ميلانيا ترامب.. السيدة الأولى لأميركا الأكثر جدلاً
المدينة نيوز :- حين يستضيف دونالد ترامب رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، في منتَجعه الخاص مار إيه لاغو في مدينة بالم بيتش، بولاية فلوريدا الأميركية، في عُطلة هذا الأسبوع، ستُثير هذه الزيارة التعجُّب، ولا يقتصر هذا التعجُّب على التضارب الواضح في المصالح بسبب استضافة زيارة رسمية في إحدى الممتلكات الأساسية لترامب، بل هناك تعجُّب أيضاً من وجود قرينتي الرئيسين بين الحاضرين في هذه الزيارة.
في غضون ثلاثة أسابيع، منذ أن تولَّى ترامب رئاسة أقوى دولة في العالَم، أكَّدت زوجته، ميلانيا، أنَّها تستحق منصب قرينة الرئيس بطُرُق محيِّرة تماماً كالتي ينتهجها ترامب. وأظهرت ميلانيا قدرةً متساويةً مع قدرة زوجها على إرباك الناس وإصابتهم بالحيرة دون بذلِ أدنى جهد، وذلك مع فارِق مُهم وحيد بينهما يتمثل في سعي ترامب ليكون محط أنظار العالَم، بينما بقيت ميلانيا في مُعظم الأحيان بعيدةً عن الأضواء، وذلك وفقاً لتقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.
وسيشهد منتجع مار إيه لاغو ظهور ميلانيا الرسمي لأول مرة بصفتها سيدة أولى، منذ ظهورها اللافت في حفل التنصيب، حين أعادت السيدة الراحلة جاكي كينيدي إلى الأذهان. ومنذ هذه البداية القوية، اختفت ميلانيا فعلياً من المشهد وتلاشت داخل ردهات بُرج ترامب، حيث يصُم صمتها الآذان تماماً كما يفعل نباح زوجها.
وبالنسبة لموقع تويتر، الذي يُعَد سمةً مميِّزةً لرئاسة ترامب حتى الآن، فعلى عكس ترامب الذي ينشر تغريداته طوال الوقت حرفياً، يبدو حساب ميلانيا على تويتر، FLOTUS@، والذي يحظى بمتابعة 7 ملايين شخص، هادئاً هدوءاً غريباً، خاوياً إلا من تغريدةٍ واحدةٍ منذ يومٍ من حفل التنصيب.
ذَكَرت ميلانيا في هذه التغريدة أنَّها "تتشرف جداً" بخدمة الشعب من منصب السيدة الأولى. ولكن إذا كان ذلك حقيقياً، فأين اختفت ميلانيا؟
في الأسبوع الماضي، حين قام ترامب بزيارةٍ غير مُعلَنة إلى قاعدة دوفر الجوية الأميركية لاستقبال جثمان أحد أفراد وحدة "سيل" بالقوات الخاصة البحرية، والذي قُتِل في اليمن، كانت ابنته، إيفانكا، هي التي بصحبته وليست زوجته. ليس ذلك غريباً في حد ذاته، إذ انتقلت إيفانكا ترامب مع زوجها جاريد كوشنر إلى واشنطن لتكون بصُحبة والدها، بينما بقيت ميلانيا في نيويورك مع ابنهما بارون، البالغ من العمر 10 أعوام.
حاولت بعض السيدات اللاتي شغلن منصب السيدة الأولى في الماضي التخفيف من معاناة لعب دور قرينة الرئيس المتملقة، وذلك بتقليل أدوارهن الرسمية، ولعل أبرز مثال على ذلك هي بيس ترومان، السيدة الأولى في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، إذ كانت بيس تقضي أقل وقتٍ ممكن داخل أروقة البيت الأبيض. ولكن لم يكن هناك على الإطلاق أي سيدة أولى قليلة الظهور مثل ميلانيا ترامب.
وفي هذا الصدد، تحدَّث الدكتور جان هاريس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سكرانتون بولاية بنسلفانيا، الذي درس تطوُّر مكانة السيدة الأولى قائلاً: "هذا الأمر فريدٌ من نوعه، مثل الكثير من الأمور في هذه الفترة الرئاسية. العقل في حيرة حقيقية بسبب ما يحدث، إنَّها تتحدى أحد التقاليد الأميركية".
قد تكون ميلانيا غائبةً عن الظهور، ولكنَّها ليست خاملةً تماماً. ففي يوم الإثنين 6 فبراير/شباط، أذهلت ميلانيا المُتابعين بإعادة تحريك نزاعٍ قضائي ضد صحيفة دايلي مايل البريطانية للمطالبة بتعويض قدره 150 مليون دولار عن التشهير بسُمعتها، وهو تصرفٌ غير متوقع في حد ذاته من شخصية تشغل مكانة السيدة الأولى.
والأعجب من ذلك، فيما يخص هذه الدعوى القضائية، أنَّها أوردت في حيثيات الدعوى اعتراضها على مقالةٍ نشرتها صحيفة دايلي مايل في أغسطس/آب عام 2016 لإساءتها لسُمعة ميلانيا. استاءت ميلانيا بالتأكيد مما زعمت أنَّه جاء في الصحيفة، وهو أنَّها حين عملت عارضةً في بداية مشوارها المهني تورطت في العمل "كرفيقة جنسية لصالح النُّخبة".
ولكنَّها بعد ذلك واصلت ندب حظها فيما يتعلق بالضرر الذي سببته صحيفة دايلي مايل "لفرصتها الفريدة، التي لا تأتي سوى مرة واحدة في العمر، لإطلاق علامة تجارية واسعة الانتشار، وتستمر لعدة أعوامٍ تكون خلالها (ميلانيا) واحدةً من أكثر النساء اللاتي تُلتَقط لهن الصور الفوتوغرافية في العالَم". ولم توضِّح ميلانيا إذا ما كانت "فترة" حملتها التجارية ستتزامن مع فترة زوجها الرئاسية أو فترتيه الرئاسيتين داخل البيت الأبيض، ولكنَّها تركت ذلك لخيال المتابعين.
إذاً، كيف سيُفسِّر الشعب الأميركي هذا المزيج المُحيِّر بين عدم ظهور ميلانيا، وانتهازها للفُرَص التجارية؟ اتخذت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية موقفاً مُتزمِّتاً إلى حدٍّ ما في الإجابة عن هذا اللُّغز، واعظةً بأنَّ غياب ميلانيا يُزيد "التساؤلات حول دورها" وألقى بظلالِ الشكِّ على فعاليات التقليد السنوي لدحرجة البيض في عيد الفصح السنوي في البيت الأبيض (ترمز هذه الفعاليات لدحرجة الحجر عن قبر السيد المسيح).
وهناك رأيٌ آخر قد يقترح، ونحن في 2017، أنَّه لا بد أن يكون مُتاحاً لسيدةٍ ناجحةٍ وطموحةٍ أن تَظَل مستقلةً. وأولاً وأخيراً، لم تكن ميلانيا هي من سعت خلف منصبٍ رسمي.
وفي هذا الصدد، تتحدث الأستاذة الجامعية كاترين سيبلي، الخبيرة في مجال الشؤون الرئاسية بجامعة سانت جوزيف قائلةً: "لم أسمع ميلانيا إلى الآن تتبنى موقفاً مُدافعاً عن حقوق المرأة في أيٍّ من أفعالها، ولكنَّها قد تشعر بأنَّ دورها كسيدةٍ أولى، الذي لا تتقاضى عليه أجراً، يُقيِّدها وهي تريد التركيز على حياتها المهنية".
يتمثل السؤال الأهم الآن في وَقع هذا الأمر بين جمهور الناخبين الأميركيين. جاء مؤيدو ترامب به إلى البيت الأبيض من أجل التغيير، ولكن هل كان هذا هو التغيير الذي يطمح إليه مؤيدوه، ومن بينهم العديد من أفراد الطبقة البيضاء العاملة، وذوي الاتجاهات المُحافِظة الذين يعيشون في المقاطعات الرئيسية بأميركا؟
يتشكَّك جان هاريس في ذلك قائلاً: "لا أظن أنَّ الأميركيين مُستعدون لأن تكون سيدتهم الأولى من النوع الذي أظهرته ميلانيا حتى الآن. إذ لا تزال لديهم التوقعات التقليدية بأنَّه يجب على السيدة الأولى الوقوف بجوار زوجها لتُسانده، وإقامة أسرة متحابة، فهذه هي الصورة المثالية لدى الشعب الأميركي".
كان من الضروري على قرينات الرؤساء في الماضي أن يُرسخن صورتهن في الأذهان. حاولت هيلاري كلينتون أن تكون عُضوةً ناشطةً داخل إدارة بيل كلينتون في مطلع العِقد الأخير من القرن العشرين، وذلك بتولِّيها شؤون إصلاح الرعاية الصحية. ولكن حين فشل هذا الأمر، وتعرضت هيلاري للانتقادات بسبب مبالغتها في محاولة ترك بصمتها، كَبَحت جِماح طموحها وعادت إلى ممارسة دورها التقليدي.
ولكن ميلانيا سارت في الاتجاه المعاكس، واختارت أن تلعب دوراً أقل من سابقاتها اللاتي ناصَرن بعض القضايا، مثل سعي باربرا بوش لمحو الأمية، وحملة ميشيل أوباما لمكافحة السِّمنة المُفرطة. وقالت السيدة الأولى الجديدة إنَّها تريد مكافحة التسلُّط الإلكتروني، ولكنَّ موقع Mother Jones أشار إلى عدم وجود أدلة تقريباً عن قيام ميلانيا بأي أنشطة في هذا الصدد. وسخر الآخرون من العلاقة بين القضية التي اختارتها وبين عادة زوجها في كتابة تغريدات متكررة وعدوانية في أغلب الأحيان ضد أشخاصٍ بعينهم.
بدأت ميلانيا ترامب، وإن جاء ذلك متأخراً بعض الشيء، في تشكيل فريق للجناح الشرقي. إذ عيَّنت رئيساً للفريق، وكبيراً للمستشارين، وأضافت هذا الأسبوع سكرتيرتها الاجتماعية الجديدة، أنّا لويد.
في المؤتمر الصحفي الذي أعلن عن تعيين أنّا لويد، ذَكَر البيت الأبيض عدداً من الوظائف التقليدية التي ستُشرف عليها أنّا، ومن بينها العشاءات الرسمية، وأحداث قائمة المناسبات الاجتماعية "ومبادرات السيدة الأولى" التي لم تُحدد بعد. وأعربت ميلانيا بنفسها وبلهجةٍ أكثر وضوحاً، عن سعيها إلى إحضار "أفكارها وتقاليدها لإضفاء جوٍ مُمتعٍ في البيت الأبيض الأميركي، بيتها الجديد" على حد قولها.
ربما قصدت ذلك بالفعل، وأنَّ البيت الأبيض سيكون بيتها عمّا قريب، وأن اللغز الخاص بميلانيا ترامب سيتبدَّد سريعاً، وينتهي المطاف بميلانيا وهي تُمارس الأدوار التقليدية للسيدة الأولى. ولكن في ظل قِلة الأشياء التقليدية داخل عالَم الرئيس ترامب، يجب أن تُساورك الشكوك حيال ذلك. هافينغتون بوست عربي