المدينة نيوز تنشر القصيدة التي رثى فيها القصيبي نفسه قبل أن يوافيه الاجل !

المدينة نيوز - خاص – كتب المحرر الثقافي - : كان المرحوم الأديب الشاعر والوزير السياسي السعودي غازي القصيبي الذي وافاه الاجل هذا اليوم شفافا ومطلا ومستشرفا ، فلقد كان يعلم ، أنه سيلتحق بالرفيق خاصة في مرضه الأخير ، وها قد وافته المنية هذا اليوم فعليه الرحمة والرضوان ، إذ ترك إرثا طيبا من خلال مواقفه القومية والعروبية المشهودة ، تلك التي عبر بها عن أصالته وأنتمائه من خلال قصائده الكثيرة والمتنوعة .
كانت خاتمته " الأوروبية " بقصيدة كتبها في بريطانيا تدعى ( الشهداء ) مجد فيها العمليات الإستشهادية ضد الإسرائيليين ، وهذه كانت الضربة القاضية في علاقاته بالغرب عموما ، إذ إنه وبعد اقل من عام تم استبعاده من بريطانيا وإعادته إلى السعودية ، ولعل هذه الحادثة هي من بين الحوادث اتي يفتخر بها القصيبي إذ قال عنها : إنه ما من موقف يمر بدون ثمن ، وكان يقصد مواقف المروءة والتحدي .
المدينة نيوز اختارات هذه القصيدة للقصيبي والتي كتبها في مرضه الأخير ، يرثي بها نفسه وكأنه كان يعلم بأن لن يبرأ أبدا ، والقصيدة تدعى " حديقة الغروب " ويقول فيها :
خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ
أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟
أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت
إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟
أما تَعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا
يحاورونكَ بالكبريتِ والنارِ
والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بَقِيَتْ
سوى ثُمالةِ أيامٍ.. وتذكارِ
بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا
قلبي العناءَ!... ولكن تلك أقداري
***
أيا رفيقةَ دربي!.. لو لديّ سوى
عمري.. لقلتُ: فدى عينيكِ أعماري
أحببتني.. وشبابي في فتوّتهِ
وما تغيّرتِ.. والأوجاعُ سُمّاري
منحتني من كنوز الحُبّ.. أَنفَسها
وكنتُ لولا نداكِ الجائعَ العاري
ماذا أقولُ؟ وددتُ البحرَ قافيتي
والغيم محبرتي.. والأفقَ أشعاري
إنْ ساءلوكِ فقولي: كان يعشقني
بكلِّ ما فيهِ من عُنفٍ.. وإصرار
وكان يأوي إلى قلبي.. ويسكنه
وكان يحمل في أضلاعهِ داري
وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكنْ بَطَلاً
لكنه لم يقبّل جبهةَ العارِ
***
وأنتِ!.. يا بنت فجرٍ في تنفّسه
ما في الأنوثة.. من سحرٍ وأسرارِ
ماذا تريدين مني؟! إنَّني شَبَحٌ
يهيمُ ما بين أغلالٍ.. وأسوارِ
هذي حديقة عمري في الغروب.. كما
رأيتِ... مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ
الطيرُ هَاجَرَ.. والأغصانُ شاحبةٌ
والوردُ أطرقَ يبكي عهد آذارِ
لا تتبعيني! دعيني!.. واقرئي كتبي
فبين أوراقِها تلقاكِ أخباري
وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكن بطلاً
وكان يمزجُ أطواراً بأطوارِ
***
ويا بلاداً نذرت العمر.. زَهرتَه
لعزّها!... دُمتِ!... إني حان إبحاري
تركتُ بين رمال البيد أغنيتي
وعند شاطئكِ المسحورِ.. أسماري
إن ساءلوكِ فقولي: لم أبعْ قلمي
ولم أدنّس بسوق الزيف أفكاري
وإن مضيتُ.. فقولي: لم يكن بَطَلاً
وكان طفلي.. ومحبوبي.. وقيثاري
***
يا عالم الغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه
وأنت تعلمُ إعلاني.. وإسراري
وأنتَ أدرى بإيمانٍ مننتَ به
علي.. ما خدشته كل أوزاري
أحببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي
أيرتُجَى العفو إلاّ عند غفَّارِ؟