كـَتـَبه... ليس كـُتـّابْ
![كـَتـَبه... ليس كـُتـّابْ كـَتـَبه... ليس كـُتـّابْ](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/56438.jpg)
في أوائل السبعينات، وفي جريدة الرأي، التي لم أعمر بها طويلاً وإنتقلت بعدها إلى الدستور، طلب مني الأستاذ الفاضل فهد الريماوي، الذي كان يرآس قسم التحقيقات في ذلك الزمن، أن أجري تحقيقاً مصوراً عن كتبة الإستدعاءات، أنجزت المهمة الصحفية، وكذلك أنجز العزيز يوسف العلان التقاط الصور، ونجحنا في المهمة التي أثـلجت صدر الأستاذ " ابو المظفر "، وخرج حينها بعنوان " دخول الكتـّبة أكثر من الكـُتـّاب "...
ما يـُذكرني بتلك الأيام ونحن في الألفين وعشرة، وفي ظل النهضة التكنولوجية.. ما أشاهده يومياً وبشكل متسارع على بعض المواقع الألكترونية.. فالكتبة تحولوا إلى كـُتـّاب.. فالمجال متاح لمن يريد أن يخربش.. وما عليه إلا إرسال خربشاته إلى أي موقع ألكتروني، وسينشر مع صورته التي يختارها هو...
الحقيقة وأقولها بألم.. أن هذا الحال أصبح فيه نوع إقتحام البعض إلى عالم الكتابة.. وقررت بداخلي أن أتخذ موقفاً من بعض هذه المواقع وحجبها عن جهازي بإرادتي.. إلا أن يقرر رئيس التحرير في تلك المواقع أن يستعمل الغربال، او المُـنخل.. ولا ينشر كل ما يصله من ترهات... وهطرقة....
إنني أؤمن تماماً بحرية الرأي والتعبير، ولكن أقولها من الأعماق، رُبما كل شيء قابل للعرض والطلب إلا الكتابة... فالكاتب ليس رقماً في عالم البورصة، وأسواق المال المنتشره هنا وهناك.. الكاتب لا تحركه دورة الأسعار كا تشتهي رياحها وتحب، الكتابة ليست إرتزاقاً، فهذا القلم الذي ما زلت أصر على إستعماله، سلاح فتاك، يتجاوز في حدته وعنفه كل سلاح... والكتابة ليست لقناصي الفـُرص.. والباحثين عن النجومية والشهرة.. لأن الكاتب هو شاهد على العصر، وينقل شهاداته للأخرين بصدق وآمانة، دون زيف وتزويق... الكتابة عشق قبل أن تكون إحترافاً ومهنة وآطراً وظيفية...
ما نراه الآن من كتبة، تجاوزوا حدود المنطق والمعقول.. أصبحوا يجمعون ما لا يـُجمع.. يؤمنون بتعدد الزوجات وهم يعرفون أن الكلمة الصادقة زوجة تحب زوجها، وتغار عليه من نسمة هواء ( كما تقول الرائعة فيروز )، ولكنهم يخونوها في وضح النهار، وبسـَبق الإصرار، إنهم كتبة إستدعاءات أمام المحاكم، يحبرون المقالات والدراسات حسب الحاجة، ماركة مسجلة تجدها في جميع الأسواق والمواسم، إنها فاكهة محرمة، لا تعرف الإختفاء فهي تنبت في البيوت المكيفة، لا يثنيها برد ولا قيظ... إنهم لا يريدوا ان ينسوا صورهم التاريخية التي عفا عليها الزمان... الصور ذاتها لم تتغير وفي لقطات مخلتفة تلائم الفصول الأربعة.. تقرأ لهم في المطبوعة قبل أعوام شيئاً، ثم تعاود القراءة على المواقع المتعددة شيئاً اخر يناقضه ويدحضه.. ويبرهن على عكسه.. وفي اليوم التالي إذا تابعت هؤلاء الكتبة فإنهم يغيرون أسماؤهم وعلى موقع أخر ومع الرشفة الأولى لفنجان قهوتك الصباحي... نعود .. لنقرأ.. وماذا نقرأ...
إنه الخيال في زمن الكمبيوتر.... والأقمار الصناعية والفضائيات.. كثمار الفطر يتكاثر هؤلاء الكتبة.. وأصبحوا يغزون الأسواق، ويحتلون النوافذ، ويكتبون عن الأفراح والأتراح.. والمناسبات حسب الحاجة والطلب...
تـُرى.. ماذا يريدون؟؟ فقط تسويد بعض الفراغات البيضاء.. أتمنى أن يصمت هؤلاء الكتبة، وأن ينتبهوا إلى مهنتهم.. إذا كان لهم مهنة.. أما أن لم تكن.. فالصحافة والكتابة ليست مهنة من لا مهنة له..