حين منح أحدهم جهاز تابلت لابنتي ذات الخمسة أعوام

تم نشره الجمعة 02nd حزيران / يونيو 2017 10:45 مساءً
حين منح أحدهم جهاز تابلت لابنتي ذات الخمسة أعوام
اطفال

المدينة نيوز :- يومها كنت تائهة مشوشة، بينما كنت أحدق في تلك الهدية، صندوق صغير مغلف بورق أزرق جميل وعليه شريط أنيق، لم تكن لدي أدنى فكره عما يجب فعله. كنت قد عرفت ما بداخله بعد قراءتي للبطاقة المصاحبة للصندوق: إنه كيندل فاير (kindle Fire) ذو ماركة جيدة، لابنتي ذات الخمسة أعوام.

حين عاد زوجي من العمل، حدقنا في الهدية سويا، غير واثقين تماما كيف نتصرف، كنا متفقين على أن الهدية الممنوحة من أحد الأقرباء في العائلة سخية للغاية، كما اتفقنا أن ابنتنا ستحبها كثيرا بالرغم من كل شيء، فقد كانت تطلب دائما اللعب على آي باد أبيها كلما عاد، كما كانت مهووسة بالتابلت الخاص بابن عمها، لكن لم يسبق لها أبدا أن امتلكت واحدا، و بصراحة، لم نفكر يوما في فعل هذا على الأقل حتى الآن.

وفجأة واجهتنا تلك الاحتمالية، أن تمتلك طفلتنا تابلتا، ما سيمكنها من اللعب عليه، التدرب على القراءة أو التصفح عبر الإنترنت.

من ناحية فقد بدا أمرا بسيطا غير ذي ضرر، كما رغبنا أن تعتاد التكنولوجيا ولا تتأخر عن أقرانها. هناك أيضا العديد من البرامج التعليمية للأطفال الصغار، إذا ما صرفنا النظر عن فرصتها في شغل وقتها خلال الرحلات الطويلة أو الانتظار المستمر في عيادة الطبيب.

علاوة على ذلك، فقد كانت هدية من أحد الأقارب، الذي أراد أن يخصها بشيء فريد في أيام الإجازات، لم يكن بوسعنا الإعتراض على هذا. وبالرغم من كل هذا كانت لدينا بعض التحفظات الجادة. وضعنا قائمة بالأسباب التي تجعلنا غير مرحبين باقتنائها التابلت.

نعم، وراء الشاشة، عالم كبير: رأيت الكثير من الأطفال وقد فقدوا فن التواصل البصري مع الآخرين لأن تركيزهم منصب دائما على أطراف أصابعهم. من أخدع أنا؟ تستطيع إضافتي إلى تلك المجموعة. أراني أنجرف مع التيار رغم مقاومتي. أعلم كم هو سهل أن تتمركز حياتك في شاشة وأن تفقد إحساسك بكل ما هو حولك. سأبرر هذا بأني بحاجة لتفقد بريدي أو الرد على تعليق ما على صفحتي. لكن الحقيقة هي أني حين أنظر للأسفل فقد فقدت انتباهي لمن هم أمامي، فقدت اهتمامي بتفتح الزهور في الربيع، فقدت التأمل في مشهد زوجين مسنين ينظر أحدهما بعمق إلى عين الآخر. لا أريد هذا لابنتي، أريدها أن ترى العالم، لكن ليس فقط على اليوتيوب.

سيجعلنا هذا في معركة مستمرة: فنحن نحاول إلى حد ما الحد من مشاهدتها للتلفاز ما يؤدي إلى الشكاوى والاعتراضات المتزايدة، أحاول فقط أن أتصور تلك المشاجرات التي سنواجهها حين نحاول منعها من استخدام ذلك الجهاز في أوقات العشاء مثلا أو أداء الواجبات، أو حتى للحديث معها عن يومها. نعم، باستطاعتنا تحديد وقت استخدام التابلت، لكن هل نحن فعلا بحاجة إلى موضوع جديد للتشاجر حوله؟

وعلى كل، ما الذي ستشاهده؟ لقد انهت ابنتي (ولله الحمد ) مشاهدة دورا Dora وهي تبحث الآن باستمرار عن برامج جديدة لتتابعها. ومن حسن حظي فإن وجود التلفاز في غرفة المعيشة يمكنني من المشاهدة معها، باستطاعتي حينها أن أقرر ما البرامج المناسبة وأن أمنعها مما يمكن أن يشوشها (مثل هاو ريل جيرلز، بخلاف ذا وينكس فيريز). أما تلك الأجهزة المحمولة فتقلل من فرص الإشراف والمراقبة، أعلم بوجود برامج وتطبيقات للمراقبة، لكني مازلت غير مرتاحة تماما للشاشة التي سأعجز عن مراقبتها بسهولة، خاصة تلك المتصلة بالإنترنت. وبالرغم من أنها لم تتعلم القراءة بعد لكن هناك الكثير من المحتويات الضارة يمكن أن تواجهها على شبكة الإنترنت، فليست كلها صور قوس قزح والقطط الراقصة!

جهاز عظيم يتتطلب مسؤولية عظيمة: مع بداية الشتاء فقدت ابنتي 90 بالمائة من قبعاتها وقفازاتها، إنها تنسى أشياءها دوما، في الأتوبيس، في بيت صديقة أو في حمام المتجر. أتفهم أن تفقد أشياء مثل القبعات والقفازات فما زالت في الخامسة من عمرها، لكن بالطبع سأحزن كثيرا لو فقدت الكيندل فاير، وهي ستفعل. لماذا أحملها مسؤولية كهذه؟

أخ صغير مشاكل كبيرة: لابنتي أخ في الثانية من عمره، له مشاكله. أتبع العشاء ليلة أمس ب20 دقيقة من الصراخ المستمر حين أصر على استخدام آنية أخته الفضية. أستطيع أن أتصور بسهولة ما سيحدث من ضوضاء حين تكون في الساحة آلة إلكترونية مضيئة. إنه يشبه الـ zen (الزين رياضة يابانية ليس فيها حركة تكون بالجلوس والتأمل لاستكشاف الذاتا)

أما الأمر الأخير والأهم فهو قدرة ابنتي المدهشة على الجلوس بلا حراك! كثيرا ما نسافر لست ساعات بالسيارة لزيارة أنسابنا. خلال هذه الرحلات تغفو أحيانا، تلون بالألوان أو تلعب بالعرائس. لكن ما يتكرر دائما أنها تبقى جالسة. لست متأكدة إذا ما كانت تشاهد المناظر الطبيعية أم تغوص في أفكارها، لكن هذه القدرة على البقاء هادئة متأملة، كما هو حالها، هي موهبة ينبغي أن تنمى. لقد رأيت التغيرالملحوظ بعد ظهور آي باد والدي، فجأة أصبحت تلك الفتاة الهادئة لا تستطيع الجلوس في السيارة لعشر دقائق دون المطالبة باللعب على أنجري بيردس! فبينما أوافق الآباء الذين يعتمدون على التابلت لإبقاء أبناءهم هادئين في السيارة، إلا أن ابنتي تبدو جيدة بدون هذه الوسيلة الملهية، وأود لو تبقى هكذا لمدة أطول.

أعلم أنه من المستحيل تأجيل الأمور المحتومة إلى الأبد. العالم من حولنا وإدماننا نحن التكنولوجيا جعل هذا غير ممكن. ستحتاج ابنتنا في النهاية واحدا من هذه الأجهزة للمدرسة أو لن تكف عن التوسل حتى نخضع لها في نهاية الأمر. لكني أحب الاعتقاد بأنه ما زال أمامنا بعض الوقت لننمي خيالها ونشجعها على العيش في الواقع ولو لفترة قصيرة.

وهكذا، وبعد حوار محرج، قمنا بإعادة الكيندل. لم يكن قرارا سهلا أو مريحا لكنه الأفضل لأسرتنا. على أي حال من المحتمل أن تبقى تلك الطيور الغاضبة (أنجري بيردس) منزعجة لعدة سنوات حتى نصبح كأسرة مستعدين لدخول القرن الـ 21.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات