الرسالة في الحياة
خلق الله هذا الكون وأودعنا فيه وسخّر لنا سبل العيش والسلام؛ لنحقّق غاية ألا وهي عبادة الله، العبادة هي سبب وجود البشرية، وحالة من الاتصال بالأصل والمصدر وهو الله، وهي الرسالة الإنسانية.
ثم إن الكون كلّه كلّه مسخّر للإنسان لإعمار الأرض ولبناء الحياة فيها، كما قال موسى لفرعون حين سأله عن ربّه: "فَمَن ربّكُمَا يا مُوسى قال ربّنا الذي أعطى كُلّ شيء خلقَهُ ثُمّ هدى"، أعطى كُلّ شيء خلقه ثُمّ هداهم ثمّ ترك لهُم حريّة الاختيار "إنا هديناه السّبيل إماّ شاكراً وإماّ كفوراً".
خلق الكون ثم سخره ثم خلق الإنسان في أحسن صورة، وفي أبهى حُلّة، بديع السّماوات والأرض
كلّ ذلك لحكمة بالغة، وهي القيام بالرسالة الشخصية؛ للمشاركة في بناء الحياة في الكون
الذين يؤمنون بعديمية الرسالة هم أناس يؤمنون بعبثية الحياة "أفحسبْتُم أنّما خلقْناكُم عبَثاً"، ولم يدركوا معنى خليفة الله في أرضه "إنّي جاعلٌ فٍي الارْض خليفَة".
الرسالة بمصطلحاتها الكثيرة، هناك من يسمّيها مهمة، وهناك من يسميها دوراً، دون وجود الرسالة، فالإنسان يملّ من الحياة ويتوه كثيراً، وينفصل عن ذاته ويكون وجوده ثقيلاً على ظهر الأرض،
إلا أن يعرف مهمته، كما قال رسول الله: "كلٌّ مُيسّر لما خلِقَ له"، إشارة إلى الرسالة الشخصية للإنسان في الحياة.
والرسالة تكليف من الله سبحانه وتعالى، والتكليف هنا تشريف، فاختيار الله للإنسان لهذه المُهمة؛ لأن الله وهبه أعظم ما خلق [العقل والروح]،" إنا عرضنا الأمانة على السّماوات والأرض والجبال فأبَين أن يحملنها وأشْفَقْنَ منها وحملَها الإنسان".
الرّسالة أمانة والأمانة مسؤولية
ضياع الرسالة ضياع الأمانة، ضياع الحياة الإنسانية ضياع التوازن الكونيّ، فلو أدرك كلّ فرد منا سبب وجوده وعرف رسالته وقام بها حقّ القيام
لأحدث حالة من السلام والاتزان في بيئته، وقام بدوره وأثّر وغيّر وكان دوره ملموساً وأثره واضحاً،
غياب الرسالة غياب الأثر، غياب القدرة، غياب النجاح.
الذين يدركون رسالاتهم الشخصية يحيون حياة عظيمة، والذين لا يدركونها يحيون ويموتون في استحياء وصمت.
كلّ العظماء في البشرية الذين أحدثوا فرقاً، هُم أدركوا رسالاتهم الشخصية.
كيف ندرك رسالاتنا الشخصية؟
في الغالب يدور الإنسان حول رسالته من خلال ما يقوم به في الحياة، الفطرة تدلّه إلى حقيقته، إلى شغفه، إلى رغبته، إلى ما يحبّ القيام به كفن، إلى ما خُلق من أجله، إلا أن تتدخّل الأطراف الخارجية لإبعاده لأسباب فكرية وتربوية، كإملاء الوالدين في اختيار التخصص وفرض رأيهما عليه باسم البرّ،
أو حذوه منهاج الآخرين ثم يضيع وسطهم،
أو ابتعاده عن هويته الشخصية لأسباب أو لأخرى،
مما يؤدي إلى قيامه بدور مُحاكاة شخص آخر!
من هنا نعلم أن أول خطوة إلى إدراك الرسالة هي [معرفة النفس]، محاولة الوصول إلى الحقيقة، الفطرة، من هناك يأتي شغف الإنسان، والشغف ان يستمتع الإنسان بالقيام بدوره، فالذي يرسم لأنه يريد أن يرسم دون سبب غير الذي يرسم من أجل مقابل، والذي يعلّم الطلبة من خلال القيام بدوره الشخصي، ليس كالذي يعلّم من أجل أن يقبض مرتّباً آخر الشهر.
ولو قام كلّ منا بعمله بإحساس المطرب الذي يغنّي بانسجام، لنشرنا حياة وسلاما في الأرض، وأضفنا للحياة معنى وقيمة.
غالبا الذين لا يعرفون رسالاتهم يكونون من ضمن رسائل الآخرين، الرسالة حرية التصرف دون إملاء الآخرين.
أصحاب الرسالات أينما وُجدوا أثّروا؛ لأنّه معمّر نفسه من الداخل والخارج لا يعنيه كثيراً
أصحاب الرسالات يقودون أمَماً ويتحكمون في كلّ شيء حتى في الظّروف .
الرسالة إعمار فَي الأرض، الرسالة عباَدة وإصْلاح، الرسالة قيِام بالدّور لكمَال الآخرين، الرسالة لا تنْتهي، فإذا ما رحَل الإنسان يبعثُ الله من يكمِل رسالتهَ.
لهذا العظماء أصحاب الرّسالات تبدأ حياتُهم من عنِد مماتِهم.
الختام:
الإيمان بالرسالة هو الشعور بقيمة الوجود، هو تقدير الذات، هو الإيمان بأن وجودي مهم ومطلب ومؤثر.