قصور أوروبية... لكل واحد منها حكاية شغف ملكي
المدينة نيوز:- غالبًا ما ندخل في لعبة انتقاد ملوك الماضي الغريبي الأطوار الذين بنوا قلاعًا وقصورًا، كلفت ثروات أُخرجت من جيوب الشعب، وبعضها استغرق انجازه عقودًا .
ومهما تكن الحكايات التي كُتبت في سطور تاريخ هذه القصور، ومهما كانت ولادتهاعسيرة، فإنّها خرجت إلى الحياة تحفة فنية استعارت من الطبيعة أشكالها، وخضعتلإبداع العقل الانساني لأداء وظيفتها في إدهاشنا .
نحن أبناء القرن الواحد والعشرين، نجول بين أروقتها نفتح أبوابها، ووراء كل واحد منهاتفاجئنا أعمال فنية وجداريات تكاد تنطق أساطيرها بأسرار الملوك الذي أمروا بتشييدها،هم حلموا بدخول التاريخ، فيما جسّد فنانون مبدعون أفكارهم، فحملت هذه القصوروالقلاع أسماء مالكيها ومدنها، لا مهندسيها وفنانينها .
إنها سخرية التاريخ الذي يكتبه دائمًا المنتصرون .
وفي القارة الأوروبية مدن تحضن قلاعًا وقصورًا لا تزال قائمة بأبّهة الماضي وترفه،تستحق أن تكون في قائمة وجهاتنا السياحية .
قصر براغ حيث تعبرين إلى التاريخ
شُيد هذا القصر عام 870، ولم يتوقّف عن التوسّع خلال القرون الماضية إلى أن أصبح أكبر قصر في العالم بحسب موسوعة «غينيس».
شهد كل أنماط الحكم، بدءًا من الملكي، مرورًا بالإمبراطوري والحكم الشيوعي، وصولاً إلى الجمهوري، فقد سكن هذا القصر- القلعة ملوك بوهيميا، أباطرة الإمبراطورية الرومانية المقدسة، ورؤساء تشيكوسلوفاكيا وجمهورية التشيك... جميعهم اختلفوا في إدارة الحكم، والأنماط السياسية ولكنهم اجتمعوا تحت سقفه، استمتعوا بأبّهته المستريحة على هضبة هرادكاني المشرفة على براغ المدينة القديمة، ومالا سترانا.
تنبثق معالم هذا القصر- القلعة من حلقة من الحدائق والأسطح تمتد على طول الواجهة الأفقية الطويلة حيث تبرز أبراج كاتدرائية القديس فيتوس وكنيسة القديس جورج.
الفن القوطي، والباروكي، وعصر النهضة ...
تجتمع في قلعة براغ مختلف الفنون المعمارية، ففي غضون ساعات تتنقلين بينها تستمتعين بإبداعات فنانيها، بدءًا من كنيسة القديس جورج الرومانية المنحوتة بشكل مثير للدهشة، مرورًا بالقصر القوطي، وباحات البلاط الباروكي، والمقر الصيفي للملكة آنا، وصولاً إلى الممرات العصرية في الحدائق الملكية. باختصار، فإن قلعة براغ تدعوك لزيارتها والاسترسال في قراءة التاريخ التشيكي خلال 12 قرنًا.
كاتدرائية سانت فيتوس هنا توقّف الزمن
تعتبر كاتدرائية سانت فيتوس المعلم الأكثر جذبًا للزوار. عندما تدخلين إليها سوف تشعرين بالمعنى الحقيقي لعبارة توقف الزمن.
صمّم داخلها بشكل رائع سادة الفن في العصور الوسطى فجعلوه مغمورًا بضياء الشمس بفضل نوافذ الزجاج الملوّن. سوف تدهشك نوافذ الزجاج المعشّق من أعمال ألفونس موتشا، أكبر رسامي تشيكيا للفن الحديث. كما تضم الكاتدرائية مقابر ورفات القديسين والحكام التشيكيين وضريحي الإمبراطورين شارلز الرابع ورودولف الثاني.
لا تفوّتي الفسيفساء الضخمة التي تقع فوق البوابة الذهبية، ومن ثم الصعود إلى أعلى البرج الرئيسي حيث تحوزين مشهدًا بانوراميًا لبراغ مدينة مئات الأبراج.
بيوت القصص الخرافية
لا تكتمل زيارة قلعة براغ من دون المرور في رواق الذهب الممتد على طول الجدران، وسوف تدهشين بطابعها الخلاب. سكن هذه البيوت الملونة، وفقًا للأسطورة، المشعوذون الذين عملوا مع الإمبراطور رودولف الثاني، الذي كان يحلم باكتشاف إكسير الشباب أو حجر الفلاسفة، فلم تنفعه شعوذاتهم وشاخ ورحل عن الحياة تاركًا وراءه الأساطير.
وإذا كنت من قارئات فرانز كافكا، لا تفوّتي المنزل الرقم 22 حيث عاش أديب براغ الشهير، وتعرفي إلى المكان الذي تفتقت فيه عبقريته، ربما ستبحثين عن أبطال روايته Metamorphose.
تيتيان والدمى تحت سقف واحد
قلعة براغ هي موطن الكنوز أيضًا إذ تضمّ العديد من المتاحف والمعارض التي يتمّ تنظيمها على مدار العام. تريدين أن تستمتعي بأعمال سادة الفن مثل تيتيان وروبنز؟ عليك زيارة معرض هرادو أوبرازارنا برازشكيو Hradu Obrazarna Prazskeho.
وإذا كنت ترغبين في إيقاظ الطفلة التي فيك، فعليك زيارة متحف الدمى. يمكنك تتويج زيارتك لقلعة براغ بالتجوال في إحدى حدائقها الغنّاء، أو عبور حفرة الغزلان، أو زيارة نوفي سفيت، حيث تقع على مقربة منها لوريتانسكي Loretanske... منطقة ساحرة تحتشد فيها البيوت الملوّنة التي تضم محترفات فناني براغ.
قصر نيوشفانشتاين Neuschwanstein في ولاية بافاريا الألمانية
في أيار/مايو عام 1886 كتب لويس الثاني ملك بافاريا إلى المؤلف الموسيقي والمسرحي الألماني ريتشارد فاغنر الأسطر التالية: «أنوي إعادة بناء قصر Hohenschwangau القديم بالقرب من مضيق بولا Pollat بنمط القلاع الألمانية القديمة، وأرغب في السكن فيه يومًا ما خلال ثلاث سنوات، أستمتع وضيوفي بالإطلالة الرائعة لقمة سولينغ Sauling على سلسلة تيرول وفوق السهل... والموقع كما تعلم هو من أجمل المواقع وأنقاها... ».
ثلاثة أفكار كانت كافية لتلهم البنّائين والمهندسين في تشييد هذا القصر التحفة، والذي استوحت ديزني منه قصة «الأميرة النائمة» فشيّدت قصرًا افتراضيًا في عالمها.
تقف قلعة نيوشفانشتاين على نتوء صخري على بعد 200 متر بالقرب من فوسين في ألغاو. وهي اليوم القلعة الأكثر شهرة في ألمانيا، وفي أوروبا.
يقصدها حوالى 1.4 مليون شخص في العام. يزورها في الصيف أكثر من 6000 زائر يوميًا، تخيلي سعة هذه القلعة الرحبة... كان يقطنها رجل واحد! هكذا هم الملوك؟
بُنيت القلعة على النمط الروماني المتأخر الذي يعود إلى بداية القرن الثالث عشر. سوف تلاحظين ذلك من خلال مجموعة الأبراج المشيّدة والزخرفات التي تزينها: البوّابات نصف الدائرية، وأقواس النوافذ والأبراج، ووضعية الأعمدة والكوّات الزجاجية وتيجان الركائز. أُنجزت الأعمال في أجنحة الملك السكنية في الطبقتين الثالثة والرابعة عام 1886.
تأخذك قاعة العرش المصممة على النمطين النيو – القوطي والنيو – البيزنطي إلى عالم ملوك أوروبا المترف بكل تفاصيله. يمكن القول إن القلعة هي مثال للعمارة الانتقائية في الحقبة الرومنطيقية. وهي مثال نموذجي من الصيرورة التاريخية في الهندسة المعمارية.
وما عليك إلا أن تجولي بين أجنحة هذه القلعة: جناح العرش، وغرف نوم الملك، وغرفة الطعام، ومحترف العمل والمطبخ، ولا تفوّتي صالة الموسيقى، التي تعكس شغف الملك بالموسيقى، وكيف لا! فأول من أسرّ له رغبته في بناء هذا القصر، هو الموسيقار فاغنر!
بعد زيارة القلعة وأجنحتها، لا بد من أن تشعري بالجوع، خصوصًا إذا ما مررت بغرفة الطعام الملكية. إذا لم يكن في إمكانك الجلوس إليها، فإن في إمكانك تناول الغداء في حضرة الحياة الملكية في الطبقة الثانية من القلعة حيث يوجد مقهى يمكنك الاسترخاء فيه وتناول ما لذّ وطاب.
قلعة تشامبورد في فرنسا حكاية كوخ الصيد الذي تحوّل إلى قلعة
أكبر قلاع منطقة لوار الفرنسية، تخيّلي أن هذه القلعة التي دخلت لائحة اليونيسكو للتراث العالمي عام 1981 كان بناؤها نتيجة هواية الملك فرانسوا الأوّل، الذي قرر بناء قلعة تشامبورد عام 1519 على الأراضي الرطبة، وعلى طول نهر Cosson ووسط الغابات الغنية ليكون مبنى كبيرًا وجميلاً ورائعًا ينبغي أن يسمح له بالانغماس في هواية الصيد.
أما تصميم القصر فيعود إلى دومينينكو دا كورتانا، ويقال إن ليوناردو دافنتشي شارك في التصميم أيضًا. فالملك فرانسوا الأول كان معجبًا إلى حد الشغف بفن المعمار الإيطالي.
نالت القلعة شهرتها بسبب عمارة عصر النهضة الفرنسية المميزة جدًا، والتي تمزج أنماط القرون الوسطى الفرنسية التقليدية مع هياكل النهضة الكلاسيكية.
بُنيت القلعة على نمط قلاع القرون الوسطى، مع بناء مربّع مركزي، وهو الحصن الرئيسي، تحيطه أربعة أبراج في كل زاوية. يتألف الحصن الرئيسي من خمس طبقات صُمّمت من الطراز نفسه، أربع شقق مربّعة قابلة للسكن، وأربع شقق في أبراج مستديرة. تضم القلعة- القصر 440 غرفة، و282 موقدًا، و 84 سلّمًا.
أربعة ممرات مقنطرة ومستطيلة في كل طبقة. وتصميمها الداخلي هو مثال مبكر على النمطين الفرنسي والإيطالي في جمع الغرف في أجنحة مستقلة، انطلاقًا من نمط القرون الوسطى في تصميم غرف الممرات. يقع الدرج اللولبي المزدوج في وسط المبنى، ويؤدي إلى الطبقة الأولى حيث الشقق التاريخية، والطبقة الثانية مخصّصة لأدوات الصيد وفنون الحياة البرية، وفيها شرفة واسعة.
استغرق بناء قلعة تشامبورد ثمانية وعشرين عامًا (1519-1547) أُدخلت خلالها تعديلات كثيرة وبشكل لافت.
وحين أُوشك على الانتهاء من بنائها، أراد الملك فرانسوا التفاخر والتباهي بثرائه وقوّته من خلال استضافة خصمه اللدود القديم، الامبراطور شارل الخامس. في أعقاب الثورة الفرنسية عام 1972، تم بيع بعض المفروشات.
بقيت القلعة مهجورة لفترة طويلة، وإن حصلت بعض محاولات الترميم في القرن التاسع عشر. وخلال الحرب العالمية الثانية، تم نقل الأعمال الفنية من مجموعات متحف اللوفر وقصر دي كومبيين إلى قلعة تشامبورد. لم يكن القصد من بناء هذه القلعة الدفاع عن المدينة، بل كما ذكرت، كان سبب بنائها في الأصل رغبة الملك في كوخ للصيد... مفارقة تاريخية ومزاجية.
بالتالي الجدران والأبراج والخندق الجزئي وبعض عناصر من الهندسة المعمارية - النوافذ المفتوحة، استوحيت من فن عمارة عصر النهضة الإيطالية في تشييد القصور.
كثيراً ما تقارن قلعة تشامبورد بأفق مدينة، إذ من بعيد يلوح أحد عشر نمطًا من الأبراج، وثلاثة أنواع من المداخن مؤطرة في زوايا الأبراج الضخمة. لاحظ الكاتب هنري جيمس هذه التفاصيل فكتب: «الأبراج والخيام، والفوانيس، والمداخن، تبدو مجموعة أبراج في مدينة وليس مبنى واحدًا».
السلالم اللولبية
تعتبر السلالم اللولبية من المعالم المعمارية المذهلة، والتي ساهمت في شهرة تشامبورد. ومبدأ هندستها بسيط، ومثير للدهشة: سلّمان في الاتجاه نفسه، ولكنهما لا يلتقيان أبدًا. إنه مبدأ أقليدس الهندسي.
وهكذا، يمكن أن تصعديها وتنزليها من دون أن تلتقي الناس الذين يشغلون السلّم الآخر. فقد جاءت مزدوجة لتشكل النقطة المحورية للقلعة.
تمتد السلالم اللولبية المزدوجة على الطبقات الثلاث يخترقها الضوء من أعلى نقطة في القصر. هناك من يقول إنها من تصميم ليوناردو دافينشي.
تمتد واجهة القصر على طول 128 مترًا، ويضم أكثر من 800 عمود منحوت، وله سقف أراده فرانسيس الأول أن يبدو وكأنه سماء القسطنطينية.
تحيط بالقصر حديقة مشجّرة مساحتها 52 كيلومترًا، فيها محمية الغزلان الحمراء، مسيّجة بسور طوله 31 كيلومترًا وجاءت خطة الملك لتحويل نهر اللوار لتطويق القصر، فبدا وكأنه يقف في جزيرة برية.