الجامعة الهاشمية واعتصامات طلابها
تنفرد الجامعة الهاشمية بين اثنتين وثلاثين جامعة أردنية عزيزة في نظام دفع الطلاب رسوم المواد الدراسيّة فيها، فهو نظام يمهل أبناءنا الطلبة ثمانية أسابيع بعد التسجيل لمواد كل فصل ليدفعوا رسوم ساعات تلك المواد، ويعني ذلك دخول الطلبة إلى المحاضرات، وقيام الأساتذة بتدريسهم، وسير العمليات التعليميّة بشكل طبيعيّ وكامل قبل دفع الرسوم. فالهاشميّة هي الجامعة الوحيدة التي تعطي لطلابها هذه الفسحة الزمنية، إحساساً من الجامعة تجاه هؤلاء الطلبة، وتجاه ذويهم من غير القادرين على دفع الرسوم قبل تسجيل أبنائهم.
وتفرض الجامعات الأردنية جميعها طريقتها في استيفاء الرسوم الجامعية، باستثناء الهاشمية التي سبق شرح طريقتها، واليرموك التي تمنح طلابها ثلاثة أسابيع فقط مقابل ثمانية أسابيع تمنحها لهم الهاشمية، ويشكل ذلك عبئاً على الجامعتين، ولكن الهاشمية تحمل عبئاً أثقل، مقابل بقية الجامعات التي لا تُفتح شاشة التسجيل لطلابها إلا بعد أن يدفعوا رسوم ساعات الفصل الدراسي.
وقد اختارت إدارة الجامعة الهاشمية هذه الطريقة الميسّرة، حتى تكون عوناً للطلاب وأهلهم، وتحمّلت التبعات المالية لتأخير دفع الرسوم، علماً بأن الهاشمية لا تتلقى أيّ دعم من الحكومة منذ سنوات طويلة، وهي تعتمد على نفسها وعلى تنمية مواردها، وعلى حسن إدارة هذه الموارد في نفقاتها، وإنشاءاتها، من دون وجود ديون، أو عجز، أو دعم حكوميّ، وبخاصّة حين نلتفت إلى حقيقة مودّاها أن رسوم التخصصات في الهاشمية أقلّ من غيرها من الجامعات في (55) تخصصاً من (58) تخصصاً تطرحها لطلبتها، وهي التي لم ترفع رسوم التخصّصات منذ حدّدت حين طرحها للمرة الأولى.
اختارت الجامعة الهاشمية هذه السياسة في استيفاء الرسوم، من دون ضغط عليها، حتى أُثيرت قضية دفع الرسوم في نهاية الفصل الصيفي الثاني 2015/2016، واعتصم بعض الطلاب وطالبوا باثني عشر أسبوعاً مهلةً للدفع ثم حين وجدوا دعماً لهم من نواب الأمة ومن بعض الجهات الإعلامية، صعّدوا طلباتهم، فأرادوا أن يُعفى من لم يتقدم للامتحان النهائي من رسوم المادة حتى لو تقدم لامتحانين، أو لامتحان واحد، وحضر كل المحاضرات، وسجلت له علامة مشاركة، ثم صعّدوا أكثر فطالبوا بإعفاء من تقدّم للامتحان النهائي أيضا ورسب، بحيث يعفى من دفع الرسوم، وبالغوا، ثقةً منهم بالدعم النيابي والإعلامي المطلق، فطالبوا بعدم احتساب العلامات الراسبة ضمن معدّلات أصحابها، وبشطب الغيابات في الفصل الأول 2016/2017 عن الطلبة جميعهم، فكان ذلك كله مكافأة للطالب المقصّر أكاديميّا الذي صار يجرّب حظه في المواد، فإن نجح دفع رسومها، وإن لم ينجح أُعفي من الرسوم، ولم تحتسب علامته في معدله.
إن الدعم المطلق من بعض السادة النواب ومن بعض الإعلاميين الكرام جعل سقف مطالب الطلاب يرتفع أكثر فأكثر، وصوّروا المسألة على أنها قضية رأي عام، ومَظلمة أوقعتْها الجامعةُ الهاشمية على طلابها، على الرغم من الإيضاحات المتكررة التي قُدّمت لهم حول تميز الهاشمية في رأفتها بطلابها غير القادرين وإحساسها بأسرهم، وحين أصرّ بعض هؤلاء السادة النواب والإعلاميون على الانحياز لمطالب الطلبة غير القانونيّة على حساب الجامعة، استجاب مجلس أمناء الجامعة وإدارتها لتلك المطالب، على الرغم من صعوبتها، وترتب على ذلك خسارة أكثر نصف مليون دينار، وهي رسوم الموادّ التي تقدّم لها الطلبة ورسبوا فيها ثمّ أُلغي تسجيلها، وهو مبلغ كبير بالنسبة لجامعة لا تتلقى أي دعم من الحكومة، ولذلك فإننا نتمنى على السادة النواب المحترمين والإعلاميين الكرام أن يكونوا عوناً للمؤسسات الوطنية، وأن يكونوا صوتاً للحق، ولسيادة القانون، فلا أحد فوق القانون.
وهنا يجدر بنا التذكير بأنّ حق الاعتصام والتعبير عن الرأي مكفول ومقدّس، ولكنّه قبول مقرون بأن يكون الاعتصام من أجل مطالب مشروعة، وليس لمطالب غير قانونيّة. ونسأل هنا أهل الرأي، والعقلاء المنادين بالحق المطلق في الاعتصام من دون ضوابط: هل يجوز الاعتصام من أجل عدم دفع رسوم استحقّت على الطلبة لأنّهم درسوا موادّهم الجامعيّة وتقدّموا لامتحاناتها، ويمتنعون عن دفعها؟ وهل من المقبول أو المشروع الاعتصام لإلغاء نتائج الطلبة الذين رسبوا في الموادّ الجامعيّة؟ إننا نؤمن بحق التعبير، وبالتنوع السياسيّ، وبحق المطالبة بالمطالب القانونية العادلة، وربّما كنّا سنتفهّم لو أنهم اعتصموا كما اعتصم زملاؤهم في الجامعات الأخرى بسبب رفع الرسوم الجامعية في تلك الجامعات، وذلك كلّه يعزّز الديمقراطيّة والحرّيّة المسؤولة اللتين ننشدهما جميعا، وهما طريقنا إلى مجتمع ناجح وسعيد.