جنيف 4 تحت المجهر ..
مؤتمر جنيف 4 المزمع أنعقاده في موعده المقرر في 23 شباط الجاري يرتدي نفس معطف المؤتمرات السابقة ، وسيراوح في مكانه بالنسبة لتحقيق الأهداف المرجوة منه والأمال المعلقة من قبل السوريين على أبواب القاعة التي ستشهد العرض المسرحي السياسي المرتقب .
وجميع المؤشرات والمعطيات ترجح كفة الأسد على خصومه المختلفين على تشكيلة الوفد المتفقين على أستحالة نسف نقاط الأختلاف مهما كلف الأمر ، وقد توسعنا وتبحرنا في حجم هوة الخلاف بين المنصات المعارضة وضمن مقال (الثورة السورية تقتل بأيدي مفاوضيها ) بتاريخ 14 فبراير . ولكي نزيد في قصيدة الهجاء شطرا جديدا فلم تتوصل إلى تاريخ كتابة هذا المقال قوى المعارضة السورية إلى مدخل يرضي جميع الأطراف ، وبمعنى أدق فأن الجيش الدبلوماسي المعارض المواجه لجيش الجفري الأسدي سيدخل المعركة ونظرات التخوين ومشاعر الأمتعاض تغزو صفوفه ، وسوف يتم أستكمال البحث في عقدة تشكيل الوفد الموحد في لقاء يجمع لافروف ودي ميستورا في ميونيخ على هامش اعمال المؤتمر الدولي للأمن حول تلك المعضلة .
وللتعمق أكثر في تفاصيل المؤتمر و حول أعتقادي بأنه يصب في مصلحة الأسد (مع الحفاظ على عدم تحقيقه النصر ) يجب علينا أن نذكر الأحداث والنقاط الهامة التي تسبق هذا المؤتمر .
ولنبدأ بأجتماعات الأستانة والتي كانت شرارة أنطلاق جنيف 4 وكما نوه لذلك دي متسورا المبعوث الأممي بأمله العميق بأن تشكل تلك الأجتماعات نقطة تحول تؤدي إلى بتر أذرع الخلاف بين الفصيلين المتناحرين ، كما وأكد وزير خارجية كازاخستان خيرات عبد الرحمنوف أن أجتماع أستانة يعتبر مؤسسا لمفاوضات جنيف وأنه منصة لإطلاق حوار مباشر بين نظام الأسد والمعارضة وفق قرار مجلس الأمن 2254 ، ولكن ماهي نتائج أجتماعات الأستانة
حول سوريا ؟؟ تلخصت النتائج بأعلان روسي تركي إيراني بالتشديد على تثبيت وقف اطلاق النار على كافة الأراضي السورية. والإتفاق تضمن اعتماد آلية ثلاثية لمراقبة التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار في سوريا وضمانه ، وقال المتحدث بأسم وفد المعارضة السورية إن المعارضة لا تعتزم التوقيع على أي إعلان في مفاوضات أستانة، وكما أبدت المعارضة السورية تحفظات على الدور الإيراني ، نقاط القوة بالنسبة للأسد في أجتماعات الأستانة عديدة ومنها ...
١- بأن الأجتماع تم عقده ضمن الملعب الروسي ( الحليف القوي لمعسكر الأسد )
في العاصمة الكازاخستانية (أستانة) ووفق الشروط الروسية التي تمتهن سياسة الحفاظ على الأسد بشتى الطرق
2- قرار تثبيت وقف أطلاق النار تم أختراقه مرات عديدة من قبل قوات الأسد وحلفائه
3- مشاركة إيران ضمن تلك الأجتماعات وأرغام المعارضة من خلال الضغوط التركية على التواجد تعتبر صفعة قوية للمعارضة رغم تحفظها على مشاركة الجانب الإيراني !!
٤ - مشاركة اللاعب التركي لم تعزز موقف المعارضة في الأجتماعات ولم تشكل عائق بالنسبة لوفد الأسد .
وبأختصار شديد أن جولات أجتماعات الأستانة أبرزت ضعف المعارضة السورية وبأنها شوكة المعارضة قابلة للتطويع متى أراد لها الراعي الرسمي بذلك ، ولم تخرج المعارضة من تلك الأجتماعات لابناقة ولابجمل !! بل على العكس فهي لم تحصل أي شيء ، فقد طلب الوفد المعارض الأفراج عن ألاف المعتقلين في السجون السورية ليبادره الروس بتقديم أسماء مئة معتقل فقط لدى النظام للإفراج عنهم !!!
وبأعتقادي بأن الحدث الأهم بالنسبة لجنيف 4 والذي حدد مسار المؤتمر وخط بيانه الأنتخابي
هو الأجتماع الذي دار بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره الأمريكي ريكس تيلرسون ( الذي طلب بتهذيب وأصرار من الصحفيين مغادرة القاعة ليكون الأجتماع مغلقا ) على هامش أجتماع لوزراء خارجية مجموعة العشرين في ألمانيا ، حيث القضية السورية على طاولة هذا الأجتماع ليتم الأتفاق على مجريات جنيف 4 خارح قاعة المؤتمر وخلف الكواليس وكما هي العادة .
وفي السياق ذاته فأن مؤتمر جنيف 4 من الناحية الشكلية يختلف عن المؤتمرات السابقة من خلال عدة أحداث جعلت موقف الأسد أشد وطأة وقوة من موقف المعارضة وذلك من خلال ..
سيطرة الأسد وحلفائه على مدينة حلب ، والصراع الدائر بين الفصائل العسكرية المعارضة في محافظة أدلب السورية وماترافقه من عمليات أعدام جماعية ونزاع مسلح بين جميع الفصائل ، وتنحي الرئيس أوباما عن مقعد الرئاسة وتولي ترامب دفة القيادة والمتهم من قبل أغلب الأوساط السياسية الأمريكية بقربه من الكرملين وتوجهه نحو التصالح مع الجانب الروسي وأزلال العقبات أمام تلك الخطوة ، ولعل بعض المحللين السياسيين سقطوا في فخ تصريح البيت الأبيض بأنتظار الرئيس ترامب بقيام روسيا الأتحادية بأعادة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا ليستنتجوا من خلال هذا التصريح بسوء العلاقة بين البيت الأبيض والكرملين !! وحقيقة هذا الأنعطاف المفاجىء في سياسة ترامب الطامح بأزالة العقوبات المفروضة على روسيا وتقريب وجهات النظر مع الكرملين ماهو إلا لذر الرماد في العيون !! لتصبح الرؤيا ضبابية بالنسبة لاولئك المشككين بالعلاقة الغامضة مع الكرملين ، وللتغضية على فضيحة مستشار الأمن الأمريكي مايكل فلين ولأسكات الأصوات المطالبة بفتح تحقيق حول تلك القضية ، فلقد أفادت وسائل إعلام أمريكية بأستقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل فلين من منصبه على خلفية فضيحة أتصالاته مع روسيا قبيل تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة وتضليله (مايكل فلين ) وزارة العدل بفحوى تلك الأتصالات وأعتقادها بأنه كان عرضة للأبتزاز الروسي .
كما وتعول الكثير من الأطراف السياسية على ننائح هذا اللقاء ولكن من الناحية العملية فأنني أجزم بأن القضية السورية لن تخرح من عنق زجاجتها الضيقة ولن يكون جنيف 4 جامعا لرؤى جميع الأطراف ، ولن ينتح عن ذلك المؤتمر صياغة ملامح مرحلة قادمة تتصف بالهدوء من شأنها أن تؤدي لأخراج الشعب السوري من دائرة الموت ، وأن العملية بشكل عام هي لتبادل الأتهامات بين الفريقين المتصارعين ولتفتيت عقبات الأختلاف بين اللاعبين الكبار ، حيث سيكون جنيف 4 محور التفاهمات القادمة بينهم .
مع الأشارة وكما ذكرنا في هذا المقال نقاط القوة التي يتمتع بها الأسد في هذه المرحلة ولكن التشكيك في أرادة القوى العظمى بحل لغز هذا الملف الشائك ، ففي مراحل سابقة كانت المعارضة تملك نقاط أكثر قوى وفعالية ولكن لم يتم التوصل إلى بوابة الخلاص !! فالقضية السورية شكلت أرضية لتصفية الحسابات بين الجميع مع تهميش الدور السوري المؤسس لذلك الصراع مع تفاقم جبروت نظام الأسد وتطبيقه سياسة الظلم الممنهج بحق الشعب السوري .
فالشيطان يكمن دائما في التفاصيل ومؤتمر جنيف عبارة عن جولة سياحية للأطراف المشاركة لألتقاط الصور الفوتغرافية ، ومسرحا هزليا من المواقف الغير مسؤولة من قبل القوى العظمى التي من واجبها أحقاق السلام العالمي !!!
على مايبدو بأن مأساة الشعب السوري مستمرة والوضع السوادوي يزداد أتساعا ، وينبغي علينا عدم أنتظار نتائج جنيف 4 والتبجح وبصورة أرتجالية حول فعالية هذا المؤتمر لأنعاش أحلام السوريين ومن أجل أشغال الراي العام عن حقيقة مايجري خلف الكواليس !! فأمريكا لن تخاطر بدخول حرب عالمية لأجل السوريين كما أن روسيا لن تقوم بذلك أيضا ، كما يجدر التنويه هنا بأن الأطراف المتنازعة على الأراضي السورية لن تقوم بفرملة تصرفاته العدوانية تجاه الشعب السوري .
كما يجب عدم التركيز حول التفاصيل الأخرى .. كتوغل اللاعب التركي بالأراضي السورية وأحتمالية تصادمه مع قوات الأسد ، وأستعادة داعش لمدينة تدمر وأعتراف البيت الابيض بأستحالة القضاء عليه في الوقت الحالي ، وتقهقر الفصائل المعارضة وقيامها بتصفية أبناءها في مدينة أدلب !! فجميع تلك التفاصيل ثانوية ويمكن تحويل مسارها ببضع أتصالات هاتفية بين الكبار ، كما ولاتشكل تلك التفاصيل نقطة تحول في التفاهمات الكبرى بين الدول الفاعلة على الساحة الدولية .
عندما تصبح الشعوب وقودا للصراعات العالمية الكبرى ماذا يفعل ركاب تلك العربة المتجهة نحو السقوط في وادي الموت السحيق سوى الدعاء واليقظة والعمل بهدوء لتشكيل جبهة داخلية تستطيع مقاومة تلك الدول الأستعمارية ، ويجب أن لانغفل عن الحديث الشريف للرسول الكريم صلى الله عليه و سلم (كما تكونوا يولى عليكم ) فعندما نصحح أنفسنا تصلح أمورنا والله ولي التوفيق .