العرض المسرحي الفلسطيني "هزبرة" يكشف اساليب الدعاية الاسرائيلية بقلب الحقائق
المدينة نيوز:- نهض العرض المسرحي الفلسطيني "هزبرة" تأليف واخراج ميرنا سخلة، والذي عرض مساء امس الثلاثاء على المسرح الرئيس بالمركز الثقافي الملكي، على اداء فريق التمثيل العالي والذي اقنع الجمهور بواقعية الشخصيات ودفعه الى التأمل والتفكير.
العرض المسرحي الذي جاء ضمن مهرجان الاردن المسرحي في دورته 23، لبى شروط المدرسة "البريختية" من خلال المزج بين التحريض السياسي وبين السخرية الكوميدية، وتعدد الشخصيات والمشاهد، وسرعة تحولها، وبروز تقنية المسرحية داخل المسرحية، وطرح قضية تستهدف تنبيه الجمهور والمتلقي وإثارته، ودفعه إلى إثارة الواقع من خلال المؤثرات السمعية والبصرية، عاين في ثيمته الرئيسة اساليب الدعاية الاسرائيلية في قلب الحقائق وتوظيف كل العوامل المختلفة لصالح دولة الاحتلال، علاوة على سرقة مختلف عناصر الثقافة العربية الفلسطينية ونسبتها لها ولاسيما امام الرأي العام الدولي.
العرض الذي لم يخل من الكوميديا الخفيفة مع دمج التوثيق فيه، يستهل مشهده الاول مستلهما الحكاية الكلاسيكية العالمية "بياض الثلج" حيث تتموضع وقوفا بملابس عصرية شخصية الملكة التي ادتها الفنانة فاتن خوري باقتدار في مواجهة ما يشبه بوابة او مدخل كجزء من كتلة ديكورية تموضعت في منتصف خشبة المسرح اقرب الى عمق المسرح وتعلوها شاشة تلفاز، وتعبر بوصفها اطارا عموديا عن مرآة تقف خلفه مباشرة شخصية رجل بوصفه حارس تلك المرآة وادى شخصيتها بتميز الفنان نقولا زرينة في الوقت الذي لا تكل فيه شخصية الملكة التي استهلت ببرولوغ تمجد فيه ذاتها، عن طرح الاسئلة على شخصية الحارس لياخذ هذا الحوار شكل الديالوج يتمثل فحواه بمن هو افضل منها مع مراعة توظيف مفردات واسقاطات تلبي الزمن الراهن في محاكاة لديالوج الملكة الشريرة والمرآة السحرية في حكاية "بياض الثلج" الكلاسيكية.
يتحدث العرض، الذي يحمل اسم "هزبرة" وبالعبرية "هاسبارا" وتعني التفسير او الشرح، عن شخصية الملكة المركبة ومتعددة الأوجه ما بين شخصية تعد نفسها الضحية والمظلومة، والشخصية الصارمة القوية التي تقتل وتسرق وتهدم وتدمر باسم الحرية والسلام والأمان والديمقراطية في استعارة عن "دولة اسرائيل" التي تسعى لتجميل نفسها وظهورها بالمظهر الافضل في كل شيء امام الناس/الرأي العام العالمي رغم ما تمتلكه من قبح فيما حارس المرآة الذي يمثل الحكومات الاسرائيلية واجهزتها ولوبياتها، يعرض المساعدة عليها لتجميل هذه الصورة القبيحة عنها من خلال تدريبها على قلب الحقائق في المؤتمرات الدولية والصحفية علاوة على اختلاق مختلف وسائل الدعاية والترويج والتلفيق والتضليل منها تمثل عناصر الثقافة والتراث والهوية الفلسطينية بوصفها من عناصر دولة اسرائيل وثقافتها وتراثها وفي المقابل تشويه صورة الفلسطيني، الا انه رغم كل هذه المحاولات التي تسعى من خلال هذه السرقات والانتحالات للثقافة العربية الفلسطينية تنتج في المشهد الختامي تمثلا للهوية الفلسطينية التي تكشف في المشهد الاخير فيه عن "الملكة/دولة اسرائيل" بالشخصية متمثلة بالحطة والثوب الفلسطينيين، كناية عن ان الهوية الفلسطينية راسخة مهما حاولت اسرائيل ان تنتحل منها لنفسها ستبقى الثقافة والهوية الفلسطينية حاضرة.
ورغم غياب المدلولات عن لوحة الاداء الحركي التي تعبر عن صراع بالأيدي "ملاكمة" بين الملكة/دولة اسرائيل، والحارس/الحكومات والاجهزة الاسرائيلية وبدا مقحما مع نجاح نسبي لميزانسين العرض حيث المساحة الشاغرة غالبا للجانب الايسر من الخشبة، الا ان الاداء التمثيلي في العرض الذي كثفت لوحاته التوثيقية لممارسات اسرائيل وجرائمها، جاء موفقا لفريق التمثيل الذي شارك فيه اسامة الجابري في اكثر من شخصية عالمية وربيع حنيني في شخصية الجندي "يوسي" ممثلا للجيش الاسرائيلي الذي يقوم بمختلف صنوف القتل والتدمير دون وازع انساني او اخلاقي.
وفقت المخرجة في توظيف عدد من عناصر السينوغرافيا ولاسيما استخدام العرض البصري من خلال شاشتي تلفزيون علت احداها منضدة تحيط بها كراسي صغيرة خشبية تموضعت على يمين منتصف الخشبة، والكتلة الديكورية التي تموضعت في عمق الخشبة انتصفها "إطار المرآة/البوابة" الذي تم توظيفه بوصفه مرآة في مستهل العرض ومن ثم بوابة تدخل منها شخصية الملكة/دولة اسرائيل الى الخشبة فقط فيما باقي الشخصيات تدخل من يسار ويمين الخشبة تبعا لسياقا المشاهد علاوة على الازياء والاكسسوارات، في الوقت الذي لم تكن الاضاءة تؤدي دورا حاسما وعميقا في العرض.
ورغم الخطاب المباشر، جاء النصان، المنطوق بين الفصحى والمحكية، وغير المنطوق من خلال العرض البصري، معبرا عن ثيمة العرض بمختلف تفاصيله وبمحمولاتهما، عن القضية الفلسطينية والادبيات الاسرائيلية وحفز الجمهور والمتلقي الى مزيد من التأمل والتفكير واثارة الجدل الذهني حول العرض (بترا).