أحلام فلسطينية مقبورة تكشف عنها مجموعة "تقاسيم الفلسطيني" القصصية للدكتورة سناء الشعلان
تقاسيم الفلسطيني" تقاسيم "سناء" ، هذه المرأة المشرقة التي تربّت بكتاباتها على كتف الفلسطيني ، لذا كانت "التقاسيم" ترسم حباً وآمالا ... إنها "سناء" التي تمتلك مواصفات المبدع الخلاق.
* قالت لي الدكتورة "سناءالشعلان":« ... اللّغة أعظم هدايا الرب لنا .»
.
- وصلتني منذ يومين مجموعة قصصية للدكتورة سناء الشعلان "تقاسيم الفلسطيني" ، فرحتي بهذه المجموعة لا يمكن أن تتحملها عبارة ، أو يزنها تنميق لفظة ، فأنا لم أطلب المجموعة ، لكنّ الأستاذة سناء – مع وزنها الفكري ، وثقلها الأدبي – تكرمت لتجتثني من قاع النسيان فتكلف نفسها عناء إرسال المجموعة عبر البريد ، لتصلني من الأردن الغالي إلى الجزائر في مكتب عميد الجامعة ، فأبدأ قراءتها منذ اللحظة التي استلمتها فيها .
- الدكتورة "سناء الشعلان" فلسطينية حتى النخاع ، تعيش وطنا ... تعيش قضية ، تتنفسهما تماما كما نتنفس الهواء ، "تقاسيم الفلسطيني" ليست – في رأيي – مجموعة قصصية بقدر ما هي معلقة تاريخية استطاعت من خلالها الكشف عن أحلام فلسطينية مقبورة ، فالكاتبة تمسك بك بقوة اللغة لتلقي بك في بركان الفلسطيني ... فتعيش اللحظة وتتقمص الفلسطيني ، تمتلك هذه الكاتبة قدرة عجيبة في نسج صور أخّاذة حتى بمعجمها المتواضع ، فهي تسرح باللغة كما لو أنها تتهادي بهذه التقاسيم ، ليس فقط لأنها فصيحة ، بل أيضا لأنها تسكن كل عوالم الذات ، تقول في ( تقاسيم الوطن ) أقدام ، ص12 : « جاء العيد وهي وحيدة في المستشفى ... حذاؤها كان إلى جانب رأسها ، وهو حصتها من هدية العيد ، لم تعد عندها قدمان لتلبس هديتها ... » ، هكذا اختارت صاحبة ( التقاسيم ) أن تمسك بيد القارئ كي يعيش داخل القلب الفلسطيني بكل ما يعيشه من يوميات رهيبة ، لغة "سناء" تشدك بخيط رفيع لا تدركه الأبصار ، هذه اللغة تحمل مع قوتها الرهيبة إحساسا أنوثياً منقطعاً ، لتجعلك تشعر ببساطة الألفاظ أنها الابنة والأم والأخت والزوجة وكل شعور جميل في هذه الحياة ، لأنّها هكذا ببساطة ، حياة – مع قساوتها - مستمرة بكل تفاصيلها وطقوسها ... رغم أنف العدو .
- "سناء الشعلان" ... ابنة شرعية لكل فلسطيني مرّ هناك في أروقة التعذيب وزنزانات الاحتلال ، هذا الشعور تولده قدرة الكاتبة في تقريب تلك العذابات التي تحسها الأنثى على حاجتها إلى ذلك السقف الأبوي الغائب ، ذلك السقف المتفرد بمواصفاته ، تقول في ( تقاسيم المعتقل ) عيد ميلاد ، ص85 : « الآن ستحرم من رؤية والدها حتى آخر لحظة في عمرها ، وهو المحكوم بالسجن مدى الحياة ... وتغمض عينيها ، وتتمنى أمنية عيد ميلادها ، هي أمنيتها الوحيدة ، ثم تطفئها ، وتشرع تنتظر أن تتحقق أمنية عيد ميلادها ، فيفتح والدها باب بيتهم نحوها ليبدأ الاحتفال بعيد ميلادها » ... لا فرحة في تقاسيم الفلسطيني ، حتى أعياد الميلاد محرمة مادام في السجون آباء وأمهات .
- هي الأم ... عندما تقول في ( تقاسيم الشتات ) إقامة ص107 : « ... وكلما سألها طفل من أطفالها الستة عن وجهة سفرهم حضنته ، وغربت في نحيب جهوري لا يؤمن بأنّ صوت المرأة عورة ، وقالت له بحيرة وضياع : لا أعرف إلى أين علينا الرحيل » ، هذا الضياع التي تقربه الكاتبة إلى أذهان القراء شيدته لغة بسيطة ، لكنها توحي بكل معاني الحيرة والقلق على مستقبل الأبناء ، إنها الأم الفلسطينية ، هذه الأم التي تختلف عن أمهات الدنيا كلها ، أم تعيش في قاع البركان ، تودع الولد والزوج صباحا متأهبة لذلك النحيب جهوري الذي لا يؤمن بأنّ صوت المرأة عورة ، فقد لا يعود منهم أحدا مساء ، فإذا عادوا توجست خيفة مما قد يحدث في أية لحظة وهم بين أحضانها .
- لغة "سناء" تتجول بك بين التقاسيم لتضعك داخل معاناة الفلسطينيين بأسلوب مباشر، متجنبة بهذه المباشرة أي تأويل أو التباس في تقدير الأحداث ونقلها ، واللغة هذه تحديدا تحيلك على تجربة منقطعة في ربط الأحداث بتسلسل حكيم ، أقول تسلسل حكيم لأن " تقاسيم الفلسطيني " تتكوّن من مئة وأربع وسبعين قصّة قصيرة موزّعة على سبعة عناوين كبرى ، وهي تقاسيم الوطن ، وتقاسيم المعتقل ، وتقاسيم المخيّم ، وتقاسيم الشّتات ، وتقاسيم العرب ، وتقاسيم العدوّ ، وتقاسيم البعث ، هذه التقاسيم كلها تتكاتف لترسم الفلسطيني واقعا ومعاناة ، على الرغم مما يبدو من أن هذه المجموعة لا تتصل ببعضها .
- "تقاسيم الفلسطيني" تقاسيم "سناء" ، هذه المرأة المشرقة التي تربّت بكتاباتها على كتف الفلسطيني ، لذا كانت "التقاسيم" ترسم حبا وآمالا ... إنها "سناء" التي تمتلك مواصفات المبدع الخلاق .... فهنيئا للفلسطيني بها ، وهنيئا لها بهذا النجاح ...