غوطة دمشق الشرقية.. حصار داخل حصار
المدينة نيوز :- تعيش غوطة دمشق الشرقية أوضاعا شديدة الصعوبة بسبب الاقتتال بين جيش الإسلام من جانب، وهيئة تحرير الشام وفيلق الرحمن من جانب آخر، مما أوقع عشرات القتلى والجرحى، وتسبب بحصار بجانب حصار النظام، وتهجير متبادل للسكان.
"المواطن الغلبان يعبر جبال طوروس من غربستان ومن ثم هضبات الهملايا في شرقستان حتى يصل إلى الدكان"، قد تبدو هذه الكلمات التي نشرها أنس الخولي -وهو أحد ناشطي غوطة دمشق الشرقية الإعلاميين- من صنوف الخيال إلا أنها تعكس الواقع الذي يعيشه أهالي الغوطة خلال الأسابيع الأخيرة.
فمنذ بدء الاقتتال الداخلي بين فصائل المعارضة المسلحة المسيطرة على هذه المنطقة أواخر أبريل/نيسان الفائت يصف سكان الغوطة حياتهم بأنها باتت "حصارا داخل حصار"، مع انقسام الغوطة إلى قطاعات يقع كل منها تحت سيطرة فصيل معين.
ويستمر القتال الدائر بين جيش الإسلام من جانب، وهيئة تحرير الشام وفيلق الرحمن من جانب آخر حتى اليوم، حيث يتبادل كل من جيش الإسلام وهيئة تحرير الشام هجمات على مقرات بعضهما البعض، ويقف فيلق الرحمن موقف المدافع عن الهيئة، مما أوقع عشرات القتلى والجرحى من كافة الأطراف.
ولا تقتصر مظاهر هذا الاقتتال على المواجهات العسكرية، إذ رفعت السواتر الترابية وأغلقت بعض الطرقات بين مناطق سيطرة كل طرف من الأطراف المتنازعة، مما دفع المدنيين للخروج في مظاهرات تنديدا بالتضييق الذي يزيد من وطأة حصار النظام السوري المفروض على الغوطة منذ ما يقارب خمسة أعوام.
معاناة كبيرة
ويتحدث زياد -وهو أحد سكان الغوطة- للجزيرة نت عن هذا الانقسام الذي "بات جليا من خلال الحواجز المنتشرة بين مدن وبلدات الغوطة المتلاصقة وحتى داخل المدينة الواحدة، مما يعطي مؤشرا على اختلاف الرؤى والتوجهات".
ويطلب عناصر تلك الحواجز من المارة -بحسب زياد- إظهار الهوية وتحديد الوجهة، "وقد يدفعهم الشك في الولاء لفصيل معين للصراخ والتوبيخ الذي قد يصل حد الإهانة، مما جعل التوجه من بلدة إلى أخرى كالتوجه من بلد إلى بلد، وأدى لانقسام فصائلي ومناطقي داخل أطياف مجتمع الغوطة الشرقية".
ويشير زياد إلى الارتفاع الكبير للأسعار داخل الغوطة نتيجة حصار النظام المطبق، حيث يبلغ ثمن لتر الوقود 2700 ليرة سورية (أي أكثر من خمسة دولارات)، ويبلغ سعر أسطوانة الغاز خمسين ألف ليرة (حوالي مئة دولار)، مما جعل حركة السيارات محصورة تقريبا بالفصائل المقاتلة، وأدى إلى غلاء فاحش في المواد الغذائية والفواكه والخضار نتيجة ارتفاع تكاليف نقلها.
ورغم هذه الصعوبات المعيشية التي يعاني منها سكان الغوطة يبقى التهجير القسري واحدا من أكبر مخاوفهم في الوقت الراهن، "وهو أمر لم يعد مقتصرا على النظام السوري، إذ شهدت المنطقة حوادث تهجير من قبل الفصائل المتقاتلة لبعض ممن يعيشون في مناطق سيطرتها ويوالون فصائل أخرى"، وذلك وفق زياد.
تهجير
وتتمثل تلك المناطق -بحسب الناشط الإعلامي أنس الخولي- في قطاع سيطرة جيش الإسلام والذي يضم دوما ومسرابا وأجزاء من مرج السلطان، وقطاع سيطرة فيلق الرحمن، والذي تقع ضمنه بلدات حمورية ومديرة وبيت سوى وسقبا وجسرين وكفربطنا وحزة وعين ترما وجوبر وعربين، وكذلك أجزاء من المرج.
ويرى الخولي أن غوطة دمشق الشرقية "تعيش أحلك أوقاتها من حيث الحصار والتقسيم الذي بات واضحا للعلن، ولم يعد منحصرا في الفصائل العسكرية بل امتد ليصبح تقسيما جغرافيا ومدنيا، حيث تعتبر كل منطقة بمن يقطنها الحاضنة الشعبية للفصيل المسيطر عليها".
وامتدت تأثيرات هذا الانقسام لتشمل التبادل التجاري بين القطاعين، "فتارة يمنع جيش الإسلام إدخال مواد غذائية إلى القطاع الأوسط (أي مناطق سيطرة فيلق الرحمن)، وطورا يمتنع الفيلق عن استقبال تلك المواد من قطاع الجيش"، مما زاد من وطأة الحصار وألقى بظلاله على أسعار وتوافر المواد الغذائية.
يشار إلى أن المعبر الوحيد المتاح إلى الغوطة الشرقية في الوقت الراهن هو معبر مخيم الوافدين قرب مدينة دوما، والذي دخلت منه عدة قوافل تجارية منذ إعلان الغوطة منطقة آمنة أوائل مايو/أيار الفائت.
ويختتم الخولي حديثه بالقول "ينتظر أهالي الغوطة بفارغ الصبر التطبيق الكامل لاتفاق مناطق خفض التصعيد، وتحديد المعابر التي سيتاح لهم من خلالها الدخول والخروج، والتي باتت أملهم الوحيد لإنهاء معاناتهم".