إعتراف متأخر من وطني أحمق
ولم تكن تحت عباءة زعيم سياسي، وفضلت أن تتحول الى صوت ينادي بحزن الفقراء، والذين يعلمون منهم سيذوبون في خضم المجتمع، ولكن أراءك ومواقفك تلك جلبت عليك غضب البعض، وغيرة البعض، وحسد البعض، وربما نجحت في تجربة العمل المهني فكرهك زملاؤك، وحاربوك وضيقوا عليك، وإمتعض منك سياسيون وحيدوك..
تجد بعد كل هذه السنين إنك غريب وموبوء، ويمكن أن يصفك البعض بالخيانة، أو ببيع الضمير، أو الحصول على المال لقاء خدمة دعائية.. في مهنتنا الصحفية، وعندما تركنا صدام لخلفائه السارقين كنا نحسب أن الوطنية هي أن نتخلى عن المنافع ونبقى نصرخ بمحاربة الفساد والإرهاب، وفي تلك الظروف كان بعض الصحفيين يدخل في جحور شخصيات عليا لها محبون وممجدون، وصار هولاء محبوبين من جمهور هذا الحزب، أو ذاك.
وبينما حقق هولاء مكاسب مادية، ووظائف بقي الصحفيون المنادون بالوطنية كالمصابين بالجذام، يتجاهلهم الناس، ولايعرفون عنهم أنهم يدفعون الثمن، وأصبح المقربون من السياسيين نجوما يدافع عنهم جمهور الزعيم الذي يشتغلون عنده، وليس مهما أن يشتمهم جمهور الطرف المقابل المضاد والمنافس.
أما الذين إتخذوا طريق الوطنية فقد خسروا حتى ضمائرهم التي تؤنبهم إنهم لم يضمنوا لأسرهم العيش الكريم، وصاروا سبة للطرفين المتصارعين. فأحزاب السلطة والمعارضة والشخصيات الكبرى حققت الفوائد، بينما من عول على الوطنية والدفاع عن المحرومين فقد فشل في ذلك الدفاع، وصار منبوذا من الجميع، ويمكن أن يتحول الى موبوء بمجرد أن يعبر عن رأي.
في العراق الشاطر هو من يقرأ الأمور جيدا، وينتهز الفرصة، ويربح معركة الحياة.. وإذا كنتم تهاجمون هذه الشخصية السياسية، أو الدينية فهي تمتلك أضعافا من المحبين والموالين.. في العراق لاتقاس الوطنية بالأخلاق والموقف الشجاع، بل بمقدار حبك وولائك لهذا الزعيم وذاك الحزب. فموقفك الشريف بنظر هولاء هو موقف حقير بنظر غيرهم.. في العراق الأغبياء هم من يتخلفون عن المغانم.. وأغلب الحرامية لهم آلاف المناصرين الذين يقدسونهم.الوطنية في العراق كذبة وإلا فبربك من هو الحرامي ومن هو الصالح بعد أن قطعت أذناب كل الثعالب.. وضاع أبتر بين البتران.
هل تتذكرون قصة الثعلب الذي كان يسرق الدجاج من القرية، وحين لم يعد الناس يتحملون كل تلك السرقات إشتكوا الثعلب الى ملك الغابة، وقالوا له، إن علامة الثعلب هو ذيله المبتور، وحين سمع الثعلب أن الأسد يطلبه الى التحقيق وعرف إن أهل القرية أبلغوه بالعلامة ذهب الى الثعالب وتوسلهم أن يقطعوا ذيولهم جميعا، وعندما جاء الأسد، وجد الثعالب جميعها بلا ذيول، فقال، ضاع أبتر بين البتران..
الحرامية في العراق الآن كالثعالب، ولانستطيع مواجهتهم.