المُتَوفِّي أم المتوفَّى والجذور
المدينة نيوز :- في الجذور نقول المتوفِّي والمتوفَّى ، وهما من الجذر الثلاثي ( و ف ى ) .
وتُوُفِّيَ فلان وتَوَفَّاه الله إذا قَبَضَ نَفْسَه، وفي الصحاح: إذا قَبَضَ رُوحَه، وقال غيره: تَوَفِّي الميتِ اسْتِيفاء مُدَّتِه التي وُفِيتْ له وعَدَد أَيامِه وشُهوره وأَعْوامه في الدنيا.
والوفاة هي المنيّة أو الموت .
وتَوَفَّيْتُ المالَ منه واسْتوْفَيته إذا أَخذته كله.
المتوفِّي اسم فاعل .
والمتوَفَّى اسم مفعول .
وفي المطلق إذا قيل المتوفِّي فهو الله تعالى ، وهو الذي يتوفى الأنفس ، قال سبحانه وتعالى في محكم التنزيل : ((اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) .
والمُتَوَفَّى هو الميت ، توفاه الله تعالى سورة الزمر / 42 .
ويقول الشيخ اللغوي المشهور ، سعيد الأفغاني عن الميت :
قل المتَوفّى ولا تقل المتوفي ، وسُئل في جنازةٍ عن المتوفِّي فقال : الله تعالى .
أي الله تعالى هو الذي أماته وتوفاه .
ولنا وقفة جذورية عابرة ، لا تُخَطِّئ الأفغاني ولا تدينه بحالٍ وهو أستاذنا الأثيل ، اللغوي الأصيل في العالم العربي في وقته ولا تزال مؤلفاته مصادر ومراجع بحثية لنا وللمهتمين في شؤون اللغة .
لو أردنا بالمتوفي الميت الذي استوفى أجله كاملاً ، ألا يجوز من باب أنه اسم فاعل من الفعل ( استوفى// توفي) ؟
وبصيغةٍ أخرى هل يصح أن يُقال: (توفَّى الرجلُ) بالبناء للمعلوم بمعنى (مات)؟
وكما نعلم أصلُ (تُوُفّي) بالبناء للمجهول هو فيما أرى (توفَّى اللهُ الرجلَ مدَّتَه) أي استوفاها بإماتتِه، فـ(توفَّى الرجلُ مدَّتَه)؛ أي: استوفاها، يتعدّى إلى مفعولين وإلى مفعول واحد باللفظ نفسه، ثم بُني المتعدّي إلى اثنين للمجهول فصار (تُوُفّي الرجلُ مدَّتَه)، ثمّ حُذف المفعول تخفيفًا فصار (تُوُفّي الرجلُ)، وشاعَ هذا في كلام العرب.
فيجوز لك إن شئتَ أن تقول: (توفَّى الرجلُ) بالبناء للمعلوم على الأصل. وبه قرأ عليّ رضي الله عنه فيما حكى عنه أبو عبد الرحمن السّلميّ: ((والذين يَتوفّون منكم وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ )) سورة البقرة /240 ، وعاصمٌ أيضًا في رواية المفضّل الضبيّ عنه.
ويجوز لك أن تقول: (تُوُفِّيَ الرجلُ) بالبناء للمجهول. وهو الكثير الشائع .
فأقول : لك أن تقول المتوفِّي اسم فاعل للميت الذي استوفى أجله ، وأخذ مدّته كاملة بللا نقصان ، وإن قلت ( المتوفّى) فصحيح وهو الأصل بمعنى الذي توفّاه الله تعالى وأخذه إليه .
هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين .