العيد بين المترفين والمعدمين
سمي العيد بهذا الاسم لعوده في كل عام وكل الأعياد في جوف عيد الفطر الذي يأتي بعد عبادة الصوم وعيد الأضحى الذي يأتي بعد عبادة الحج أو عشر ذي الحجة.
والعيد للعبادة والشكر وليس للهو المحرم والعبث السادر في الأموال وصرفها في معصية الله تعالى، فما نشاهده من مظاهر الترف والتوسع في ملاذ الحياة الدنيا وشهواتها إلى درجة الطغيان لا يقره شرع ولا عقل، ويظهر ذلك جليا في نفسية المترف وسلوكه، حيث يعتبر نفسه متميزا عن عامة الناس وجمهرتهم فيتجاوز حدوده في الصرف والإسراف ليشبع حاجة في نفسه تصل إلى ما فوق حد التبذير، مع سوء استخدام للنعم التي أنعم الله تعالى بها عليه، فهو يرتع كثيرا ويفسق كبيرا ليشعر الآخرين أنه من طبقة الكبراء الناعمين أصحاب المال والخدم والدعة والراحة والسيادة.
والمترف يستهتر بالقيم والمقدسات والكرامة والأعراض والحرمات وغالبا ما يكون في موقع متقدم متنفذ بسبب تحلل الأمة واسترخائها وفقدان حيويتها وعناصر بقائها وقوتها فلا أهمية عنده للجهاد والمقاومة ولا تحمس للقاء العدو ومقاومته. فعدونا لبس الحديد لضم القدس وهدم الأقصى وتهويد فلسطين والمترفون لبسوا ألوانا من حلل الحرير وهم من طين يرضون بمباهج الأرض ويتوسعون في ذلك توسعا عظيما ويتفننون بالزينة والزخارف ويهتمون بأدوات الترويح واللعب وتشجيع الفتن الطائفية التي تمزق وحدة الأمة الواحدة بل البلد الواحد والذي تتآمر عليه الدول التي تسمى بالعظمى و رسمت حدوده باتفاقية سايكس بيكوجديدة .
أما المعدمون في العيد فهم الأغلبية الصامتة التي تكدح وتعيش حياة قاسية في بؤس وشقاء وتتحمل أعباء الضرائب على الرغم من ضيق ذات اليد والتقتير في الرزق، فهم يشقون وغيرهم من عرق جبينهم يأكلون وإذا تأخروا عن دفع الإتاوة التي عليهم فالمترفون لأجسادهم المنهكة يعصرون لأن المعدم ظل للمترف، وحياته امتداد لحياته ، فلا بد أن يكون المعدم هزيلا ليذوب في شخصية سيده ذوبانا لا إرادة فيه، ولا حرية ولا كرامة، فعجلة الحياة تدور من أجل المترف المبجل، فلأجله يتعب الفلاح ويشتغل العامل ويجتهد الصانع ويؤلف المؤلف وينظم الشاعر ،وما على المعدم إلا أن يعيش حياة الصعاليك والأرقاء والمماليك ليسعد صاحب الحظ المدعوم من جهات معلومة وغير معلومة .
لقد نخر سوس الترف في كثير من الدول فأورثها الذل والهوان والخور والضعف والنسيان فلم تستطيع أن تقف في وجه أعدائها فسقطت سمعتها وهان على الناس شأنها فإذا لم يجد المترفون من يأخذ على أيديهم عاثوا في الأرض فسادا ونشروا في الأمة الفاحشة وأشاعوا وأرخصوا القيم العليا التي لا نعيش إلا بها ولها، فالأمة كلها مسؤولة حكاما ومحكومين عن عبث هؤلاء لأنها لم تضع ما يضبط تصرفاتهم بأنظمة وقوانين تحد من نشاط وتأثير المترفين، وكما أن الدول اتفقت وتجمعت لمحاربة الغلو والإفراط في الدين لأنه كما يقولون يسبب الإرهاب والخلل في الوطن والمواطنين فيجب عليها أن تحارب الترف والمترفين حتى لا تنهار أخلاق وقيم الأفراد منفردين ومجتمعين وهم في الحقيقة السبب الرئيس في التطرف و الارهاب ،وحتى تنفق الأموال في ما ينفع الدنيا والدين ولو أن جزءا من هذا المال أنفق على صناعة العظماء لكان أجدى وأنفع.
فهل يمكن أن نجعل للعيد بشاشته وذلك بتحويل المصروفات الترفية والترفيهية إلى ما يفيد الوطن والمواطنين؟ فالوطن بحاجة إليها أكثر من أي يوم مضى. وهل يمكن أن نعطي جزءا من هذه الأموال للمعدمين الذين هم عماد الأوطان؟ فإلى متى تبقى أموالنا ضائعة وبطون المعدمين في العيد جائعة وأجسادهم عارية؟ ومتى يشعر المترفون بأن حولهم أناسا أمثالهم وأخوة لهم يشتهون عشر معشار ما يبذرون أو أقل منه؟!