"بارانويا" مسرحية تنكأ جراحات روح المرأة في مواجهة الرجل المنتهك لانسانيتها
المدينة نيوز:- نكأ العرض المسرحي المونودرامي "بارانويا" اخراج محسن حلمي وتأليف رشا فلتس، جراحات روح المرأة في مواجهة الرجل المنتهك لانسانيتها بفعل سلوكياته تجاهها والمتمثلة بتشيئها كوعاة لرغباته واضطهاده لها.
العرض المونودرامي الذي إتكأ على التجريب وقدم مساء امس الثلاثاء على المسرح الدائري بالمركز الثقافي الملكي في عمان ضمن مهرجان الاردن المسرحي في دورته 23، يستهل مشاهده بمؤثر موسيقي بايقاع سريع ومرتفع في الوقت الذي تكشف الاضاءة تدريجيا عن شخصية إمرأة تؤدي دورها الفنانة ريم السيد، تتموضع نائمة على اريكة مزدوجة استقرت على يمين مقدمة الخشبة في مواجهة الصالة ويتموضع على يمينها اريكة مفردة اخرى تتجه الى اليسار.
في العرض الذي يطرح الاضطرابات النفسية لإمرأة نتيجة تعرضها للمعاناة من ظلم وعنف وقهر نفسي وتمييز جنسي وانتهاك لجسدها وكرامتها، ما سبب لها حالة نفسية "البرانويا"، ومع تصاعد وتيرة المؤثر الموسيقي تُسلط اضاءة علوية حمراء شعاعها على مجسمات لتكشف عن 4 اشكال مشوهة لدمى بوصفها اشباح لكائنات مرعبة وخيالات مزعجة وهواجس تسيطر عليها وتعيشها شخصية المرأة لينطلق بالموازة مع دوران الاشكال، مؤثر صوتي لرجل يقول "ساسكنك حتى امحوك".
ويتحدث العرض عن تعرض المرأة لأزمات نفسية في ثلاث مراحل فاصلة في حياتها، اوصلتها إلى حالة مرضية "البارانويا" النفسية الذي يمثل الهذيان او جنون الارتياب او أفكار يعتنقها المريض ويؤمن إيمانا وثيقا بتعرضه للاضطهاد أو الملاحقة ويفسر سلوك الآخرين تفسيرا يتسق وهذا الاعتقاد، وتمثلت تلك المراحل العمرية بالاولى منها في طفولتها المبكرة في سن الرابعة حيث واجهت الموت لاول حين وضعت في مواجهة جثمان جدتها التي كانت تحبها وتعطف عليها وتشعرها بالامان، وفي مرحلة الثانية جاءت سنوات المراهقة وما تعرضت له من محاولة التحرش بها من احد أقربائها، فيما جاءت المرحلة الاخيرة في سن النضوج وعلاقة الرجل الدونية معها دون الالتفات الى ما تحمله المرأة من صفات تتجاوز الجسد، ما سبب لها صراعات نفسية، كانت توشك أن تودي بها إلى الانتحار.
وفقت المخرجة بأن تبرز تلك المراحل الثلاث من خلال تغيير الفنانة السيد أزيائها المختلفة وفقا للمرحلة العمرية، فيما جاء الاداء التمثيلي والصوتي في النص المنطوق للفنانة السيد متفاوتا إذ غابت احيانا مخارج الحروف وخروجها من الحالة الانفعالية والعصبية في بعض المشاهد ما ادى الى حالة هبوط في الايقاع الحسي، إلا أن الاداء الحركي الدلالي للممثلة التي هي خريجة المعهد العالي للباليه، بالإضافة إلى دراستها لفن الرقص المعاصر، والذي مثل تعبيرا عن الحالة النفسية والمواقف التي تعرضت لها، جاء متقنا عاكسا تمكنها من القدرة على تطويع جسدها ليكون حاملا لمضامين المشاهد.
النص المنطوق جاء بين الفصحى والمحكية المصرية من خلال الممثلة والمؤثر الصوتي الذكوري الذي جاء في ديالوجاته ومونولوجاته على شكلين احدهما يتساوق مع مفردات المجسمات المرعبة التي كانت تضاء باللون الاحمر مع دورانها، معبرا عن شخصية الرجل الذي أساء لها، فيما الاخر الذي عبرت عنه الاضاءة البيضاء المستديرة كالبدر وسقطت على الجانب العلوي الايمن من ستارة مثبتة في عمق الخشبة على السيكوراما وظللتها اضاء علوية باللون الازرق، مثل صوت من السماء يشد من أزرها ويمنحها السكينة، وساهم "البوديوم" المتموضع في منتصف عمق الخشبة والمائل في مواجهة الصالة، لتعزيز هذه الفكرة والتعبير عن حالة الصعود والارتقاء لاسيما وانها في محاولاتها للانتحار كانت تقترب وتصعد جزء منه وتعود، ليختتم العرض بصعودها اليه (بترا).