«جدران الخوف» تعود مسلحة في دمشق
المدينة نيوز-: عادت «جدران الخوف» مدعومة بالسلاح إلى مناطق «سورية المفيدة» وخصوصاً في دمشق، ليس فقط من الأجهزة الأمنية وحسب، بل من عناصر «قوات الدفاع الوطني» والميليشيات السورية وغير السورية، إضافة إلى ظهور شبكات من «الحرس الجديد» الذي اكتسب شرعيته وسلطته من الحرب والقتال… ويبدو بعض أفراده أكثر أيديولوجية وتطرفاً من «الحرس القديم» الذي كان يعتبر أفراده بدورهم «حرساً جديداً» لدى تسلّم الرئيس بشار الأسد الحكم قبل ١٦ سنة.
يروي صحافيون غربيون بعد زيارة دمشق بدعوة من «الجمعية البريطانية- السورية» للمشاركة في ندوة، وجود «فجوة كبيرة» بين ما أراد المسؤولون السوريون قوله وواقع الحال. وقال أحد الصحافيين: «أبلغنا مسؤولون وجود اتجاه للانفتاح الإعلامي والسياسي وطي صفحة الماضي وأنهم مستعدون لتحمل النقد، لكن عندما خرجنا من قاعة المحاضرات إلى الشارع وحاولنا لقاء بعض الشخصيات المعارضة فوجئنا أن العكس هو الصحيح، بل أسوأ مما كان قبل ٢٠١١». وأضاف أن عدد المثقفين والسياسيين المعارضين تلاشى، إضافة إلى أن «الموجودين على قلتهم وجدنا صعوبة بالتواصل معهم. وعندما التقينا بعضهم كان واضحاً أنهم مراقبون من قرب لضبط ما يمكن قوله»،وفق الحياة اللندنية".
وبحسب ديبلوماسيين غربيين يزورون دمشق، ينتشر في العاصمة السورية حوالى ١٤٠ حاجزاً تابعاً للجيش وأجهزة الأمن و «قوات الدفاع الوطني». ويعتبر بعضها أساسياً في تفتيش السيارات والأشخاص. الجديد وجود أجهزة كمبيوتر متطورة جداً قادرة على مسح المعطيات من بطاقات الهوية والتأكد من جميع مراكز المعلومات لدى النظام من معطيات صاحب الهوية وما إذا كان مطلوباً اعتقاله أو سحبه إلى الخدمة الإلزامية في الجيش.
يضاف إلى ذلك، انتشار ظاهر السلاح الفردي والثقيل في أيدي الشباب وعلى خصورهم وفي سيارات فارهة. ولا تخلو سهرات نهاية الأسبوع في دمشق القديمة من «معارك مسلحة» بين الموالين للنظام، قد يُستخدم في بعضها سلاح ثقيل أو أسلحة رادعة موجودة خارج المحلات التي تعج بآلاف الأشخاص ومئات «بائعات الهوى» في نهاية كل أسبوع.
هؤلاء يعيشون ليلاً في عالمهم غير ما يعيشه مئات الآلاف وربما ملايين النازحين والفقراء في دمشق وشوارعها وحدائقها ومدارسها. حيث يركضون وراء لقمة العيش ومواجهة ضيق الحياة المعيشية.
وزاد انقطاع الكهرباء، بما في ذلك في «المنطقة الخضراء» التي تضم الأحياء الراقية ومنازل المسؤولين ومؤسسات رسمية، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الرئيسية جراء انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي (٥٠٠ ليرة للدولار) وفرض إجراءات صارمة في كيفية تصريف وسحب المدخرات من المصارف العامة والخاصة.
وساهم ذلك بانتشار «أمراء الحرب» وحصول انقلاب في الشرائح الاجتماعية، لصالح بروز «حرس جديد» من رجال الأعمال بنى ثروة طائلة في السنوات الأخيرة بشكل سريع من دون أن يحمل قيماً أخلاقية للانتقال من طبقة إلى أخرى، ويرى الآن أن مصلحته في استمرار الحرب، إضافة إلى انتشار مستفيدين من تأجيل الشباب عن الذهاب إلى الخدمة العسكرية الإلزامية التي يحض المسؤولون السوريون عليها لملء فراغ التراجع في عديد الجيش السوري وارتفاع نسبة القتلى في المعارك. وتحدث زوار لدمشق عن انتشار ظاهرة الرشى على حواجز التفتيش، أحدها يسمى «حاجز المليونين»، والمرور عبره يكلف مبالغ طائلة لأنه يؤدي إلى سوق استهلاكية رئيسية، فيما يسمى آخر بـ «حاجز الألف» لأنه يؤدي الى محلات السهر. كما عادت ظاهرة الخطف وارتفاع نسبة الجريمة في شوارع دمشق ومناطق أخرى، بحيث تحولت إلى نوع من أنواع «التجارة» ومصدر الثروة.
ويتحدث خبراء عن تشابكات بين قوى «الحرس الجديد» من رجال أعمال وجيش وأمن، إضافة إلى بروز مراكز جديدة للقوة. قال أحدهم: «لا يزال النظام القوى الرئيسية، لكن هناك مراكز أخرى محلية ومستوردة في دمشق ومناطق سورية المفيدة». ولوحظ أيضاً تداخل أو تنافر العلاقات بين القوى النظامية ومراكز القوى الإيرانية وغرفة العمليات والإمداد اليومي الآتي إلى مطار دمشق الذي يشرف عليه الجانب الإيراني، إضافة إلى بدء بعض قادة «قوات الدفاع الوطني» في طرطوس واللاذقية بنسج علاقات ومصلحة مع قادة القاعدة العسكرية الروسية في حميميم في اللاذقية. وتمكن ملاحظة زيادة نفوذ إيران و «حزب الله» في دمشق وريفها من مطار دمشق إلى حدود لبنان، مقابل تعاظم حضور روسيا في طرطوس واللاذقية باتجاه حلب.
ومع تداخل عوامل الخوف والفوضى وتعدد مراكز القوة وصعوبة الحياة المعيشية، يأتي سقوط قذائف من مناطق المعارضة على أحياء مدنية في العاصمة في شكل عشوائي. هنا أمام هذا التراكم لا يجد كثيرون مفراً من الهجرة والخروج. ولوحظ في الأسابيع الماضية خروج موالين للنظام إلى بيروت ودول أخرى لـ «بدء حياة جديد من دون القطع مع دمشق» وخروج مثقفين وسياسيين معروفين بصلابتهم وعنادهم إلى دول غربية. ونقل صحافي غربي عن أحد الخارجين قوله: «بت أخاف من رؤية تعليقات كتبتها على صفحة فايسبوك قبل سنتين أو ثلاث. وصرت التفت حولي الشارع من الخوف. كنا نعرف قواعد اللعبة مع النظام الذي تشدد، خصوصاً حرسه الجديد. الآن هناك لاعبون كثر ورؤوس عدة ليسوا تحت سيطرة مطلقة للنظام. الأمور تغيرت وارتفعت جدران الخوف إلى حد لا يمكن تعوده أو التعايش معه… والهامش ضاق جداً، إلى حد الانعدام»، إضافة إلى أن المتبقي في دمشق يجب عليه أن يمضي وقته بأمور يومين تتعلق بالعيش والأكل والكهرباء… وليس بالأحلام الوردية الكبيرة التي طرحت في ٢٠١١.
وتحرص الحكومة على إبقاء الشرايين الاقتصادية والخدمية إلى مناطق المعارضة وتشغيل مؤسسات الدولة بما فيها إشارات المرور في دمشق... للإيحاء أن كل شيء على ما يرام.