عــُرس مـُـزيف..
في مجتمعاتنا العربية لا يـُعترف بهذه التسمية إلا مرة واحدة في حياة كل فرد.. حين ينتقل الرجل أو تنتقل المرأة من العزوبية نحو القفص الذهبي.. ويضع خاتم الدبلة في إصبعه.. ويبدأ مشواره الجديد.. أو لا يبدأ... ولكنه لا يضع صك إعتراف إلا على فرح واحد يسمى عرساً، في تلك الحالة التي هي حالة حقيقية مميزة بالنسبة له.. أو لها..
" بنتين من مصر " فيلم شاهدته مؤخراً، يتحدث عن معاناة شابتين لم تتجاوزا الثلاثين من العمر، همهما وقضيتهما الأساسية الزواج.. والحصول على رجل.. لئلا توصفا بكلمة " عانس " أسوة بصديقة تكبرهما سناً، أصبح صديقها الوحيد الوحدة، أو كرة الصوف التي تحيك بها قطعاً فنية ليست بحاجة لها.. وإنما هو قتل للوقت والسلام... الشابتان قدمتا التنازلات تلو التنازلات، حتى وصل بهما الأمر إلى التنازل عن أبسط الحقوق الشرعية، فقط... من أجل أن تجد كل واحدة فيهما زوج المستقبل...
فيلم يصور معاناة حقيقية لتلك الفتاتين.. وكأن حياة المرأة هي فقط بالزواج.. نسيتا أهمية حصول كل واحدة فيهما على شهادات عليا، ونجاحات مهنية متميزة.. لم تفرحا يوماً بنجاحاتهما..
ولم تحتفلا بعُرس لإبداعاتهما.. بل عاشتا حالة مرضية، أصبحت مُزمنة لكلتاهما أمام تحقيق حلم العرس... ليس هناك في مرآتهما اليومية إلا صورة ثوب الزفاف...ودبلة الخطوبة.. والبيت المكون من إثنين الذي سيصبح مستقبلاً ثلاثة أو.... عشرة... كله بمشيئة الله... لم تفكرا ولو للحظة أنه ربما يتحول هذا الحلم الى همٍ..وعناءٍ مشترك، والبسمة تصبح نصفية، إذ لم تجد طريقها تحو شفاه الشريك الأخر.. ويغدو النجاح فشلاً.. والعرس مأتماً.. ثم يمضي قطار العمر، ولا يدري أحد إذا كانت لحظة الموت أيضاً هي فراق إثنين لم يفترقا.. لكنها عند البعض موت حقيقي.. للطرف الذي رأى بأم عينه موت الشريك الطويل في شراكة الحياة..
لن أتحدث عن الفيلم كناقدة سينمائية لأنني لست كذلك، وإنما أقول أنه من المبالغ به وضع كل هذه المآسي والألام لشابتين وهدم كل لحظة أمل، أو أي بصيص للنور.. أتساءل كما يتساءل من سيشاهد الفيلم ، لماذا قرر الكاتب أوالمخرج أن حياة المرأة تكون فقط سعيدة.. إذا حصلت على زوج.. وعكس ذلك هراء.. لا أدري كيف مرت الكثير من الجمل الجريئة التي لم نعتد عليها في السينما العربية من مقص الرقيب... أيضاً..
لنعد إلى أعراس الأمة، التي نفتقدها كثيراً في هذه الأيام فهي التي تبقى حين يزول الفرد، أو حتى حين لا تتجدد أعراس الأخرين...
هي وحدها تصنع أعراس الحقيقة الأزلية التي لا تنشأ عن حالة فردية .. وإنما من حضارة وقيم وثقافة وحكمة التجربة، ومن قوة الإيمان والبصر.. والبصيرة..
محاسن الإمام – رئيسة مركز الإعلاميات العربيات
mahasen1@ayamm.org