كيف صوّرت بعض مسلسلات الدراما المرأة السورية؟
المدينة نيوز :- لم تقدّم النصوص، والروايات السورية، المُصورة أي دور ريادي للمرأة السورية الفاعلة. على العكس، ظلّت سجينة البيئة الشامية، حتى في دراما "المودرن" التي حضرت في السنوات الأخيرة، وانقسمت الآراء حول دور الممثلات السوريات، وتقدّم الممثلة، في المشهد الدرامي السوري عموماً.
يدخل مسلسل "باب الحارة" عامه التاسع، متسلحاً بشهرة اكتسبها هذا النوع من أعمال تُعرف بالبيئة الشامية: علاقات اجتماعية شكّلت فيها المرأة تحديداً، بعداً منح هذا المسلسل مزيداً من المتابعين. لكن المسلسل الذي يؤرّخ لحقبة الانتداب الفرنسي لبلاد الشام، صوَّر المرأة على أنها كائن ضعيف، على الرغم من وجود نساء سعين للحرية في تلك الحقبة الزمنية التي تتناولها القصة.
في قراءة تاريخية سريعة لأبرز الممثلات السوريات، نجد أن الواقع السوري العام فرض نفسه منذ البدايات على أدوار المرأة، ولم ينصب أمامها آفاقاً واسعة تتماشى مع أفكار تقدمية إلّا فيما ندر. شخصية الممثلة القديرة "نجاح حفيظ" في "صح النوم" لم تكن سوى صورة مُصغرة عن المرأة الساذجة، المغلوب على أمرها، والتي تكتشف متأخرة مقالب أحد العاملين لديها في الفندق الذي تمتلكه. همّها الأوحد كان الزواج، من "حسني البورظان" (الممثل الراحل، نهاد قلعي).
مع الوقت، غلب الطابع الكوميدي على مجموعة من الأعمال الدرامية السورية التي تعود إلى عقدين من الزمن. مقاربات من حياة المرأة المغلوب على أمرها مجدداً، قدمتها الممثلة سامية الجزائري، لتشكّل فارقة في عالم المسلسلات الكوميدية لأكثر من عشرين عاماً. إذ جسّدت دور الأم، المتمكنة القوّية، والتي تدير عائلتها بطريقة اعتباطية، هزلية، توقعها في مصيدة من المشاكل، في "عائلة 5 نجوم" وبعدها "عائلة 7 نجوم" لممدوح حمادة وإخراج هشام شربتجي، (إنتاج 1997). بعدها لعبت الجزائري دور "أم محمود" في مسلسل "جميل وهناء" (إنتاج 1997 أيضاً ــ من إخراج هشام شربتجي)، لتكمل صورتها الأولى وتحصر نفسها في مثل هذا النوع من الإنتاجات.
ولم تكن ممثلات هذا النوع من الأعمال الكوميدية الاجتماعية يتفوقن كثيراً على شخصية "أم محمود" في الأعمال ذاتها. نورمان أسعد، الفنانة المعتزلة حالياً، جسّدت دور امرأه عاملة بسيطة، على الرغم من نجاحها كربّة أسرة لا تعرف الغيرة طريقاً إلى قلبها، لكنها تقع في فخ ومواقف ساذجة رغم وظيفتها كمرشدة سياحية. ولا تقل شخصية هناء بساطة عن دور معظم زميلاتها في المسلسل نفسه المسكونات بيوميات وواقع معيشي من دون طموح.
وقدمت الفنانة منى واصف مجموعة من الأدوار الثانوية، والتي جعلتها في السنوات الأخيرة تقف مكانها. واصف، واحدة من أفضل الممثلات السوريات، سجنت نفسها في قالب الأم الرؤوف، المغلوب على أمرها، والتي تعاني معصية أبنائها، أو المرأة المفجوعة، من محيطها.
وخاضت الممثلة أمل عرفة غمار الكتابة للتلفزيون، في عدد من السيناريوهات التي لاقت نجاحاً لافتاً. استطاعت عرفة أن تتقمص شخصية "دنيا" في مسلسل حمل الاسم نفسه. بذكاء، قدمت عرفة في جزأين متباعدين من "دنيا" لثقة المشاهد بالدور الكوميدي الشعبي الذي يحاكي يوميات عاملة منزلية بسيطة. ويصح القول إن أمل عرفة لم تستهلك نفسها في أدوار ثانوية، ضعيفة، بخلاف مشاركتها في مسلسل "جريمة شغف" السنة الماضية.
كاريس بشار
أغنت تجربة كاريس بشار، في السنوات الأخيرة، الشاشة الصغيرة: تحولات جيدة لشخصية الممثلة التي تختزل احترافاً واضحاً. في "غداً نلتقي" قدمت بشار نموذجاً واضحاً عن حنكة المرأة السورية، التي جار عليها الزمن، إضافة إلى بعض أدوار" البيئة الشامية" التي تؤديها باحتراف عالٍ يضعها في موقع متقدم جداً على الخارطة.
وتعد الممثلة شُكران مُرتجى من أكثر المواهب التي عرفت كيف تلوّن أدوارها، لأكثر من عشرين عاماً، رغم اتهامها بتفضيل الكمية على نوعية النصوص، والشخصيات. تُبدل مرتجى جلدها في أي دور يُنسب إليها، من "السكرتيرة" الساذجة في مسلسل "جميل وهناء" إلى آخر أدوارها في "وردة شامية" المفترض عرضه في رمضان المقبل، تحولات كثيرة طبعت ذاكرة المُشاهد، واستطاعت إقناعه، بصرف النظر عن هوية السيناريو، أو التباعد بين الخط الدرامي والفكاهي أو الاجتماعي.
وكذلك لا تقل خبرة زميلتها سُلافة معمار قيمة. إذ مهدت لها موهبتها الطريق لتكون واحدة من أبرز ممثلات جيلها. قد يكون دورها في مسلسل "ما ملكت أيمانكم" (إنتاج عام 2010) واحداً من أهم الأدوار التي لعبتها في السنوات الأخيرة، وكذلك في مسلسل "بنت الشهبندر" (إنتاج 2015)، والذي برهن أن شخصيتها متكاملة في الحكايات التاريخية، والتي تأتي مُكملة لأنواع أخرى من الدراما الاجتماعية. لكنها، كما مُرتجى، متهمة بتفضيل الكمية أحياناً على نوعية الأعمال والأدوار التي تكرر نفسها، وربما هذا ما يقلل من قيمة العمل ويجعله يتراجع.
ولم يقدم مسلسل "صبايا" إنتاج 2009، ورغم أجزائه الخمسة، صورة أمينة وواقعية عن المرأة السورية. اتجه كتّاب العمل إلى النمط الواقعي، البسيط. فنتابع مشاكل يومية لنساء يعانين من الفراغ والفشل العاطفي بقالب غلب عليه الواقع "التجميلي" العربي. فهوجم المسلسل من قبل النقاد، وطرح قبل بداية الثورة السورية مجموعة من التساؤلات حول الهدف من حال البذخ والسفر الذي يتطلب إنتاج خمسة أجزاء من مسلسل لا خط درامياً حقيقياً له.
ولا بد من الإشارة إلى أنه في السنوات الأخيرة تغلبت بعض الممثلات السوريات على الحضور المحلي للأعمال السورية، وخرجن إلى الضوء واكتسبن شهرة عربية واسعة، خصوصاً بعد دخول "الدراما المشتركة" إلى سوق الإنتاج العربي.
وعند الحديث عن نساء الدراما السورية، يبقى لزاماً علينا الحديث عن المخرجة رشا شربتجي التي عرفت كيف تكرّس نفسها وسط المعادلة العامة للمخرجين السوريين. تجربة شربتجي لم تتوقف عند حدود دمشق، بل وصلت القاهرة في أعمال اختلفت في الشكل والمضمون، فقدمت مسلسل "شرف فتح الباب" ليحيى الفخراني، ونجحت في الجمع بين الخبرة السورية والحبكة المصرية معاً.
ربيع فران - العربي الجديد