لماذا ينظر البعض لغيرهم بعين حاسدة؟
المدينة نيوز :- الحسد من الصفات المذمومة دينيا ومجتمعيا، وهي صفة تتميز بأنها توقع أكبر الأذى بصاحبها (أي الحاسد) بشكل يفوق الضرر الذي يتعرض له الطرف الآخر (أي المحسود). ومع ذلك فلا يكاد شخص لم يجرب هذا الشعور تجاه غيره. لذا، فبدلا من تكرار ذم الحسد فلنسأل أنفسنا ما الذي يمكننا فعله حيال هذا الشعور البغيض؟
يبدأ الحسد غالبا عبر المقارنة المجتمعية، وهي العملية التي يحاول من خلالها المرء التعرف على قيمته عبر مقارنة نفسه بالآخرين، هذه العملية التي غالبا ما تكون نتيجتها أن يجد المرء نفسه أقل من غيره.
وجدت الأبحاث المتعلقة بهذا الشأن أن عملية المقارنة تحدث بشكل تلقائي وبدون وعي من المرء، ولأن نتيجتها غالبا ما تكون سلبية فإن هذه المقارنة تجعل ثقة المرء بنفسه ورضاه عنها بحالة انكماش. باختصار فإن عملية المقارنة التلقائية هذه يمكن تسميتها “قارن تيأس”.
في أعماق المرء تحدث مشاعر قد لا يلتفت لوجودها، وإحدى أهم هذه المشاعر الخزي. فاليأس يقود للخزي الذي ينتج عن إحساس المرء بأنه غير كفؤ لطموحاته وأنه لا يمكنه حتى مقارنة نفسه بالآخرين. شعور الخزي هذا يعد الوقود المحرك للحسد. فعندما يشعر المرء بالحسد تجاه شخص آخر لا يكون هذا بسبب ما حققه ذلك الشخص من إنجازات فحسب وإنما أيضا لقناعة المرء بأنه لن يستطيع تحقيق مثل تلك الإنجازات مهما حاول هذا.
من خلال ما سبق يتبين لك كم السلبية التي يشعر المرء بها بسبب الحسد، لكن ألا يوجد جانب إيجابي للحسد؟ نظرا لمشاعر اليأس التي تكون مترافقة مع مشاعر الحسد تجاه شخص معين، فإنه يكون من الطبيعي عدم الانتباه للنفحات الإيجابية التي تمر بالمرء؛ فعلى سبيل المثال يمكن للمرء اعتبار الحسد كنوع من المعلومات التعريفية المهمة له.
فالحسد يمنح المرء لمحات عن الأشياء التي يتمنى تحقيقها. لذا جرب أن تسأل نفسك “لماذا أحسد فلان؟” و”ما الشيء الذي يملكه وحفز مشاعر الحسد بداخلي؟”. بما أن المقارنة المجتمعية تحدث بشكل تلقائي وسريع فإن الشعور بالحسد يمكن أن يكون مبهما بالنسبة للمرء، لكن عندما تتمكن من التعرف على مصدر مشاعرك تلك فسيكون من السهل الاقتراب أكثر من السبب ومحاولة معالجته.
فضلا عن أن الحسد يعد مصدرا للمعلومات، فإنه أيضا يمنح المرء الفرصة لتحدي نفسه وتحويل سبب شعوره بالحسد لصالحه. ولتحقيق هذا اسأل نفسك “هل الشيء الذي حفز هذا الشعور بداخلي أتمنى تحقيقه لنفسي بالفعل؟ ولو كان كذلك هل يمكنني تحقيق هذا الشيء أو تحقيق شيء مشابه له يمنحني السعادة؟”.
لو افترضنا أن أحد الأشخاص يشعر بالحسد تجاه جاره كون ذلك الجار يملك سيارة فخمة بينما هو ما يزال يعتمد على سيارات الأجرة لتوصيله للأمكنة التي يريدها. هنا عليه أن يسأل نفسه ترى هل السيارة هي السبب المحفز للشعور بالحسد أم أن السيارة مجرد وسيلة والسبب الحقيقي هو ذلك الشعور بالحرية الذي يتمتع به ذلك الجار وعدم اضطراره لانتظار سيارات الأجرة للانتقال من مكان إلى
آخر.
أيا كانت الإجابة فهي تعد مصدرا مهما للمعلومات التي يمكن للمرء من خلالها التعرف على رغباته وأحلامه ومعاونة نفسه على كبح هذه المشاعر والتركيز على تحقيق ما يمكن أن يجلب له السعادة. والاقتراب أكثر من السبب المحفز للحسد يسهم بالتغلب عليه بدلا من تجاهله واعتباره من المشاعر العابرة التي لن تلبث أن تنتهي وهي في الواقع تكبر وتؤذي صاحبها.