارة»
إعادة التجربة مرارًا مبدأ تأسيسي في العلم منذ القِدم، هكذا يختبر العلماء قدرة نتائجهم على الصمود. لكن المشاركين في الاستطلاع أشاروا إلى قلة الحوافز المشجعة على الخوض في مثل هذه العملية البطيئة من الاختبار وإعادة الاختبار. وحتى عندما يحاولون ذلك، تأتي الصدمة بأنهم لا يستطيعون تكرار التجربة. فوكالات التمويل تُفضل دعم مشاريع تُقدم الجديد عوضًا عن تأكيد القديم، والدوريات لا تميل إلى نشرها ما لم تُناقض نتائج أو استنتاجات سابقة، وعلى صعيد آخر يكون عدد المشاركين في الدراسة الأصلية قليلًا جدًا، أو تكون الأساليب المستخدمة مُبهمة، مما يحول دون تكرارها.
تقترح ستيفاني ثورموند، الطالبة في جامعة كاليفورنيا، أنّه «يجب تحفيز الدراسات المتطابقة، ويجب تشجيع المجلات لنشر النتائج السلبية كما تنشر الإيجابية. كل النتائج مهمة وليس فقط النتائج البراقة المغيّرة للقواعد». يضيف جون ساكالاك أخصائي علم النفس الاجتماعي بجامعة فيكتوريا: «يمكن للعلماء إجراء تجارب مُصغرة لتشكيل الأفكار وتوليدها، ثم تكرار هذه التجارب مع عدد أكبر لتأكيد الفرضية قبل أن يطّلع العالم عليها».
4- غياب الخصم
يشير التقرير إلى أنه عندما يُقدّم الباحث مقالًا في مجلة ما، تقوم المجلة – بعد قبول نشره بشكل مبدئي – بإرسال المقال إلى متخصص آخر في ذات المجال، ليُقدم نقدًا بناءً، ومن ثمَ يُنشر المقال أو يتم رفضه. ومع أن مثل هذا النظام يبدو معقولًا، إلا أنه – في واقع الأمر – لم يَحُل دون انتشار كثير من الأوراق العلمية الرديئة.
تبدو المشكلة في عملية المراجعة نفسها، فمعظم الحُكام لا يولون الأمر عناية كافية، أو يُقدمون حكمًا لاواعيًا بناءً على معرفتهم بمُقدم البحث. هذا التسرع يتجاوز عن الكثير من الثغرات والاستنتاجات غير المتماسكة.
5- حصون العلم المغلقة
تبدو المجلات العلمية كحصن منيع؛ صعبة المنال، مُعقدة، ومكلفة أكثر من اللازم. هكذا تُسجن كثير من الأبحاث وراء أسوارها. يشير صحفي إلى أن الطالب الجامعي يحتاج إلى ما قيمته ألف دولار أسبوعيًا، فقط لقراءة الدوريات العلمية التي يحتاجها. هذه النماذج الربحية لا تصب في مصلحة المجتمع، أو الجمهور، أو العلماء، أو حتى البحث العلمي. يشدد التقرير على وجوب أن يكون العلم متاحًا بالمجان للجميع، بإلغاء الدوريات العلمية ونشر كل شيء على الإنترنت. تقول ميلندا سايمون الباحثة في مختبر لورنس ليفرمور: «من غير الصواب أن يدفع دافعو الضرائب لتمويل الأبحاث في المختبرات الحكومية والجامعات، لكنهم لا يحصلون على نتائج هذه الأبحاث».
6- صورة العلم «الجماهيرية»
يشعر الكثير من العلماء بالأسى من الكيفية التي ينتقل بها العلم إلى عامة الناس، ومن حقيقة أن كثيرًا من الأشخاص – منهم حتى مشاهير الفن والرياضة – متمسكون بكثير من الخرافات على أنها حقائق علمية. تبدو الصحافة هي المتهم الأول في تضليل الجمهور. يخبرنا التقرير أن ثلث المقالات المنشورة تحوي مبالغات فجة، خاصة تلك المتعلقة بالصحة. جريدة الدايلي ميل – على سبيل المثال – في مجموع تقاريرها العلمية المنشورة طيلة السنين الفائتة، أثبتت أن كل المواد – من الزبادي حتى مضادات الحموضة – هي إما تسبب السرطان، أو تعالج السرطان، أو ربما تقوم بالأمرين معًا!
7- الحياة الأكاديمية الضاغطة
إن تصورنا عملية البحث العلمي في صورة الجسد، فقلب العملية العلمية النابض هو جيوش صغيرة من طلاب الدراسات العليا وحملة الدكتوراه، لكن مأساة مثل هذه الوظائف أنها تتحول إلى ما يشبه الاستعباد، تزداد قسوة يومًا بعد يوم دون أن تكون مُجزية بأي شكل مادي أو معنوي. يعمل الباحثون الشباب – ما بين سن العشرين والثلاثين – ساعات عمل طويلة منخفضة الأجر؛ لا فرصة لحياة اجتماعية، أو زواج أو أي خطط أخرى، وبالنسبة لامرأة – وخاصة من أقلية عرقية – يزداد الأمر صعوبة، إذ يتم الحكم عليها بشكل أكثر قسوة، وتحصل على أجر أقل. تشير دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن 47% من طلبة الدكتوراه يعانون من درجة أو أخرى من درجات الاكتئاب.
«يحتاج العلم إلى أن يصحح نقاط ضعفه». العلم ذاته الذي اكتشف علاجات الأمراض المستعصية، وموجات الجاذبية، والمجرات البعيدة، لم يكن يومًا معصومًا عن الخطأ. بدأت الثورة العلمية منذ خمسمائة عام، وربما نحتاج إلى مثلها لتصحيح المسارات الخاطئة، والنتائج حينها ستكون مذهلة.