مدحت المحمود الخروج الذكي
في الصيف كما تقول فيروز،، حين تنقطع إمدادات الماء والكهرباء، ويتوتر الجو العام، ويفقد العراقيون أعصابهم، ويخرجون الى ساحة التحرير في بغداد، عدا عن الذين يتظاهرون في بعض الساحات في المدن الكبرى كالبصرة في الجنوب يتحول المشهد الى دراما عالية تشرح معاناة شعب، وتغافل فئة سياسية منحطة عن معاناته تلك.
المدنيون، ونوع من الإسلاميين، عدا عن الذين يتشكلون تبعا للأجواء السائدة يتظاهرون عادة مشترطين إقالة هذا المسؤول، أو ذاك، ويطالبون برأسه في بعض الأحيان، وتتصاعد شتائمهم المبللة بعرق أجسادهم التي يضربها حر الصيف الذي لايتماشى، وكلمات فيروز، بل ربما تصاعد حدة مع وقع غناء عفيفة إسكندر التي تغني، يايمه إنطيني الدربيل
دا أنظر حبي وأشوفه
لابس عبا شغل الدير
تبرج مابين كتوفه
كان رأس مدحت المحمود رئيس مجلس القضاء الأعلى المنتهية ولايته مطلوبا من الجميع، لكنه لم يحرك ساكنا، وكان يرد بالصمت، ويهدأ كلما تصاعدت الإحتجاجات، وعلت الأصوات، ورميت عليه أصناف الشتائم، فهو بحسب المتظاهرين شريك في كل ماجرى على الشعب العراقي من ويلات لأنه تواطأ مع المجموعات السياسية، وكان قريبا من الرئاسات الثلاث، وتماشى مع ميول وأهداف وغايات الكتل السياسية الكبرى والزعامات المتصدرة للمشهد السياسي، وكل ذلك بحسب المتظاهرين والمطالبين بإقالته بإعتبار أن مجلس القضاء الأعلى كان متهما بشخص المحمود بوصفه شريكا للسياسيين، لارقيبا عليهم ومحاسبا لهم.
ماذا لو إستجاب المحمود لمطالب المتظاهرين، وأعلن إستقالته في حينه، وعندما كان لهيب الصيف محفزا للغضب الشعبي؟ لاأظن أن أحد سيرضى أن يتركه لشأنه، وأقل المطالب حدة ستركز على محاكمته ومحاسبته، بالطبع دون تحديد تلك التهم، وليس واضحا ماإذا كان سيحاكم بالفعل وهو أمر مستبعد، لكن خروج المحمود هذه الأيام مع موجة البرد والحرب في الموصل والنزاع السياسي والمؤتمرات الإستعراضية سيجعله في مأمن، ولن يتعرض الى الضغوط، وسيذهب الى بيته بهدوء، وربما سيغادر الى بلد ما، فالرجل كغيره من المسؤولين العراقيين لايمكن أن يخرج خالي الوفاض، فجميع المناصب العليا في الدولة العراقية يترتب عليها مبالغ خيالية مقابل مايحصل عليه الناس العاديون، ومعظم هولاء المسؤولين يحصلون على مرتبات عالية.
هو خروج ذكي وآمن في كل الأحول، مبروك.